***
بتقديم من فاروق مردم بك ومصاحبة موسيقية من نسيم جلال وقراءة بالفرنسية من فريدة رهوج يستضيف معهد العالم العربي في باريس الشاعر نوري الجراح في أمسية شعرية يقرأ خلالها من كتابه “ابتسامة النائم” وهي المختارات الصادر عن دار أكت/سود الفرنسية والحائزة على جائزة ماكس جاكوب الشعرية الفرنسية المرموقة.
سيقرأ الشاعربعضا مما ضمته المختارات ( ترجمها أنطوان جوكي)، من دواوينه “يأس نوح”، “حدائق هاملت”، “طريق دمشق”ن “قارب إلى ليسبوس”، ولا حرب في طروادة”.
جدير بالذكر أن الترجمة الفرنسية الجديدة للشاعر صاحبها صدور ثلاث ترجمات لأعماله إلى الهولندية، والإيطالية، واليونانية. لكل من “قارب إلى ليسبوس” و”الخروج من شرق المتوسط” و”لا حرب في طروادة”. صدرت في بروكسل، وروما وأثينا.
***
موعد الأمسية: السبت في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الساعة الرابعة والنصف مساء.
***
لمحبي الشعر البعيدين عن باريس هنا بعض قصائد ومقاطع من قصائد الأمسية:
***
رأيتُ البَرْقَ شَرقيَا
ولَاحَ فِي لُمَحٍ
وكانَ غَربِيَا
رأيتُ الشَّمسَ فِي دَمِهَا
مَبْلُولةً
والبَحْرَ مُضْطَرِباً
والَامسَ مَنْهُوبَاً مِنَ الكُتُبِ.
//////////
قاربٌ في مِينَاء
أنامُ في جَزِيرَة
وأسْتَيْقظُ فِي جَزِيرَة
هَلْ وَصَلْتُ أَمس،
أم مازلتَ في سرابِ الطَّريقِ إِلى نَفْسِي؟
يَا لِهَذَا العَذَاب
إلهيٌّ ومَاكِر. بشريٌّ وأحْمَق.
أطلُّ على قاربِي
منْ صَخرةٍ في شُرفَة
وأرَى حُطَامِي
كامِلاً..
هُو ذَا أنَا، هُناكَ،
كَمَا لَوْ أَنّنِي شبحٌ أو طيفٌ أو خيالُ،
أثرٌ
منْ
صيحةِ
غَريق
وما صُورتِي فِي المِرْآةِ عندَ المغْسَلة
في نُزُل
على المينَاء
سوَى وَجهِ منْ أبْحَرَ ولم يَعُدْ.
لكنَّني فِي مينَاءٍ صغيرٍ هنا، في لِيسْبُوس
هائمٌ برائحةِ البَحْر
شعرِي مُسْبَلٌ علَى وَجْهِي
ويدايَ المثقُوبتانِ بالضَّوْءِ تَسْألاَنِ سُيّاحاً ولاَجئينَ عنْ وَجْهْي الهاربِ
وعينيَّ المَسْمُولَتَيْن.
ليسبوس 2 آب/أغسطس 2016
/////////////
لَمْ أَكُنْ في دمشق
وصلتُ إلى نَهاري على حصانٍ قتيل
وصلتُ
ورأيتُ النَّهرَ محترقاً
والأَشْجارَ هاربةً على الوادي
السماءُ أطبقتْ على الأرض
والفتى الصريع سدَّ بقامته بابَ البيت.
***
لَمْ أكنْ في دمشق عندما جاءَ الزلزل
لَمْ أكنْ في جبلٍ ولَمْ أكنْ في سهلٍ
عندما ترجَّفتِ الأرضُ وتشقّقت صورٌ هي والهواء
كانت يدي الهامدة
تنبضُ
في أرضٍ أُخرى؛
رعدةٌ خفيفةٌ سرتْ في جسدي
وضاءَتْ يرقةٌ في صِدْغي الجاف
أهي الرسالةُ
تسقطُ
في بريدي
أمْ الربيعُ يتقلَّبُ في أرضٍ بعيدة.
