كشف معهد الشرق الأوسط في دراسة للباحث غريغوري ووترز، أن ثورة العشائر ضد قوات قسد شرق سوريا سببها سياسات التنظيم التعسفية والاستغلالية ضد السكان.
وأشارت الدراسة إلى أن “سنوات من التوترات المتصاعدة انفجرت بين قوات سوريا الديمقراطية والسكان المحليين في شمال شرق البلاد، وتحولت إلى معارك في معظم أنحاء دير الزور”.
ولفتت “اندلعت أعمال العنف الحالية بعد قيام قوات سوريا الديمقراطية باعتقال أحمد الخبيل (“أبو خولة”)، أمير عشيرة بكير وقائد مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية، في 27 آب/أغسطس. وظهر أن الفوضى لم تتراجع – بل يبدو في الواقع أنها تنتشر مع قيام المزيد من البلدات والعشائر بحمل السلاح ضد قوات سوريا الديمقراطية، إذ إن جذور هذه الأزمة متعددة الطبقات ومعقدة، وتعود إلى سنوات مضت”.
وأوضح كاتب المقال أن“وصف القتال بأنه صراع كردي – عربي يتجاهل أولاً أن بعض العشائر لا تزال متحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية، وثانياً، أن العرب في الرقة والحسكة لا يزالون على الهامش، وثالثاً، أن العديد من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية الذين يموتون هذا الأسبوع هم عرب من أماكن أخرى في شمال شرقي البلاد، بل إن العنف الحالي هو بمثابة رفض لنظام قوات سوريا الديمقراطية برمته كما تم استخدامه في دير الزور، وليس فقط القيادة الكردية”.
ونوه “هذه المظالم موثقة جيدا وتعود إلى سنوات مضت، وهي متجذرة في الممارسات التعسفية والاستغلالية من قبل كل من القيادة الكردية والعديد من قادة قوات سوريا الديمقراطية العربية الذين يدعمونهم، وعمليات القتل التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية واعتقال المدنيين الأبرياء، والافتقار العام إلى الحماية ضد هجمات تنظيم “الدولة” والاغتيالات التي تستهدف المدنيين والقادة المحليين، والإهمال لاقتصاد المنطقة وخدماتها”.
واعتبرت الدراسة أنه ” ليست قضية بسيطة تتمثل في غضب العرب من الحكم الكردي – على الرغم من أن المظالم المذكورة أعلاه قد يتم التعبير عنها في كثير من الأحيان باستخدام الخطاب الطائفي. ولا ينبغي للمرء أن ينظر إلى أبعد من الافتقار الأولي للتضامن العربي بشأن اعتقال أبو خولة. فقد أمضى أبو خولة السنوات الماضية في توسيع قاعدة دعمه في جميع أنحاء دير الزور، وكان يعمل دائما بشكل واضح ضمن نظام قوات سوريا الديمقراطية، ويكتسب مؤيدين جددا خارج عشيرته، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى سيطرته على الاقتصاد القانوني وغير القانوني وقدرته على توفير حماية أفضل لأتباعه. ومع ذلك، وفي غضون ساعات من اعتقاله والدعوات للانتقام، أعاد كل عنصر تقريبا – من غير عشيرة بكير- إما تأكيد ولائه لقوات سوريا الديمقراطية أو إعلان الحياد. ويبدو أن أموال أبو خولة لا تستطيع شراء الولاء من السكان الذين يمقتون أساليبه المسيئة والفاسدة. ولذلك، شهدت الساعات الـ24 الأولى اقتصار القتال الأشد على البلدات التابعة لقبيلة بكير التي ينتمي إليها أبو خولة. ولكن بعد تزايد التقارير عن الهجمات العشوائية التي تشنها قوات سوريا الديمقراطية وتزايد القتلى بين المدنيين، بدأت تتشكل تعبئة أوسع للمقاتلين من العشائر. ويبدو أن القصص التي وردت من قريتي عزبة وضمان على وجه الخصوص، كان لها صدى عميق في جميع أنحاء المنطقة. وفي عزبة، أفاد السكان المحليون بقصف عشوائي ونيران قناصة أدى إلى مقتل وإصابة أكثر من عشرة مدنيين خلال حصار قوات سوريا الديمقراطية للقرية الذي استمر ثلاثة أيام. وفي قرية ضمان، زُعم أن القوات الخاصة الكردية التي دربتها القوات المسلحة الأمريكية قتلت أسرة مكونة من أربعة أفراد انتقاما لمقتل ثمانية جنود وقائدهم الكردي. زعمت التقارير الأولية، التي انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، أن الوحدة الكردية قامت بعمليات تفتيش من منزل إلى منزل، مما أدى إلى مقتل وإساءة معاملة المدنيين على طول الطريق. ومع ذلك، يبدو أن التقارير اللاحقة تشير إلى أن جرائم القتل كانت معزولة في منزل واحد”.
