خاص – د.أسامة قاضي
لفت أنظار متابعي الأحداث الساخنة في المنطقة اجتماعاً هاماً قلما يسلط الأضواء عليه وهو اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في 11 نوفمبر 2023 في الرياض بشكل مشترك مع اجتماع جامعة الدول العربية غير العادي.
منظمة التعاون الإسلامي والتي كان اسمها القديم “منظمة المؤتمر الإسلامي”، أسست في 25 سبتمبر 1969، هي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها سبعا وخمسين (57) دولة عضوا موزعة على أربع قارات.
مشكلة الدول ال57 التي تشكل منظمة التعاون الإسلامي أنها ليست متجانسة من حيث مستوى الدخل ومعدلات النمو الاقتصادي، ومستوى الرعاية الصحية، ومستوى التعليم، ومستوى الفساد، ومستوى فعالية الحكومة، ومستويات الحكم الرشيد، بل وبعضها متناحر فيما بينه.
على سبيل المثال: نسبة الفقر في سيراليون 56.8%، توغو 45.5%، غينيا 43.7%، تشاد 42.3%، مالي 44.6%، ساحل العاج 39.5%، موريتانيا 31.8%، موزامبيق 46.1%، نيجيريا 40.1، وطبعاً ماعدا دول تشهد صراعات وتوترات مثل سوريا 95% تحت خط الفقر والوضع في اليمن ولبنان والسودان ليس بأفضل كثيراً.
ليس هذا فحسب بل إنه في عام 2021، سيبلغ عدد سكان منظمة التعاون الإسلامي الذين يعانون من نقص التغذية حوالي 220 مليون نسمة بمعنى 28,6% من إجمالي الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية في العالم، وهم يواجهون الجوع.
شكلت دول منظمة التعاون الإسلامي التي يبلغ عدد سكانها حوالي 2 مليار نسمة 24.9% من إجمالي سكان العالم في عام 2021، ويعد الشباب محركًا للتنمية الاجتماعية والاقتصادية حيث تمثل نسبة السكان الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و24 عامًا) 51.7% من إجمالي عدد سكان منظمة التعاون الإسلامي في عام 2021.
يبلغ مجموع ناتج الدخل القومي لدول منظمة المؤتمر الإسلامي 8.2 تريليون دولار أمريكي في عام 2022، ولكن ناتج الدخل القومي للدول السبعة والخمسين لايمثل سوى 8 % من ناتج الدخل القومي العالمي.
بلغ متوسط قيمة مؤشر التنمية البشرية (HDI) عام 2021-الذي هو مقياس طبيعي لمتوسط العمر المتوقع والتعليم ونصيب الفرد من الدخل للبلدان في جميع أنحاء العالم- لدول منظمة التعاون الإسلامي 0.657 وهو أقل من نظيره في العالم 0.73، وأقل بكثير من نفس المؤشر في الدول الصناعية 0.925.
يعد النفط الخام أحد المصادر الرئيسية للطاقة التي تحرك الاقتصاد العالمي، حيث لدى 21 دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي حصة تبلغ 66% من إجمالي احتياطيات النفط الخام العالمية، أي ما يعادل 1.02 تريليون برميل، في عام 2021.
يوجد أكثر من نصف الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط الخام في خمس دول في منظمة التعاون الإسلامي.
تحتوي خزانات الغاز الطبيعي في مجموعة دول منظمة التعاون الإسلامي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي مقارنة بمجموعات الدول الأخرى، حيث تشير التقديرات إلى أن 23 دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي لديها احتياطي إجمالي من الغاز الطبيعي يبلغ 123 تريليون متر مكعب، أي ما يعادل 60% من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية في عام 2021.
تمثل 5 دول منظمة التعاون الإسلامي التي تمتلك أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي 43% من إجمالي الاحتياطيات العالمية في عام 2021.
نقاط الاختناق البحرية عادة ما تكون مضايق أو قنوات تشهد كميات كبيرة من المياه و حركة المرور بسبب موقعها الأمثل، وبالتالي، فهي تعتبر بمثابة الأوردة الأساسية للإمدادات الرئيسية في العالم، ومن بين 8 نقاط اختناق بحرية رئيسية في العالم، تخضع 6 منها لسيطرة دول منظمة التعاون الإسلامي، باب المندب، مضيق جبل طارق، مضيق هرمز، مضيق ملقا، قناة السويس، المضائق التركية.
