فاجأ الرئيس رجب طيب أردوغان المراقبين بتعيين كبير مستشاريه إبراهيم قالن صاحب الخلفية الأكاديمية والمسيرة السياسية والدبلوماسية الحافلة على رأس جهاز الاستخبارات الوطني، خلفًا لهاكان فيدان، الذي تولى حقيبة الخارجية في الحكومة الجديدة.
وبموجب التعيين الذي صدر أول مساء أمس الاثنين، سيتعين على قالن، المعروف بحبه للموسيقى والأدب وتخصصه في الفلسفة والتاريخ أن يدير أحد أهم الأجهزة الاستخباراتية في المنطقة والعالم.
ورغم ورود اسمه بجانب بعض أسماء الوزراء الجدد في تقارير وتسريبات سبقت الإعلان الرسمي عن التشكيلة الحكومية، فقد ظل تعيينه مستغربا، نظرا لعدم امتلاكه سيرة مهنية سابقة في السلك الأمني أو الاستخباراتي، ما أثار تساؤلات حول أسباب وموجبات هذا التعيين ودلالاته.
يقول الصحفي المختص بالشأن التركي أحمد حسن أنه: “يأتي اختيار ابراهيم قالن كجزء من تحولات مهمة تجري في تركيا حالياً، حيث مر جهاز الاستخبارات بثلاث مراحل هيكلة كان أولها مع استلام هاكان فيدان، وتم فيه نقل الجهاز من مستوى جهاز أمني لدولة شرق أوسطية (جهاز قمعي متعاون مع السلطة ومتعاون مع المافيا وفيه أجنحة متصارعة ) إلى مستوى جديد”.
وأضاف في حديث لموقع غلوبال جستس سيريا نيوز إنه “كانت أولويات فيدان قطع ارتباطه مع المافيا وتنظيفه منها، وتم ذلك ثم انتقل إلى تنظيفه من الأجنحة العسكرية وخاصة مجموعة أرجنكون، ثم لاحقاً تنظيف الجهاز من التنظيم الموازي مع باقي المؤسسات الأخرى الأمنية والعسكرية والإدارية”.
ولفت حسن في حديثه “في المرحلة الحالية يتم العمل على هيكلة أعلى في المستوى الأكاديمي، وتطوير الجهاز ليكون جهاز مساوي لأجهزة الاستخبارات في الدول المتطورة”.
ونوه إلى أنه “جاء اختيار قالن لهذه المهام بعد سنوات من التعامل في الملفات الأمنية المعقدة، ضمن مهامه في الأمن القومي وكذلك اللجان الاستراتيجية الأمنية للرئاسة”.
واعتبر أن مقومات ابراهيم قالن ليست مرتبطة فقط بالمهام الأمنية المعتادة وإنما مهام الاستخبارات النوعية، فالمرحلة الحالية هي مرحلة تمكين النظام الرئاسي والجمهورية التركية الجديدة”.
وأشار إلى أنه في هذا الجانب يتم العمل على الكثير من المشاريع المرتبطة بالهوية الوطنية وجزء منها مرتبط بعلاقة تركيا بالشرق والغرب والمقاربة الجديدة في الأمن القومي التركي”.
وأرفد بالقول أنه “يضاف إليها أيضا الشرخ الاجتماعي في تركيا وكلها محاور كانت ضمن عمل قالن السابق على المستوى البحثي والكتب التي كتبها والآن جزء من مهامه في جهاز الاستخبارات أيضاً”.
من إبراهيم قالن؟
وكتب قالن على حسابه في تويتر، تعليقًا على قرار تعيينه على رأس جهاز الاستخبارات الوطني: “من أجل وطني الجميل، لا توقف بل سنواصل الطريق”. وأضاف في تغريدة لاحقة: “سأواصل العمل من أجل تركيا قوية وآمنة ومستقلة”.
من يتخيل أن هذا المطرب العازف رهيف الإحساس أصبح رئيسًا لواحد من أقوي أجهزة المخابرات في المنطقة؟#إبراهيم_قالن المتحدث بإسم الرئيس #أردوغان تم تعيينه مديراً لجهاز المخابرات في #تركيا. #قالن ليس عازفًا ومطربًا فقط ولكنه شاعر وفي ذات الوقت أستاذ في الفلسفة الإسلامية وله دراسات… pic.twitter.com/RwzrTsMpzI
— Mourad Aly د. مراد علي (@mouradaly) June 5, 2023
قالن المولود عام 1971 في إسطنبول تخرج عام 1992 في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة إسطنبول، وأكمل دراساته العليا في الفكر الإسلامي والفلسفة في ماليزيا، واختتم مشواره التعليمي في جامعة جورج واشنطن الأميركية التي منحته شهادة الدكتوراه عام 2002.
أسس الأكاديمي التركي -الذي حاضر في الفكر الإسلامي والعلاقات الإسلامية الغربية في عدد من الجامعات أهمها جورج تاون وبيلكنت- عام 2005 وقف الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أنقرة المعروف باسم “سيتا”. وفي عام 2007 أصدر كتابا بعنوان “الإسلام والغرب” ونال بسببه الجائزة الفكرية لاتحاد الكتاب الأتراك.
لاحقا، أصدر عدة كتب في نفس الإطار بالإضافة إلى الفلسفة والفكر والتاريخ.في عام 2009، قدمه وزير الخارجية أحمد داود أوغلو للحكومة ورئيسها رجب طيب أردوغان ليتولى أول منصب حكومي له بصفة كبير مستشاري رئيس الوزراء المسؤول عن السياسات الخارجية. وفي عام 2012 ارتقى إلى منصب وكيل رئاسة الوزراء.
ومع تولي أردوغان رئاسة البلاد عام 2014 تولى قالن منصب الأمين العام للرئاسة، ومنحه لاحقا صفة سفير وعينه متحدثا باسم الرئاسة في عام 2014.
واعتبارا من عام 2018، ومع انتقال البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي، تولى قالن منصب كبير مستشاري الرئيس.
ونتيجة علاقته المميزة مع داود أوغلو، فإنه وعلى الرغم من مغادرة الأخير للحكومة عام 2016 ثم تحوله إلى المعارضة، اعتقد عدد من المراقبين بأن إبراهيم قالن سيلحقه إلا أن الأخير فضّل البقاء مع الرئيس أردوغان.
في السنوات الخمس الأخيرة التي شغل فيها منصب كبير مستشاري الرئيس، انخرط قالن في كل الملفات الخارجية ذات البعد الأمني كجزء من عمله، وهو ما يفسر، وفق محللين، اختياره ليخلف هاكان فيدان في جهاز الاستخبارات الوطني، إذ يدخل الأول إلى الظل، بعدما خرج الثاني إلى الأضواء.