بسام العيسمي
لا شك بأن الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير شباط لعام 2022. يرسم ولا زال الملامح الأولى لنظام عالمي جديد . وقد فجّر زلزالاً في خارطة الإصطفافات والتحالفات وشبكة المصالح الدولية والإقليمية . وأسقط الكثير من التفاهمات وخطوط التماس التي كانت تراعيها الدول الفاعلة فيما بينها . في سياق إدارة الصراعات .
ويرسم ملامح أولية لنظام عالمي جديد لا زال في طور التشكّل . وما قد يرتبه ذلك من نتائج ستنعكس على كل الأزمات والملفات الإقليمية والدولية بما فيها أزمات وملفات الشرق الأوسط . من تمخّضاتها
عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس ضد اسرائيل. قد حرّضت جنون القتل لدى هذه الأخيرة . حرقت غزة , ونقلت كرة النار والدمار إلى الضاحية الجنوبية في لبنان بمواجهة الذراع الإيراني حزب الله . وهي حقيقتها حرب ما بين إيران عبر وكلائها بالمنطقة وبين إسرائيل .
سأتناول هذا الموضوع بشكل مختصر في هذه الدراسة من خلال المحاور التالية :
- المقدمة .
- نشأة النظام العالي .
- النظام العالمي الذى تشكّل في أعقاب الحرب العالمية الأولى .
- النظام العالمي ثنائي القطبية
- النظام العالمي آحادي القطبية .
- الثورة الإيرانية وأهم الأسباب التي قادت لسقوط شاه إيران وتخلي الغرب عنه .
- المشروع الإيراني وحامله الطائفي وأدواته في المنطقة .
- فوز حماس في الإنتخابات وأدائها في الحكم .
- هل توقيت هجوم حماس على إسرائيل وما يجري في لبنان والمنطقة , هو البداية لرسم الخارطة الجيوسياسية لشرق أوسط جديد ؟
- مقدمة :
التحوّل نحو نظام عالمي جديد يعكس مستويات القوة وبكل اشكالها السياسية والإقتصادية والعسكرية والمالية والتقنية والثقافية والبحث العلمي , ومستويات التنمية والناتج المحلي وإدارة الموارد للدول الفاعلة والمتنافسة على الصف الأول لقيادة العالم .. التي تعيد رسم تراتبية النفوذ والدور والمكانة على المستوى العالمي . وكل دولة في ضوء ذلك تعيد تقييم سياساتها لخدمة أهدافها ومصالحها . حليف الأمس قد يصبح عدو اليوم أو الغد , والعكس صحيح .
فالنظام العالمي الجديد سيرسم مشهداً جديداً على المستوى الكوني لمواقع وتراتبية النفوذ والسيطرة والتحكّم للدول المتنافسة. تتغيّر معها خارطة الإصطفافات والتحالفات . ويشكّل الإطار المؤسساتي الناظم للعلاقات الدولية بكل أشكالها ومستوياتها القانونية والسياسية والإقتصادية في أثناء سريانه .
العالم يعيش اليوم المخاضات العسيرة التي تسبق ولادة نظام عالمي جديد لم يولد بعد , وقديم لازال يعاند الرحيل .
ستفشل الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل الجهود التي تبذلها في أن تبقى القطب الأوحد الكوني الذي يقود العالم متفرّداً .
أو أن تستمر في هيمنتها عليه اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. حيث تبوأت هذه المكانة بعد سقوط الإتحاد السوفيتي. في العام1991
فروسيا البوتينية عادت للمنافسة من جديد على المسرح العالمي . طامحة لاستعادة دور ومكانة الإتحاد السوفيتي السابق على المسرح الدولي . واسترجاع أمجاد الأمبراطورية القيصرية .
كما أن الصين حققت قفزات نوعية مذهلة في السنوات الماضية على المستوى الإقتصادي والتكنولوجي , وغزت منتجاتها غالبية دول العالم وبكل قاراته. وأضحت منافساً اقتصادياً حقيقياً للولايات المتحدة والغرب .
- نشأة النظام العالمي .
المقدمات الأولى التي أسست لنشوء مفهوم النظام الدولي هي اتفاقيات ويستفاليا (1644 – 1648) التي أنهت حربي الثمانين عاماً والثلاثين عاماً . تصارعت فيها الإمبراطورية الإسبانية المدعومة من الكنيسة الكاثوليكية الرومانية , ودول شمال القارة البروتستانتية المتحالفة مع إلمانيا وفرنسا التي دخلت هذا الحف رغم كاثوليكيتها . لدفع ووقف التوسّع الإسباني الذي احتل بعض أراضيها . (1)
تم توقيع هذا الصلح المسمّى بصلح ويستفاليا في 24 أكتوبر لعام 1648 في مونستر واستفاليا بالمانيا . وتم الإعلان من خلاله عن توقّف وانتهاء الحروب الدينية . وتكريس مبدأ التسامح الديني بين الطوائف . وفصل الدين عن الدولة . ووضع حد لنفوذ الكنسية وتدخلها في أمور السياسة .. واقتصار نشاطها ودورها على التوجيه الديني , وعلاقة الإنسان بالخالق .