على مدى العقدين الماضيين، شهدت دول منظمة التعاون الإسلامي عدة انخفاضات حادة في حجم إجمالي التجارة السلعية والتجارة البينية لمنظمة التعاون الإسلامي، ومع ذلك، ارتفع إجمالي التجارة البينية بين بلدان منظمة التعاون الإسلامي من حوالي 130 مليار دولار أمريكي إلى 964 مليار دولار أمريكي في الفترة من 2000 إلى 2022.
لكن حصة التجارة البينية في منظمة المؤتمر الإسلامي من إجمالي التجارة في منظمة المؤتمر الإسلامي زادت بنسبة 5.5 نقطة مئوية من 12.9% في عام 2000 إلى 18.4% في عام 2022، يدل هذا على أن التعاون التجاري بين دول منظمة التعاون الإسلامي ضعيف للغاية، بينما وصلت التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوربي 61.42 بالمائة عام 2021.
لقد تضاعف إجمالي الدين الخارجي لدول منظمة التعاون الإسلامي مقارنة بدخلها القومي الإجمالي منذ عام 2010، ليصل إلى ما يقرب من نصف إجمالي دخلها في عام 2021.
والأهم من ذلك هو مايشكل الخطر الحقيقي للحضور السياسي والاقتصادي ل57 دولة من دول المنظمة حيث لا تزال الصراعات المسلحة تمثل تهديدات كبيرة لحياة الناس في معظم أنحاء العالم، وفي حين أن اتجاه الصراع المسلح لم يتغير بشكل كبير في أجزاء أخرى من العالم، إلا أن هناك اتجاها تصاعديا في منطقة منظمة المؤتمر الإسلامي، بين عامي 2000 و2022، ارتفع عدد النزاعات المسلحة التي تشارك فيها دول منظمة التعاون الإسلامي من 15 (38.5% من الإجمالي العالمي) إلى 33 (60% من الإجمالي العالمي)، وأدى ذلك إلى ظروف ضعيفة وغير مستقرة للعديد من دول منظمة التعاون الإسلامي.
في التقرير الخاص لمشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة والأحداث الأمريكية لدراسة أكبر 10 صراعات تدعو للقلق في بداية عام 2022، تم تحديد مجموعة من بؤر التوتر والأزمات الناشئة حيث من المرجح أن تتطور الاضطرابات السياسية العنيفة أو تتفاقم على مدار العام سبعة من أصل عشرة دول هي أعضاء في المنظمة : إثيوبيا، واليمن، ومنطقة الساحل، ونيجيريا، وأفغانستان، ولبنان، والسودان، وهايتي، وكولومبيا، وميانمار.
يقع على كاهل المملكة العربية السعودية عبء كبير في ترتيب البيت الداخلي للمنظمة اقتصادياً بمساعدة الدول الناهضة في المنظمة عن طريق تشجيع التجارة البينية، وزيادة الاستثمارات في دول المنظمة، وتشجيع الحوكمة الرشيدة وتحسين مستويات الشفافية في دول المنظمة مهمة الدول الناهضة والتي تكون بمثابة قيادة للدول الأخرى الأعضاء في المنظمة، حيث أن هناك دول من المنظمة على مؤشر الشفافية ومشاهدة الفساد حسب تقرير مؤسسة الشفافية الدولية لعام 2022 وضعها مخيف، فمن أصل 180 دولة في العالم تموضعت الموزامبيق وأوغندا 142، وبنغلادش وايران 147 ، وأفغانستان ولبنان ونيجيريا 150، ووضع العراق أسوأ من أفغانستان ونيجيريا والموزامبيق فهي الدولة 157 من أصل 180، وبعض الدول مثل السودان واليمن وضعها أسوأ من حيث الفساد وانعدام الشفافية، ولكن الأسوأ على الإطلاق هي في سوريا حيث هي الدولة 178 من أصل 180 بمعنى تقريباً هي أسوأ دولة في العالم.
إن سيادة الحكم الرشيد والشفافية وسيادة القانون في دول أعضاء المنظمة سيجعلها جاذبة ليس فقط للاستثمارات الأجنبية بل الأهم أنها ستجذب استثمارات باقي دول منظمة التعاون الإسلامي والتي تساهم في رفع السوية المعاشية لشعوب تلك الدول بسبب سيادة العدالة في توزيع الثروة داخل كل دولة، مما يخلق منها سوق تفتح شهية المستثمر الوطني قبل غيره من المستثمرين، الأمر الذي يخلق فرص عمل أكثر ويساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في تلك الدول، وعندها يكون لاجتماع المنظمة هيبة أكبر، وقراراته مؤثرة في عالم العولمة، وتصبح المنظمة رقماً صعباً في المعادلات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم.