لم تدارِ بعض عمليات مكافحة المخدرات التي ابتليت سوريا بها عدم التعرّض للمدنيين الآمنين، وقد حوّل النظام في دمشق محافظة السويداء عبر سنوات إلى ممرٍّ لتهريب منتجاته من الكبتاغون إلى الخارج.
وترتبط مسألة مكافحة المخدرات ارتباطا وثيقاً بحقوق الإنسان، وقد تؤدي التدابير الصارمة لمواجهة هذا الخطر، إذا لم يتم تنفيذها بعناية، إلى انتهاكات، بما في ذلك العنف المتصل بنشر المخدرات وبمكافحتها يمكن أن ينتهكا الحق في الحياة والأمن.
ويتطلب تحقيق التوازن بين المراقبة الفعالة للمخدرات وحقوق الإنسان اعتماد استراتيجيات شاملة تعطي الأولوية للحد من الضرر، مما يعزز اتباع نهج كلي يتصدى لتعقيدات هذا التحدي العالمي. على مستوى دولي أقرّت واشنطن قانون مكافحة “الكبتاغون” والذي يسمّي نظام الأسد بـ “النظام المصدّر للمخدرات”، ويُفترَض أن تتولى الولايات المتحدة وفق هذا القانون مهمة ضرب شبكة الأسد المروّجة للمخدرات.
بدوره كان المجتمع الأهلي في السويداء قد تصدى على مدار سنوات لعصابات تابعة للأمن العسكري وغيره من أجهزة النظام، وذلك بمباركة الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين وبعض مكونات المجتمع الأهلي، كما عادت حركة رجال الكرامة المحليّة إلى نشاطها في مكافحة بعض العناصر الفردية من مهربين يتبعون للشبكة التي يديرها النظام، وذلك بتفويض من الأهالي كما حدث في قرية ذيبين الحدودية وغيرها.
المسؤول الإعلامي في حركة رجال الكرامة أكد لنا السعي الجاد للتصدي للمشكلة، وفي الإجراءات المتّخذة يقول:”أخذنا بعض الخطوات في هذا الشأن منها القبض على العشرات من المتورطين بالتهريب والاتجار بالمواد المخدرة”، كما أشار إلى ما أسماه “مساعي تقودها الحركة لتوحيد الرأي العام داخل المحافظة في سبيل القضاء على هذه العصابات”، وهذا ما يثير السؤال عن مدى خدمة هذا التحرك بشكله الحالي للمشهد العام، خاصة وأنه عاجز عن اجتثاث جذر المشكلة، وعلى هذا يعلق المسؤول الإعلامي للحركة “نحن نعمل ضمن الامكانات المتاحة لدينا للحد من عمليات التهريب عبر المحافظة ولكن القضاء عليها بشكل تام يعتبر تحدياً كبيراً ويلزمه الكثير من التعاون والدعم”.
وكانت حركة رجال الكرامة طلبت من المملكة الأردنية (المجاورة ) قوائم بأسماء من تؤكد عمّان تورّطهم في تهريب المخدرات بعد الضربة الجوية الأردنية التي طالت مدنيين لا علاقة لهم بالقضية إلا كونهم يعيشون في المناطق الحدودية كما كان أسلافهم منذ مئات السنين.
العلاج المحلي للمشكلة ليس مجدياً دون تعاون إقليمي، بل ودولي كما يشير خبراء والعديد من القادة المحليين، من جهتها حركة رجال الكرامة أقرّت بعمق التحدّي وارتباطه بدول وميليشيات عابرة للحدود تعبث بالأمن الإقليمي، في إشارة إلى إيران وميليشياتها، ولدى سؤالنا المسؤول الإعلامي للحركة عن ضرورة التعاون في هذا الإطار قال: “نعم بالتأكيد يتطلب منع تهريب المخدرات تعاوناً اقليمياً وحتى دولياً وخاصةً انه يتم برعاية ميليشيات طائفية تتمتع بنفوذ واسع في المنطقة ولن نتمكن وحدنا بدون تعاون إقليمي من القضاء التام على هذه التجارة”.