***
لَمْ أكنْ في دمشق
لَمْ أكنْ في شارع
ولا في متجرٍ
لَمْ أكنْ في محطةٍ
ولا في شرفةٍ تطلُّ على قطارٍ
لَمْ أكنْ مسرعاً
ولا مبطئاً
أَبْعَدَ من يَدي، كُنْتُ، ومِنْ عيني الغريقةِ في الزمن
راقداً على قلقٍ في ترابِ الموعد،
ويدي تنزفُ.
***
لمْ أَكُنْ في دمشق
لَمْ أَكُنْ في دمشق.
***
والآن،
من آخرِ الأَرض
أَسْمَعُ الساقيةَ تنتحبُ في البستان
والهواءَ يَصِفُ للجبل.
/////////
كَلِمَاتُ هُومِيرُوسْ الْأَخِيرَةْ
I
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا بَحْرَ وَلَا مَرَاكِبَ وَلَا سَلَالِمَ عَلَى الْأَسْوَارْ،
لَا حِصَانَ خَشَبِيَّاً، وَلَا جُنُودَاً يَخْتَبِئُون فِي خَشَبِ الْحُصَانْ.
سَأَعْتَذِرُ لَكُم يَا أَبْطَالِيَ الصَّرْعَى:
“آخِيلْ” بِكَعْبِهِ الْمُجَنَّحِ؛
“هِكْتُورْ” بِصَدْرِهِ الطُّرْوَادِيِّ الْعَرِيضْ؛
وَأَنْتَ يَا “أَغَامِمْنُونْ” بِلِحْيَتِكَ الْبَيضَاء
وَسَيْفِكَ الْمُسَلَّطِ عَلَى رِقاب الْبًحَّارَةِ الهَارِبِينَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ.
II
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا دَمَ وَلَا دُمُوعَ،
لَا أَقْوَاسَ نَصْرٍ وَلَا أَطْوَاقَ غَارٍ فِي الرُّؤوسْ.
لَا جُرُوحَ فِي جَثَامِينِ الْرِّجَالِ،
لَا قَتْلَى وَلَا قبور،
لَا آسَ عَلَى الْأَسْمَاءِ، وَلَا بَاكِيَاتٍ فِي شُرُفَاتِ الْبُكَاءْ.
III
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.
المُرَاهِقُ لَمْ يَقْطِفْ تُفَّاحَةً لِامْرَأَةٍ فِي شُرْفَةٍ،
وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَدِيْنَة زَوْجٌ اسْمُهُ “مِينَلَاوسْ”
“هِيِلنْ”، وَحْدَهَا، كَانَتْ تَتَشَمَّسُ فِي حَدِيقَةِ “هُومِيرُوسْ”.
وَلِأَجْلِ وِشَاحِهَا الْقُرْمُزِيِّ وَخَدِّهَا الْأَسِيلِ،
أَسْلَمَ خَيَالَهُ لِلرِّيْحِ،
وَأَصَابِعَهُ لِلْأَوْتَارْ.
IV
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة،
لَا مَرَاكِبَ عَلَى السَّوَاحِلِ، وَلَا جُنُودَ فِي الْمَرَاكِبْ.
الْقَمَرُ يَلْهُو فِي الْحُقُولِ،
والشَّجَرَةُ تُؤْنِسُ الْحِصَانْ.
لَا حَرْبَ
فِي
طُرْوَادَة
الْمُنْشِدُ أَسْلَمَ قِيْثَارَتَهُ لِلرِّيْحِ،
وَآسْتَرَدَّ أَصَابِعَهُ مِنَ الْأَوْتَارْ.
عُوْدُوا إِلَى بُيُوتِكِمْ،
عَانِقُوا الزَّوْجَاتِ الصَّغِيْرَاتِ، وَقَبِّلُوا الْأَطْفَالَ،
وَتَلَهُّوا بِخَمْرةِ الْعِيدْ.
لَا حَرْبَ فِي طُرْوَادَة.