ولم يعد لها أي نفوذ ووصاية على الدولة ومؤسساتها , ونشاطاتها العامة السياسة والإقتصادية وتنظيم الحياة العامة في المجتمع .
وأقرت مبدأ المساواة بين الدول المسيحية بغض النظر إن كانت بروتستانتية أو كاثوليكية . وأسقطت سلطة البابا . وأسست لركائز جديدة قام عليها القانون الدولي الحديث . ووضعت المقدمات الأولى لقيام الدولة الوطنية . (2)
حيث حكمت هذه الإتفاقيات النظام الدولي حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى .
- النظام العالمي الذي تشكّل في أعقاب الحرب العالمية الأولى .
انتهت الحرب العالمية الأولى في العام 1918 على قاعدة الربح والخسارة . فرض المنتصر شروطه على المهزوم. وتشكّلت عُصبة الأمم عام 1919 كأول منظمة سياسية عالمية بموجب معاهدة فرساي .
ومؤتمر الصلح الذي تم عقده في العاصمة الفرنسية باريس في الفترة الواقعة بين 18 يناير لعام 1919 حتى 20 يناير 1920 أسهم في إعادة تشكيل النظام العالمي الجديد.
لكن عصبة الأمم فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة والمتمثّلة بتعزيز التعاون الدولي , وتحقيق الأمن والسلام . وترسيخه على المستوى الكوني . ومنع الحروب , والحد من انتشار السلاح , وتسوية النزاعات الدولية . وأخفقت في لجم وردع اعتداءات الدول الكبرى على الضعيفة والمهزومة . مع غياب الإرادة الدولية في مساعدتها على النجاح بمهامها .
لا بل شرعنت نظام الإنتداب الذي فرضته الدول المنتصرة على الدول المهزومة , والذي هو في حقيقته استعمار للشعوب الضعيفة. وقد انهار هذا النظام بشكل فعلي مع نشوب الحرب العالمية الثانية.
- النظام العالمي ثنائي القطبية .
بدأت الحرب العالمية الثانية في 1 سبتمبر 1939 مع الغزو الإلماني لبولندة . واستمرت ست سنوات . انتصر فيها دول الحلفاء : بريطانية والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ,على دول المحور إلمانيا وايطاليا واليابان . وتشكّلت على أثرها خريطة القوى الدولية الجديدة . وأبرز ماميّز هذا النظام :
- قيامه على ثنائية القطبية مابين لولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي .
- حلول الأمم المتحدة بديلاً عن عصبة الأمم . ونشوء بعض المؤسسات التي تُعطى بعض ملامح النظام العالمي الجديد . مثل صندوق النقد الدولي , والبنك الدولي .
- صدورميثاق الأمم المتحدة ومجموعة من المبادئ والقيم الإنسانية التي تحمي الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية من العسف والإستبداد .
- صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول ديسمبر 1948 . وتباعاً صدرت مجموعة من الإتفاقات والمعاهدات والعهود التي انبثقت عنه واستندت إليه.
- لم تدم علاقات التعاون والتنسيق بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي طويلاً . فما أن حطّت الحرب العالمية الثانية رحالها حتى صدر التصريح الشهير من استالين والذي قال فيه بما معناه وليس حرفياً (لقد انتصرنا على النازية والعدو الرئيسي اليوم هي الإمبريالية بكونها أعلى مراحل الرأسمالية . ما قاد ذلك وسرّع من تأسيس
- تحالف عسكري غربي سٌمّي بالناتو تقوده في العام 1949 بدأ ب12 دولة وعلى رأسهم الولايات لمواجهة خطر توسّع الإتحاد السوفيتي وانشار الشيوعية .
- قيام الإتحاد السوفيتي مع سبع جمهوريات اشتراكية من الدول التي تدور في فلكه بتأسيس حلف وارسو مقابل حلف الناتو في العام 1955 .
- انقسام العالم بين معسكرين .
ليبرالي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية . وشيوعي يتزعمه الإتحاد السوفيتي .
ونشأ بين الطرفين صراعاً كونياً عُرف سياسياً بالحرب الباردة وسباق التسلّح .
6-هيمنة التعايش السلمي بين المعسكرين على مسرح العلاقات الدولية حتى سقوط الإتحاد السوفيتي
وانهياره في العام 1991
7- المثالب التي حملها النظام العالي ثنائي القطبية .
-افتقاده للآليات التي تنقل هذه الحقوق
والإلتزامات من حيّز النصوص إلى حيّز التطبيق .
-المعايير المزدوجة بالتعامل مع الأزمات والصراعات التي تحدث بالعالم.