ولمتابعة الأفق الدولي للمسألة تواصلنا مع مؤثّرين بصناعة القرار في واشنطن، لتقدير الموقف من التطورات الأخيرة في هذا الملف، خاصّة وأن قانون الكبتاغون نص على أن اتجار “الحكومة السورية” بالكبتاغون هو “تهديد أمني عابر للحدود الوطنية” للحكومة الأمريكية. لذلك، يهدف القانون لتحديد شبكات إنتاج الكبتاغون والاتجار به المرتبطة مباشرة بالأسد والتصدي لها.
ولدى سؤالنا منظمة فريق الطوارئ السّوري SETF عن رؤية صنّاع القرار في الكونغرس الأميركي بشأن التعامل مع التجاوزات التي حصلت مؤخراً، وإمكانية تفعيل “قانون الكبتاغون” الذي اعتمده المشرّعون هناك في عام 2022 أكّدت المنظمة أن “عضو الكونغرس فرينش هيل يعي الدور الهام للسويداء في مكافحة المخدرات والأذية التي لحقت بها”، في إشارة إلى النائب الأميركي الذي قدّم قانون مكافحة الكبتاغون وعمل على إنجاح اعتماده قانوناً وتبنّيه وليصار إلى متابعة آلياته التنفيذية.
ويُذكر هنا أن هيل كان تواصل مع الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين في وقت سابق من عام 2023 إبان تجدّد الحراك في السويداء كما يُعَدُّ في طليعة صنّاع القرار الأميركيين الرافضين لإعادة تعويم الأسد والداعمين للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا.
بدوره الرئيس التنفيذي لمنظمة SETF معاذ مصطفى أوضح أنهم في المنظمة خاطبوا مجموعة من الفاعلين في واشنطن ومنهم هيل بشأن التطورات الأخيرة، خاصة وأنهم يتابعون العمل معهم على استصدار قوانين وقرارات وآليات تنفيذية في ما يخصُّ القضية السورية عموماً، وسننشر لاحقاً لنشر هذا التقرير مقابلةً تتناول بعضاً من هذه المساعي في موقع السويداء 24.
وفي سياق متّصل بآخر المستجدّات قال مصطفى: “أوصلنا رسالة مباشرة وواضحة للنائب فرينش هيل وغيره أننا لا نريد أن يتكرر ما حدث في السابق، عندما تم استهداف المدنيين الأبرياء الذين فارقوا الحياة، إثر قصفٍ كان هدفه إيقاف تهريب الكبتاغون”، كما بيّن أن العمل جارٍ على آليات لتفعيل التعاون الإقليمي والدولي في مكافحة المخدرات تكفل مواجهة أصل المشكلة وتضمن حماية المدنيين من أي استهداف أو أذيّة من مختلف الأطراف.
إذن، الحل لمشكلة إدمان النظام على تصنيع وترويج وتهريب المخدرات ليس محلياً ولا إقليمياً لأن ذلك يظل تعاطياً قاصراً يقتصر على معالجة الأعراض الجانبية بمعزل عن إجراء دولي حازم يقتلع جذر المشكلة، فالحل الجدي يقتضي “تجفيف المنابع”، والمنابع المسؤولة عن تصنيع وتهريب وترويج هذه الآفة تديرها دولٌ مارقة إن كانت إيران أو المتبقّي من النظام في دمشق وميليشيا حزب الله في لبنان، وعليه فإن قطع رأس الآفة لا يتم دون المستوى الدولي بخلاف بعض المبادرات والتحركات التي قد تعيد تعويم بعض القوى المتورطة أو المتواطئة في وعلى استمرار تجارة المخدرات الخطيرة محليّاً كان أم إقليمياً، وربما يقتضي ذلك تحالفاً شبيهاً بالذي قضى على “داعش”، وحينها يكون التعاون بكل مستوياته مجدياً باستثناء القوى الغارقة في الإدمان على هذه الآفة في دمشق وطهران.
حازم العريضي – السويداء 24