وقال الكاتب إن صدى قصص هذه الوفيات والشائعات عن عمليات إعدام قامت بها قوات سوريا الديمقراطية، تردد بغض النظر عن صحة المعلومات.
ولفتت الدراسة إلى أن موت أي طفل وكل شائعة جديدة عن إعدامات قوات سوريا الديمقراطية، تعمل على حشد المزيد من الرجال وتجعل أي إمكانية لما يسمى بالعودة إلى الحياة الطبيعية بعيدة المنال. وفي وقت متأخر من يوم 30 آب/أغسطس، خرج شيخ قبيلة العقيدات الكبيرة في دير الزور عن صمته. وأصدر الشيخ إبراهيم الهفل، الحليف القديم لقوات سوريا الديمقراطية وكان ضحية محاولات اغتيال سابقة لتنظيم “الدولة”، تسجيلا صوتياً دعا فيه جميع القبائل والعشائر في دير الزور إلى الاتحاد تحت راية واحدة ضد قوات سوريا الديمقراطية، وتمثل دعوة الهفل نقطة تحول رئيسية في هذا الصراع، إذ لم تُسمع مثل هذه الدعوات من أجل الوحدة بين
القبائل منذ الانتفاضة الأولى ضد دمشق في عام 2011.
وأوضحت أنه “يجب أن ينتهي القتال، لكن لا يمكن أن نتوقع من سكان دير الزور قبول الظروف التي أدت إلى هذا الوضع في المقام الأول. وهذا يترك الولايات المتحدة والتحالف الدولي في موقف حساس، والآن أصبح مصير دير الزور على الأرجح مرهوناً بقرارات قبيلتي الشعيطات والبقارة. تعتبر قبيلة الشعيطات، إلى جانب قبيلة البكير، أحد المكونين القويين في اتحاد العقيدات، إلى جانب مجموعة متنوعة من العشائر الأصغر. ويبدو أن قبيلة الشعيطات ألقت بثقلها بشكل متزايد خلف القوات القبلية منذ بيان الهفل. وفي اليومين التاليين، تم طرد قوات سوريا الديمقراطية من كل تجمعات العقيدات والشعيطات الممتدة من نهر الخابور إلى الحدود العراقية. ولا تزال قبيلة البقارة، التي لا تنتمي إلى اتحاد العقيدات والتي انقسم أفرادها منذ فترة طويلة بين كل أطراف الحرب، منقسمة، وبينما بدأ بعض الأعضاء مهاجمة مواقع قوات سوريا الديمقراطية في وقت مبكر من يوم 31 أغسطس/آب، أدلى قادة آخرون بتصريحات صريحة لدعم قوات سوريا الديمقراطية، مع بقاء معظمهم على الحياد. وفي وقت متأخر من يوم 31 أغسطس/آب، أصدر زعيم البقارة، الشيخ هاشم البشير، بياناً دعا فيه إلى وقف إطلاق النار وإنشاء مجلس شورى لإجراء المفاوضات”.
واعتبر الكاتب أنه “ليس من الواضح ما إذا كان أي من الجانبين مستعداً للتحدث، أو أن بإمكانهما إيجاد أرضية مشتركة إذا فعلوا ذلك. وطالما استمرت القوات المحلية في طرد قوات سوريا الديمقراطية من بلداتها وإيقاع العشرات من القتلى، فلن يكون لديها حافز كبير للاستجابة لمطالب قوات سوريا الديمقراطية بالعودة إلى الحياة الطبيعية. من جانبها، يبدو أن قيادة قوات سوريا الديمقراطية ليست لديها خطة سوى نشر المزيد من الجنود والأسلحة الثقيلة ضد هذه المجتمعات. واتجهت القيادة العسكرية والمدنية في القامشلي إلى وصف المسلحين بـ”مندسي دمشق”، وأعضاء “داعش”، و”مرتزقة”، بدعوى أن هذه الأقلية من “المتسللين المعادين” تسعى إلى “العبث بالسلم المدني والعيش المشترك”. ومن المرجح أن العديد من الخلايا النائمة التابعة للنظام وتنظيم “الدولة” قد انضمت إلى القتال – إما بتصوير نفسها كمقاتلين قبليين أو بشن هجمات خاصة بها – ومع ذلك لا يمكن إنكار أن الغالبية العظمى من القتال يجري من قبل السكان المحليين العاديين”.