-السقوف المختلفة للخطاب الدولي بالتعاطي معها , وصلت إلى حد تحريف المشروعية الدولية
حينما تتعلق بقضايا الشرق الأوسط .
– تركيبة مجلس الأمن وحق النقض المحصور في الدول الخمسة الكبار الذي عطّل ذلك مسار
العدالة الدولية . وفشل المجلس في حل الأزمات المتوالدة في العالم ما جعل بعضها يتفاقم
ويتعفن حيث دفعت الشعوب خلالها الأثمان الباهظة والأكلاف الكبيرة .
- النظام الدولي احادي القطبية .
- في 26 ديسمبر |كانون الأول لعام 1991 أصدر مجلس السوفيت الأعلى للاتحاد السوفيتي الإعلان رقم 142 – H . الذي تم بموجبه الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة . وإنشاء رابطة الدول المستقلة لتحلّ محل الإتحاد السوفيتي . حيث كرّس انتهاء الوجود القانوني والفعلي لدولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية . وبذلك انتهت الحرب الباردة بين الطرفين . وسقط النظام الدولي ثنائي القطبية . ليبدأ نظام أحادي القطبية تقوده الولايات المتحدة منفردة.
- في 11 سبتمبر أيلول لعام 2001 . تم استهداف برج التجارة العالمي في الولايات المتحدة بواسطة أربع طائرات نقل مدني . قيل حينها قادت ونفّذت هذا الهجوم مجموعات تابعة لتنظيم القاعدة .
- بعد اسابيع من هجمات أيلول التي استهدفتها . وشعور الولايات المتحدة بفائض القوة ونشوة النصر بعد تربّعها على عرش قيادة العالم . دفع بها لغزو افغانستان في 7 أكتوبر |تشرين الأول 2001 . واحتلالها
وحددت الأهداف العامة لغزوها لافغانستان ؟ هي ضرب تنظيم القاعدة الذي قام
بالهجمات عليها وتفكيكه.
ثم أقدمت على غزو العراق في 20 مارس |أذار واحتلاله أيضاً .
- في 5 ديسمبر|كانون الأول لعام 1994 . وقّعت روسيا والولايات المتحدة وبريطانية وأكرانيا اتفاقية بودابست . وافقت أوكرانيا بموجبها التخلّي عن مخزونها من السلاح النووي لروسيا , والذي يعادل في حينه ثلث القوة النووية الإجمالية للإتحاد السوفيتي السابق . مقابل التزام روسيا والدول الموقعة على الإتفاقية بضمان استقلال أوكرانيا في حدودها الحالية , والامتناع عن تهديدها بالقوة أو استخدامها ضدها , أو التعدي على سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي كدولة مستقلة كاملة السيادة .
- روسيا كما هو معروف لم تلتزم بذلك . وأحد الأهداف الاستراتيجية لروسيا البوتينية وعلى مدار أكثر من عشرين عاماً الماضية . والتي أتت ببوتين إلى رأس السلطة . هو إنشاء مجال نفوذ واسع يصل لدرجة الوصاية على كل الدول التي كانت جزء من الإتحاد السوفيتي السابق . وامتلاك الحق في توجيه سياسياتها الخارجية والداخلية بما يتوافق مع مصالح وسياسات الهيمنة الروسية . لإعادة هذه الدول مجتمعة للسباحة في فضاء الدولة الروسية . كمقدمة لتحقيق حلم بوتين باسترجاع هيبة ومكانة الإتحاد السوفيتي السابق على المسرح الدولي . واستعادة أمجاد امبراطورية روسيا القيصرية.
- وفي سياق هذه التوجّهات احتلت روسيا مجموعة من المدن الجورجية . واعترفت باستقلال جمهوريتي استونيا الجنوبية وأبخازيا . وانفصالهما عن جورجيا .
- غزت واحتلت جزيرة القرم في العام 2014 وضمتها لها .
- وما يدلل على النوايا المبيتة لروسيا البوتينية ؟ هو اقترح الكرملين في 17 كانون الأول من عام 2021 معاهدتين تُلزم أُكرانيا وجميع الدول التي كانت جزء من الإتحاد السوفيتي السابق أن يكونوا خارج حلف الناتو . مع الزام السويد وفنلندا بالحياد الدائم . وأن يعود حلف الناتو الى وضعه العسكري السابق في العام 1997 . أي قبل توسعته الأولى . وأن يسحب كل قواعده العسكرية وأسلحته ومعداته من وسط وشرقي أوربا . لكي يعود الوضع إلى ماكان عليه قبل تفكك الإتحاد السوفيتي السابق .(3)
- في 21 شباط لعام 2022 أقر مجلس الدوما الروسي قانون يتضمّن الاعتراف بجمهوريتي دونسيك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية في شرق أوكرانيا دولتين مستقلتين . ودخلت القوات الروسية منطقة دونباس في شرق أوكرانيا .
