جمال الشوفي
في ذكرى الاستقلال، وبعد ثمانية أشهر من المظاهرات اليومية المتواصلة في السويداء، انتقل مسرح ساحة الكرامة ليحتفل في ذكرى جلاء اخر الجنود الفرنسيين عن سورية، إلى بلدة المزرعة التي بني فيها ضريح شهداء الثورة السورية الكبرى.
على مسرح ساحة الكرامة أعيدت ذكرى صناع الاستقلال والآباء المؤسسين للوطنية السورية قبل أن يهدرها حكم العسكر وسلطة البعث التعسفية. ومن على مسرح ساحة الكرامة يستعاد التنوع السوري، الفرح السوري، الحلم السوري، الذي اغتالته ألاف أدوات الاجرام والحرب. يعاد انتاج القيم الحضارية فنيًا وأدبيًا وثقافيًا، ويُقدم منتجها السياسي في شارة البداية وعلى وقع ألحان موسيقى السلام والوطنية، و”ارفع راسك فوق أنت سوري حر”، وهذا الفرح ثمين.
من سياقات التشظي السوري سياسيًا ومجتمعيًا إلى عودة الألفة والمحبة، من القسوة والجحود يعود الناس لمعدنها الأصيل وثقافتها الكامنة في الصدور متجاوزة كل الخلافات التي سادت في السنوات الماضية بين السوريين سياسية كانت أم شخصية. على مسرح السويداء تحضر قيم العدالة والسلام والتحضّر، التنوع واحترام الاختلاف وحرية التعبير، وتقحط النفوس عنها تراكمات الاستنقاع السوري المريرة. وهذا الافصاح يخرجه شباب وشابات سوريين يمتلكون الفاعلية والجدارة والاستحقاق والاستعداد على تحمل مسؤولياتها التاريخية في إمكانية إعادة بناء سورية دولة لكل السوريين. دولة الحق والقانون، دولة السلام والأمان والاستقرار، دولة سيادة القانون وليست سلطة لرعاية تجارة المخدرات والكبتاغون، دولة عَلمانية تسود فيها العدالة وليست سلطة للطغيان وقوى التطرف والميليشيات الطائفية وقوى الأمر الواقع، دولة المواطنة والديموقراطية والحقوق المتساوية المدنية والسياسية والدينية دون تمييز عرقي أو ثقافي أو ديني أو جندري.
اليوم اذ يستعيد السوريون ثورتهم السلمية في السويداء، المحافظة ذات الأكثرية من الأقليات المعروفة بالموحدين الدروز، والتي نأت بنفسها عن العمليات العسكرية التي اجتاحت كافة الجغرافية السورية، ويجاوبها التظاهر السلمي من لا زال يمكنه ذلك من المدن السورية المنهكة. فقد مضت مظاهرات السويداء السلمية والمدنية في شهرها التاسع مصرة على أن التغيير السياسي والسلمي بات ضرورة ملحة وعاجلة، لا مجال للتأخير والمماطلة فيها. هذا التغيير السياسي الذي تعطل مرارًا وتكرارًا منذ قرار جنيف 1/2012، وقرار 2254/2015، ومفاوضات جنيف المتتالية، واللجنة الدستورية المتعددة منذ 2019. وجميعها تشير بما لا يقطع الشك، أن الحل السوري الفعلي لم يبدأ بعد، وأن نتائجه الكارثية مستمرة لليوم بملايين اللاجئين والنازحين داخلًا وخارجًا واستمرار هجرة الشباب السوري لليوم، وأن مستويات خط الفقر تجاوزت 95% من عموم السوريين، وسورية دولة غير آمنة وفي أخر السلم العالمي للحريات والتعليم والصحة والحياة..
المسرح السوري اليوم في ساحة الكرامة يبحث أدوار جماعية للسويين جميعاً، تخرجه من دائرة مسرح مونودراما سلطة البعث الوحيدة، حيث الممثل والمخرج هو رأس سلطة الدولة وباقي الشعب مصفق مهلهل! إلى مسرح تفاعلي تجاوبي بين كل السوريين يبعث على الحيوية والحياة، يبحث عن تجديد وتحديث طرق عملنا السياسية وأدواتها الصدئة أيديولوجية كانت و/أو نفعية شخصية محضة. فكل طموح فردي أو فئوي يحاول تجيير المنتج السياسي السوري لمصلحته الوحيدة هو إعادة انتاج نظام البعث السابق ومسرحه التسلطي القهري ومعتقلاته الممتلئة بشتى أنواع الجريمة الإنسانية. فيما استحقاقات اليوم وضرورات المستقبل تبحث في القيم الحضارية والمدنية والسياسية المجتمعية التي عادت للتعبير عن ذاتها بكل تنوعها وارادتها الحرة، وتنظر بعين الحرص والمسؤولية عن تفعيل كل الإمكانيات السورية للخطو ناحية المستقبل دون وهم أو اضغاث أحلام باستبدال سلطة بأخرى؛ والأهم، أن عنوانها العام هو الخطوة الثابتة والواثقة ناحية المشترك السوري كهوية وطنية، واستحقاق العدالة والسلام.
من على مسرح الكرامة في السويداء، السوريات والسوريون يبثون مبادئهم الخمسة في وثيقة حملت عنوانها ذاته “وثيقة المبادئ الخمسة”:
- أحقية التظاهر السلمي.
- وحدة التراب والهوية الوطنية.
- تفعيل الحل السياسي السوري ومقدمته الانتقال والتغيير السياسي.
- المعتقلين والمغيبين قسراً قضية إنسانية ووطنية فوق تفاوضية.
- خروج كافة القوى والميليشيات الأجنبية والطائفية من سورية.
مسرح ساحة الكرامة ينفتح على كل السوريين، ويدعوهم لاستعادة تمثيل حياتهم ومصيرهم وفق استحقاقات الثورة السلمية متجاوزين خلافاتهم الاثنية والعرقية والثقافية والسياسية والدينية، مثبتين للعالم وأممها المتحدة والجامعة العربية، أنهم جديرون بدولتهم العصرية وحقهم بالحياة الحرة والكريمة، فهل وصلت الرسالة….