وذكر الكاتب أن الحل الكامل لهذا الصراع يتطلب من التحالف أن يفعل ما تجنبه صراحة لسنوات، وهو الانخراط مع الإدارة الكردية في إصلاحات سياسية وإدارية عميقة
ووفقاً لكاتب المقال فإنه “يجب أن ينتهي القتال، لكن لا يمكن أن نتوقع من سكان دير الزور قبول الظروف التي أدت إلى هذا الوضع في المقام الأول. وهذا يترك الولايات المتحدة والتحالف الدولي في موقف حساس. فللولايات المتحدة مصلحة في وقف العنف، حتى لو كان ذلك يستلزم التوسط بين الجانبين، كما أن استمرار وجود التحالف في شمال شرق سوريا وشراكته مع قوات سوريا الديمقراطية يعتمد على مهمة مكافحة “الدولة”، وبالتالي فإن المخاوف بشأن تأثير هذه الأزمة على التنظيم يجب أن تكون ذات أهمية قصوى. وبهذا المعنى، فإن أي حل جزئي ينهي القتال ولكنه لا يعالج القضايا الأساسية لن يؤدي إلا إلى تعزيز خلايا التنظيم. إذا عادت قوات سوريا الديمقراطية ببساطة كحكام بالقوة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى “سيناريو درعا”، حيث تكون خلايا “الدولة” قادرة على استغلال الكراهية المحلية والوجود الأمني الضعيف، للاختباء والعمل بين المتمردين من المجتمعات المحلية. والأهم من ذلك، أن مثل هذا القرار الجزئي من شأنه أن ينهي بشدة قدرة التحالف على بناء شبكات استخبارات محلية فعالة لاجتثاث قادة تنظيم “الدولة”.
ورأى أن الحل الكامل لهذا الصراع يتطلب من التحالف أن يفعل ما تجنبه صراحة لسنوات، وهو الانخراط مع الإدارة الكردية في إصلاحات سياسية وإدارية عميقة. وقد كان يُنظر إلى مثل هذه الإجراءات بحزم على أنها خارج نطاق عمل الولايات المتحدة في الشمال الشرقي في الماضي. ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية غير مسبوقة وتؤثر بشكل مباشر لا يمكن إنكاره على مهمة هزيمة “الدولة” وكذلك على قدرة التحالف على العمل بفعالية. ومهما كان المسار الذي سيتخذه التحالف، عليه أن يتذكر أن ثورة دير الزور ليست ثورة ضد التحالف أو لصالح جهة خارجية أخرى، بل إنها نتيجة لسنوات من التوترات المتزايدة بشأن سوء المعاملة والفساد من قبل السلطات المحلية والمركزية.
وأشار إلى أن ثورة دير الزور هي نتيجة لسنوات من التوترات المتزايدة بشأن سوء المعاملة والفساد من قبل السلطات المحلية والمركزية
ويختم التقرير “أن هذه التوترات ليست مقتصرة على دير الزور، فقد ظهرت في كل من المجتمعات العربية والكردية في شمال شرق البلاد بطرق أقل عنفاً في السنوات الأخيرة، فقبل تاريخ 27 آب/أغسطس، لم يكن أي من هذه الأنماط التدريجية لفك الارتباط مع القامشلي يهدد بانهيار هيكل الحكم بأكمله، لمجرد إضعافه. لكن سنوات تجاهل هذه القضايا الداخلية تعيق الآن بشكل واضح قدرة التحالف على محاربة داعش، وربما يؤدي العنف في دير الزور إلى نهج أكثر تأثيرا وموجِهاً محلياً تجاه الشمال الشرقي، والذي سيشهد في النهاية إنشاء هيكل حكم ونظام أمن أكثر مرونة”.