- في 24 شباط 2022أعلن بوتين بخطاب مقتضب بدء الحملة العسكرية على أوكرانيا بهدف تجريدها من سلاحها تحت ذريعة منع انظمامها لحلف الناتو . طبيعي هي حجج واهية أقلها لثلاثة أسباب .
فهي تخالف .
– نص اتفاقية بودابست لعام 1994.والتي أشرنا لها أعلاه بتعهد روسيا والدول الموقعة عليها
احترم سيادة واستقلال أوكرانيا , وضمان أمنها. والإمتناع عن تهديدها بالسلاح أو التعدي
على سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي .
– الإعلان الصادر عن مجلس السوفيت الأعلى رقم 142 –H . المشارإليه أعلاه والذي
اعترف باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة , وإنهاء الوجود القانوني لما يسمّى الإتحاد
السوفيتي .
- قواعد القانون الدولي القاضي بحق أي دولة مستقلة في تقرير سياساتها الداخلية
والخارجية . وعلاقاتها وتحالفاتها منفردة دون أي وصاية من أحد. وهذا جزء من الحقوق
غيرالمنقوصة لأي دولة مستقلة . وغير المعلق على أي شرط .
- الثورة الإيرانية وأهم الأسباب التي قادت لسقوط شاه إيران .
- انتشار الفساد والإختناقات الإقتصادية والتضخم الذي عانت منه إيران قبل الثورة بسنوات .
والقمع والسجون الذي واجه فيها شاه إيران معارضيه من اليساريين والإسلاميين على حد سواء . إضافة للبذخ المُفرط للمال العام في أوساط العائلة المالكة .
- الغاء ملكية الأراضي العائدة لبعض رجال الدين الشيعة والتي تم استثمارها من قبل التيار الديني للتحريض ضد الشاه وتوسيع مطارحه في الأوساط المجتمعية .
- سياسة التغريب التي سار عليها الشاه منذ ستينات القرن الماضي . ومنح النساء المساواة القانونية مع الرجال . حيث أعلن الخميني حينها في تصريحه الشهير
( بأن الشاه شرع في تدمير الإسلام في إيران ). وهذا ماقاد لاعتقاله . والإفراج عنه بعد مدة قصيرة ونفيه من البلاد . حيث ذهب للعراق في أيلول عام 1965 . واتخذ من النجف مقراً له ليواصل حملته من هناك ضد الشاه .
- تركيز الشاه بالدرجة الأولى على قمع مجاهدي خلق , وباقي أطياف المعارضة اليسارية بشدة بما فيها حزب تودة الشيوعي. مقابل سياسة أكثر ليونة اتجاه التيار الديني في محاولة لامتصاص النقمة المتزايدة على حكمه . ممّا وسّع مطارح التيار الديني وتأثيره في الأوساط الدينية والمجتمعية. ومكّنه من تنظيم نفسه مستثمراً النقمة الكبيرة ضد نظام الشاه في المجتمع الإيراني .
- من الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة والغرب للتخلّي عن الشاه .
- ضعف حكم الشاه وتدنّي شعبيته . وبلوغ السخط والتذمّر اقصاه في صفوف المجتمع الإيراني. وبالرغم من علاقات الشاه الجيدة مع الولايات المتحدة . وسياساته التي كانت تدفع المجتمع الإيراني للتغريب وتمثّل قيم الغرب ؟ إلّا أنهم ذهبوا للتخلي عنه وعلى ما اعتقده كان ذلك لعدة اسباب ,
ومن أهمها .
-الخطة التي وضعها الشاه لتحديث وتطوير الجيش الإيراني وتسليحه كماً ونوعاً طامحاً ليكون الجيش السادس بالعالم مستفيداً من ارتفاع أسعار النفط في العام 1973 إذ قفز سعر برميل النفط من سنتات معدودة إلى مايقارب ال30 دولار للبرميل الواحد . وهذا ماحقق لإيران فائض مالي كبير .
-تشكيله لوبي إيراني في الولايات المتحدة نجح بتأمين بعض صفقات الأسلحة المتطورة حينها . وهذا
مايتعارض مع الإستراتيجية الغربية عموماً والأمريكية بشكل خاص . والتي تقوم على أن اسرائيل يجب
أن تكون وتبقى القوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط .
2 – خشية الولايات المتحدة والغرب من استغلال اليسار الإيراني وحزب تودة الشيوعي بشكل خاص النقمة
الشعبية العارمة على نظام الشاه واستغلال ضعفه للقفز إلى السلطة . وإذا حدث ذلك يعني تمدد الإتحاد
السوفيتي للمنطقة من البوابة الإيرانية وسيكون ذلك نصر له . وهذا لاتريده لا الولايات المتحدة ولا الغرب
والتيار الديني بقيادة الخميني كان يمتلك قوة في الساحة لايستهان بها .