////////////////
فتيانٌ سوريُّون في ظِلاَل الأُوكرُوبُول
لا هواءَ، هُنَا، في أثِينَا
ومَا فِي السَّمْت غيرُ ظِلاَل أشْخَاصٍ في مقْهَى
يحتسُون الشَّاي
والأُوكرُوبُول
ينهَضُ منْ وَرائِهِم
ويتفرَّجُ عَلى قَامَاتِهِم النَّحِيلة..
هلْ كَانُوا شُبَّانًا منْ سُورِيا
أمْ مُغَامِرينَ مَقْدُونِيينَ يَنْتَظِرُون مَرْكَبا إلى أطلانطيس.
شبَّانٌ بِحَقَائبَ صغيرةٍ في الظُّهر
يجيئونَ عنْد الأبْوَاب، ويَرُوحُون، وهم يرطنُون في المُوبايْلات
بأصْوَاتٍ تُشْبِهُ أجْنحَةً مُحطَّمة..
شُبّان
ينصَرفُون في يَومٍ
ويعُودون في يومٍ
وفي يومٍ تصرُخُ فيه الشّمسُ ويتلظَّى الإسْفَلت،
يصلُونَ إلَى المِينَاء ويفردُون خرائطهُم فإذا بها أبْخِرةٌ بيضَاءُ.
جفَّ البَحْرُ
وتهاوَتْ المَراكبُ
ولنْ
يكُون
أثرٌ
لأطلانطيس الهاربَةِ في المَاء..
أيها السُّوريُّون المُنتظرُون في حُطام الأُوكرُوبُول
لا ميناءَ في بيريُوس
ولا سفُنَ حتّى في رَافِينا
كلُّ ما تراهُ العينُ من هنا بعدَ الماء الهاربِ في هَاويَة البَحْر
كتفُ بُوصيدون ملطَّخاً بالطَّمْي
وذراعُهُ الهامدةُ عنْد حُطام المَراكِب.
عودُوا إلى إِزمِير
أو مُوتُوا هُنا، في ظِلالِ الأُوكرُوبُول، كغُبار الطَّلع تحْت أشْجَار الغَار.
أثينا – لندن أغسطس 2016
////////////////
مرثية بنات نعش
لَوحٌ إغْرِيقِيٌ
(نِداءُ سافو)
أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الَألِيمُونَ، السُّورِيِّوُنَ الوَسِيمُونَ، السُّورِيِّوُنَ الَاشِقْاءُ الهَارِبُونَ مِنَ المَوتِ، أَنْتُم لَا تَصِلُوَن بالقَواربِ، ولَكِنَّكُمْ تُولَدُونَ عَلَى الشَّواطِئِ مَعَ الزَّبَدِ.
تِبْرٌ هَالِكٌ أنتم، تِبْرٌ مَصْهُورٌ وَضَوعٌ مُصَوَّحْ.
مِنْ لُجَّةٍ إلى لُجَّةٍ فِي خَاصِرةِ بَحْرِ الرُّومِ، مَعْ نَجْمَةِ البَحْرِ وَشَقِيقِها الحَبّارِ التَّائهِ، تُرْسِلُكمُ الَامْوَاجُ فِي ضَوءِ بَنَاتِ نَعْشٍ.
***
كَمَا تُولَدُ عَرَائِسُ البَحْرِ تُولَدُ الحَسْنَاواتُ السُّورِيَاتُ، فِي ضَوءٍ رَاجِفٍ
ويَطَأنَ بِرَاحَاتِ أَقْدَامِهِنَّ الرَّخْصَةِ المُجَرَّحَةِ حَصَى لِسْبُوسْ وَرَمْلِهَا الرَّمَادِي..
انْزِلْنَ مِنْ فَاكِهَةِ الشَّامِ
إِلَى حِجَارَةِ الَالَمْ.
***
أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الَاشِقْاءَ، السُّورِيِّوُنَ المُتَدَافِعُونَ مَعَ الْمَوجِ، السُّورِيِّوُنَ المَقْتُولُونَ فِي الضِّفَافِ، المَحْمُومُونَ المُتَلَهِّفُونَ عَلَى السَّواحِلِ المُعْتِمَةِ بِوُجُوهٍ صَبِيحَةٍ، هُنَا، فِي لِسْبُوسْ الَّتِي طَالَمَا أَبْكَتْهَا طُرْوَادَةُ..