لذلك تخلّت الولايات المتحدة عن الشاه .
ولم تناصر التيار اليساري . بل مالت وسهّلت صعود التيار الديني للحكم وهذا ماحصل .
- ماذا حقق الغرب والولايات المتحدة من سقوط حليفهم شاه إيران واعتلاء المتشددين الدينين بقيادة الخميني للحكم ؟
أرى بأنها حققت مجموعة من الأهداف التي تتفق مع استراتيجيتها بالتعامل مع المنطقة أهمها .
- تفويت فرصة تحديث الجيش الإيراني . وبذلك إزالة أكبر قوة عسكرية في المنطقة أمام إسرائيل .
- إضعاف الجيش العراقي . وإدخاله بحرب طويلة مع إيران قادت لإضعاف الجيشين معاً .وهذا لمصلحة إسرائيل أيضاً وبكل تأكيد .
- الحؤول دون وصول الحزب الشيوعي الإيراني (تودة) للحكم . حيث كان حينها من أقوى الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط المرشحة للقفز الى الحكم .
مما يعني بأن نظام الخميني صعد للحكم بتسهيل, وعدم معارضة من الغرب ليقوم بدوره الوظيفي ويشكّل مصادات قوية أمام الإتحاد السوفيتي تمنعه أو تعيقه من الدخول للمنطقة . بما يحقق مصالحهم حينها .
ومع سقوط الإتحاد السوفيتي وتفككه في العام 1991 فقدت دولة ولي الفقيه في إيران دورها الوظيفي الذي أتى بها للحكم.
لكن نظام الخميني الذي استلم السلطة في إيران في العام 1979 قد أتى بمشروعه القومي الأمبراطوري
والهادف :
– لإعادة بناء الامبراطورية الفارسية الكبرى والوصول للمتوسط .
– العمل على تفكيك دول المنطقة وإضعافها عبر ضرب حامل الدولة الوطنية فيها , للحؤول دون قيامها .
وتخريب نسيجها الإجتماعي والتفتيت المذهبي. ونشر الفوضى والجريمة فيها , وتهديم بُناها المجتمعية
والأخلاقية لتكون للسيطرة عليها وتوظيفها في خدمة مشروعها الإمبراطوري القومي . (4)
– ليدخل بمنافسة مع المشروعين التركي والإسرائيلي على النفوذ والقرار, والسيطرة ,والحصص في المنطقة .
في ظل غياب المشروع العربي .
وغلفوه بقفازات دينية , ورفعوا شعارات كاذبة مثل تحرير القدس والمقدسات والمسجد الأقصى
مستغلة الصراع العربي الإسرائلي والقضية الفلسطينية , وعدوانية إسرائيل الرافضة لكل قرارات مجلس
الأمن وأهمها القرارين 242 لعام 1967. والقرار338 لعام 1973 . وكل القرارات ذات الصلة القاضية بإقامة
دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس . والإنسحاب من هضبة الجولان .
استمرار الصراع هو أحد حوامل المشروع الإيراني . تسللت ودخلت من خلاله نسيج المنطقة. وشكّلت أذرعها السامة وغرستها فيها . بحجة تحرير فلسطين ونصرة الأقصى وووو. . ؟ مما يكون والحال ماذكر:
انتهاء الصراع يعني انتهاء دور إيران وأذرعها في المنطقة .
إيران وإسرائيل هما من رفضا وأفشلا مشروع أوباما بحل الدولتين وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائلي حينما استلم رئاسة الولايات المتحدة في العام 2009 .
- المشروع الإيراني وحامله الطائفي وأدواته وأذرعه في المنطقة
لم يكن المشروع الإيراني لنظام الخميني يزعج الولايات المتحدة ؟ بل يؤدي دوراً وظيفياً لها ليكون بمثابة فزّاعة
للسعودية والخليج . تدفعهم لطلب الحماية والأمن منها. (أي من الولايات المتحدة ).
وإذا نظرنا لهذه الأذرع المنتشرة في المنطقة , ونشير هنا لبعضها من حيث نشأتها وطبيعة علاقتها بالدول التي تعمل فوقها نلاحظ بأن .
- جميعها تأسست بعد العام 1979 . أي بعد وصول الخميني للحكم .
-حزب الله : تأسس في العام 1982 . برعاية نظام الأسد الأب . ورغم أن مؤتمر الطائف لعام 1989 .
الذي أكد على حل جميع المليشيات في لبنان . وسحب سلاحها لصالح الدولة .
جميعها سلمت سلاحها للدولة . إلّا حزب الله بقي محتفضاً بسلاحه لرعايته وحمايته من نظام الأسد الذي
كان يسيطر على لبنان حينها .
-الحوثيين في اليمن : في العام 1992 .
-حماس : في العام 1987 . وهنا لابد من التنويه . حماس في نشأتها كانت تتبع لتنظيم الأخوان المسلمين قبل أن تفك ارتباطها بهم وتعتمد على إيران بتمويلها وتسليحها .
-فتح الإنتفاضة : في العام 1983 . وهي حركة انشقت عن منظمة التحرير الفلسطينية قام بها نمر صالح
والعقيد أبو موسى . بتنفيذ وإشراف نظام الأسد الأب. وكانت الأيادي الإيرانية وراء ذلك بغية إضعافها والسيطرة على جزء من قرارها للاستثمار فيها .
2 – جميع هذه الأذرع هي أقوى من الدول التي تأسست فيها ؟ حزب الله أقوى من الدولة الشرعية في لبنان .
وكذلك الحوثي أقوى من الدولة الشرعية في اليمن . والميلشيات العراقية أيضاً هي أقوى من الدولة الشرعية
في العراق .
وكذلك حماس التي تحكم قطاع غزة هي أقوى من السلطة الفلسطينية . وهي لازالت تتعرض لأقوى حملة عسكرية إسرائيلية شرسة راح ضحيتها أكثر من 45 ألف ضحية وحوالي 100 ألف جريح ودمار شبه كامل وممنهج لبنيتها التحتية من بنوك ومشافي ومعامل ومصانع ومتاحف وغيرها رداً على عملية طوفان الأقصى .
والسؤال الذي يطرح نفسه :
ما هي أهداف عملية طوفان الأقصى ؟
-هل قرار هجوم حماس في 7 أوكتوبرمن العام الماضي كان قراراً فلسطينياً؟
-هل من اتخذ قرار العملية قام قبل البدء بالهجوم بإعداد التجهيزات والمعدات اللازمة والملاجئ لحماية المدنيين ؟
-هل من اتخذ القرار بالهجوم وفتح المعركة كان يحسب ويتوقع ردة الفعل الإسرائيلية؟ ولماذا جاء بهذا التوقيت ؟
أنا اعتقد بأن قرار الهجوم وفتح المعركة تم اتخاذه في طهران .أي مكتب العمليات في طهران . دفع حماس للمعركة , وم ثم أغلق المكتب وقال لها إذهبي انتي وربك وقاتلا .
وهذا اتهام سياسي مبني على الظن من خلال استقرائي للحدث وتطوراته . وليس قانوني لعدم امتلاكي أي معلومات يقينية .
- فوزحماس بالإنتخابات والظروف التي رافقت ذلك . وأداءها في الحكم .
- دخلت الإنتخابات في العام 2006 تحت مسمّى قوى المقاومة الإسلامية . وفازت بحوالي 70% من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني .
أي :
- بعد توقيع اتفاق أوسلو (1) في 13 سبتمبر أيلول لعام 1993 . بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل . وقع عليه ياسر عرفات ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية . ووقعه من الجانب الإسرائيلي إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل بحديقة البيت الأبيض في واشنطن وبرعاية أمريكية .
وأوسلو 2 تم توقيع الرسمي في واشنطن أيضاً في 28 سبتمبر أيلول لعام 1995 . تم بموجبهما الاعتراف المتبادل بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام . واعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثل للشعب الفلسطيني . والإنسحاب من غزة والضفة وتشكيل سلطة حكم ذاتي فيها تمهيداً للإتفاق على الوضع النهائي والتسوية الشاملة خلال فترة انتقالية مدتها 5 سنوات . بناء على قراري مجلس الأمن رقم 242لعام 1967 . والقرار 338لعام 1973 .
هذه الإتفاقية كانت مرفوضة من اليمين الإسرائيلي والذي يعتبر بأن حدود إسرائيل من نهر الأردن إلى المتوسط . وهي الدولة الموعودة وعمل افشالها . ووصفها نيتنياهو حينها بالكارثة .
وتم على خلفيتها اغتيال رابين رئيس وزراء اسرائيل من قبل أحد المتطرفين اليهود في 4 نوفمبر تشرين الثاني 1995 . في مهرجان خطابي مؤيد للسلام في ميدان ( ملوك إسرائيل ) في تل أبيب.
في تلك الأثناء كان ينمو تياراً واسعاً في الأوساط الإسرائيلية يميل لحل المسألة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وينشد السلام والأمان . وكان أنصار السلام يتضاهرون ويعتصمون بعشرات الآلاف في إسرائيل
- بعد مبادرة السلام العربية . وهي مبادرة شاملة أطلقها الملك السعودي عبد بن عبد العزيز ملك السعودية في القمة العربية التي تم عقدها في بيروت عام 2002 . تحت مُسمى ( مبادرة السلام العربية) حيث قدّمت صيغة شاملة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي , والصراع العربي الإسرائيلي . وتحقيق السلام والأمن لجميع شعوب المنطقة .