***
تَعَالُوا لَاقَبِّلَ خُدُودَكُمُ المُتَوَرِّدَةَ مِنَ الْجَزَعْ.
***
تَعَالُوا يَا أَحِبَّائِيَ، يَا مَنْ الْتَمَعَتْ فِي عُيُونِكمُ رِمَالُ السَّواحِلِ، وَتَمَوَّجَ الشَّرْقُ فِي نُحَاسِ وُجُوهِكُمُ سَنَابلَ ذَهَبٍ. اِنْهَضُوا كَمَا نَهَضَتْ فِي خَيَالَاتِ خُدُودِكُمُ الَاسِيلَةُ جِبَالٌ عَالِيَةٌ، إنَّكُمُ لَتَمِيسُونَ فِي خَيَالِيَ كَمَا مَاسَتْ فِي هَوَاءِ أَيَامِكُمُ أَشْجَارُ الْحُورِ وتَطَايَرَتْ أَزْهَارُ التُّفَاحِ فِي هُبُوبِ عُبُورِكُمْ. تَعَالَوْا فِي عَتْمَة لِسْبُوسْ، أيُّهَا السُّورِيِّوُنَ الخَارِجُونَ مِنْ لَوْحِ الَابجديَّةِ المَكْسُورْ.
***
اِنْزِلُوا وكُونُوا دَمَ الضَّوْءِ وحُرُوفَ الْلُّغَةْ.
صَوتْ
أَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ بِعَرَبةِ الْمَوْتْ،
السَّمَاءُ تَرْمِينِي بِأَجْنِحَةٍ مُمَزَّقَةٍ، لأتَخَبَّطَ فِي دَمِي
وَفِي
دَمِهَا
أَتَخَبَّطَ
وأَفُوزَ بالْغِيَابْ.
***
والَانَ، فِي دِمِشْقَ
لِي صُورَتَانِ؛
قَبْضَةٌ تُهَشِّمُ البَابَ،
دَامِيَةً،
وَجَبْهَةٌ مَفْجُوجَةٌ تَطْرُقُ.
لَكَأَنَّني مُسَجَّىً
فِي
مَا
أَرَى
وَذَاهِبٌ فِي مَصِيريْ.
لَوحٌ إِغْرِيقِيٌّ
(تلويحةُ سافو)
VIII
أَيُّهَا السُّورِيُّونَ الْهَلَاكِيُّونَ، السُّورِيُّونَ الْمُرْتَجِفُونَ عَلَى السَّوَاحِلِ، السُّورِيُّونَ الْهَائِمُونَ فِي كُلِّ أَرْضٍ، لَا تَمْلَأُوا جُيُوبَكُم بِتُرَابٍ مَيتٍ، آُهْجُرُوا الْأرضَ تِلْكَ وَلَا تَمُوتُوا. مُوتُوا فِي الْمَجَازِ، وَلَا تَمُوتُوا فِي الْحَقِيقَةِ. آُتْرُكُوا اللُّغةَ تَدْفِنُكُمْ فِي أَوْصَافِهَا، ولَا تَمُوتُوا وتُدْفَنُوا فِي تُرَابٍ. لَيسَ لِلتُّرَابِ ذَاكِرَةٌ سِوى الصَّمْتِ. آَبْحِرُوا فِي كُلِّ جِهَةٍ، وَفُوزُوا بِضَجَّةِ أَرْوَاحِكُمْ. وَوَرَاءَ الْعَاصِفَةِ وِالْهَشِيمِ انْهَضُوا فِي كُلِّ لُغَةٍ وَكُلِّ كِتَابِ وَكُلِّ أَجَلٍ وَكُلِّ خَيَالٍ، وآضْطَرِبُوا فِي كُلِّ تُرَابٍ، وَآنْهَضُوا كَمَا يَنْهَضُ الْبَرْقُ فِي الْأَشْجَارْ.
لندن مابين صيف 2015 وشتاء 2016