تهدف لقيام دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود عام 1967 مستقلة وذات سيادة , عاصمتها القدس الشرقية . وعودة اللاجئين , والإنسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان مقابل اعتراف وتطبيع شامل للعلاقات بين إسرائيل ومحيطها العربي تنفيذاً لقراري مجلس الأمن 242 1967 و338 لعام 1973 . وقرارات مؤتمر مدريد لعام 1991 . ووفق مبدأ الأرض مقابل السلام .
حيث لاقت هذه المبادرة في البداية دعم من الولايات المتحدة وإدارة بوش .
أما في إسرائيل تراوحت الردود بين المؤيدة لها وكانت واسعة. وبين السلبية والرافضة لها , والمحايدة .وكان اليمين المتطرف الإسرائيلي يتمنّى أن يأتي موقفاً فلسطينياً رافضاً للمبادرة العربية , ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالمسألة الفلسطينية , وبكل ماتم التوافق عليه في أوسلو لإنقاذه . ليقول بأن الفلسطينيين لايريدون السلام ويريدون إزالة اسرائيل .
- بعد تشكيل اللجنة الرباعية أو رباعية مدريد في العام2002. وهي لجنة دولية فوقية لمتابعة ودفع وتيسير عملية عملية السلام في الشرق الأوسك والصراع العربي الإسرائيلي . والرباعي هم ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الآوربي والأمم المتحدة وروسيا
- وفي عام 2004 توفي ياسر عرفات .
في هذه الأجواء السياسية الإقليمية والدولية جائت حماس للحكم عام 2006 . بفوزها على 74 مقعد من أصل 132 . في حين فازت حركة فتح ب45 مقعد .
وطرحت برنامجها بإزالة إسرائيل , وحدود فلسطين من النهر الى البحر .
السلطة الفلسطينية لم تشترك معها بتشكيل الحكومة لالتزاماتها بتعهداتها وتبنيها لقرارات مجلس الأمن واتفاقات أوسلو والمبادرة العربية .
- طلب منها المجتمع الدولي بعد فوزها , ثلاثة طلبات حملتها إليها اللجنة الرباعية الموما لها أعلاه . وسُميت وقتها بشروط الرباعية للموافقة عليها والإلتزام بها حتى تنال اعتراف المجتمع الدولي ليتعامل معها .
وهي :
-الإعتراف بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة 338 و242 وبكل الإتفاقيات السابقة التي وقعتها منظمة التحرير مع إسرائيل .
-الإعتراف بحق إسرائيل في العيش بأمان وسلام كما تنص عليه القرارات الدولية والإتفاقيات السابقة التي تم
توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل .
– تعهد حماس بنبذ العنف .
3- رفضت حماس شروط الرباعية , ولم تقبل أي شرط منها ما حدا بالمجتمع الدولي إلى مقاطعتها وتصنيفها كمنظمة إرهابية .
4 – توسّع الخلاف بين حركة فتح وحماس حول برنامج حماس في الحكم وتوجهاتها المرفوضة من السلطة الوطنية الفلسطينية . وشكّلت حماس حكومتها بقيادة اسماعيل هنية . وسمّى محمود عباس سلام
فياض في 14 يونيو لعام 2007 . رئيساً للوزراء .(5)
5- قامت السعودية بمبادرة مصالحة بين الطرفين , لكنها لم تُفلح في تقريب وجهات النظر ورأب الصدع بينهما . وكان وراء ذلك إيران التي كانت تعمل على شق الصف الفلسطيني . وبقيت حماس على مواقفها المتشددة . وانتهت بمواجهات بين الطرفين. قادت لطرد حماس للسلطة الفلسطينية من غزة , ورفضت الإعتراف بشرعيتها . وأصبح تواجدها مقصورعلى الضفة الغربية . واستمرت حماس بحكم غزة .
6-هذا الإنقسام :
– أضعف القرار الوطني الفلسطيني وخلق أزمة تمثيل على المستوى الإقليمي والدولي ؟ كل طرف يدعي
تمثيل الفلسطينين والقضية الفلسطينية .
– استطاعت إيران أن تدخل من بوابة هذا الإنقسام الذي رعته ودفعت به لتستحوذ على مساحات والسعة من
النفوذ والقرارالفلسطيني .
7 -البرنامج الذي جائت به حماس للحكم ورفضها شروط الرباعية وأوسلو
والمبادرة العربية وتريد فلسطين من النهر الى البحر .
أعطى مشروعية لليمين المتطرف في إسرائيل بالبقاء والتمدد تحت ذريعة أن الفلسطينين يريدون
طردنا ولا يريدون السلام.
أعتقد بأن اليمين الديني في فلسطين واليمين الإسرائيلي يتفقان في رفض قرارات مجلس الأمن ذات الصلة
بالمسألة الفلسطينية , واتفاقية أسلو , والمبادرة العربية . وكل منهما يريد فلسطين من النهر إلى البحر .
هما يتخادمان وكل منهما سبب وحامل لوجود الأخر .
فوجود اليمين المتطرف التلمودي, واليمين المتطرف الإسلامي على رأس السلطة في إسرائيل وغزة هؤلاء
لايصنعن السلام وهم عقبة أمامه .
فبعد أكثر من عام على حرب غزة أضحت أطلالاً بعد عين بفعل توحّش وهمجية إسرائيل التي شنت عليها حرب إبادة حقيقية للبشر والحجر . ولم يكن الرد يتناسب مع عملية طوفان الأقصى التي دفعت بها ايران للاستثمار بدم الفلسطينين وتوظيفها في صراعها مع الولايات المتحدة . كورقة تساوم بها وعليها لتدعيم مواقف سياسية.
ومن خلال أحداث ووقائع الحملة الإسرائيلية المتوحشة على غزة وجنوب لبنان يتبين جلياً بأن إسرائيل قد غيّرت قواعد الحرب والمواجهة التي اتبعتها في حملاتها السابقة .
من سياسة إبعاد الخطر والتخفيف من آثاره أو كما يُسمى (بسياسة جز العشب) والذي يعود للنماء
الى اجتثاث مولّداته .
وهذا ما فوّت على إيران ما أرادته .. فبعد تدميرها للحجر والبشر في غزة وأضعاف الجناح العسكري لحماس وقتلها لقيادات الصف الأول فيها يكون قد خرج خط الأمان والحماية الأول لها عن الخدمة . أو ضعف الى الحد الذي لايمكن الإستثمار فيه .
ثم توجّهت بعد ذلك لحزب الله في جنوب لبنان الذي بدأ بمناوشة إسرائيل تحت عنوان (جبهة إسناد غزة )التي بدأها نصر الله المقتول بغارة إسرائيلة مع مجموعة من قيادات الحزب في الضاحية . معتقداً بأنه يحافظ على قواعد اللعبة بينه وبين إسرائيل لبقاء الحرب وساحة المواجهة محصورة في حدود غزة . لكن إسرائيل كما أسلفنا قد غيّرت قواعد اللعبة . ونراها الآن تطبّق السيناريو الذي اتبعته في غزة على جنوب لبنان. مما يُفقد خط الحماية الثاني , والذراع الأقوى والأهم من كل أذرعها بالمنطقة وهو حزب الله .
ومنذ انتهاء حربها مع العراق فهي تحارب بأذرعها وخارج حدودها .
- بعد مور أكثر من عام على بدء عملية طوفان الأقصى وحجم الدمار والقتل وسياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها اسرائيل . ورغم استهداف وقتل غالبية قيادات حزب الله وحماس وقيادات إيرانية من الصف الأول لم تتحرك إيران لتدافع عن أذرعها ؟ وهذا يعني سقوط كذبة وحدة الساحات .
لابل ذهب الرئيس الإيراني للولايات المتحدة مشيداً بالإخوة بين الشعبين الأمريكي والإيراني ليساوم على دماء اللبنانيين والفلسطينيين معاً وخراب ديارهم . وتوظيفها وبيعها في بزارات سياسية .
مما انعكس ذلك على حاضنته . وأحدث بها بعض التصدّع . والكثير منها شعر بالخذلان . وشهدنا كثير من الأصوات الساخطة والمستنكرة لهذا التخاذل تتعالى ضد إيران وحاضنة حزب الله وكثير من عناصره أيضاً إصيبوا بالصدمة والإحباط .
هذا الحزب ومنذ اللحظة الأولى لتشكيله صمم ليكون ذراعاً إيرانياً خالصاً مغروساً في الجسد اللبناني ؟
كما تدل الوثيقة التأسيسية الأولى للحزب والتي ورد بها:
نصر الله بأن حزب الله يعمل على قيام دولة إسلامية في لبنان ترتبط ولاءً بدولة ولاية الفقيه ؟ وما يدعم ذلك تصريحاته المعلنة أيضاً بأنه جندي في جيش ولاية الفقيه دام ضله . ويعمل على ربط لبنان لتكون مرتبطة بدولة ولاية الفقيه ؟
كما تصريحه الشهير أمام الشاشة والذي يتناقله الكثير استهجاناً بقوله ( طعامنا وشرابنا ولباسنا ومعاشاتنا وأسلحتنا هي من الدولة الإسلامية في إيران ؟) فبعد كل هذا فما الذي يربطه في لبنان ؟ إلاّ استغلاله وتوظيفه للبنان الشرعي لخدمة الحزب وإيران .
- هل توقيت هجوم حماس على اسرائيل وما يجري في لبنان والمنطقة بشكل عام
هو البداية لرسم الخارطة الجيوسياسية لشرق أوسط جديد ؟
لمقاربة ذلك لابد لنا من المرورعلى بعض مفردات المشهد السياسي الإقليمي والدولي الذي كان سائداً ولا يزال . وإنعكاساته على الشرق الأوسط .
- المساعي الأمريكية الحثيثة التي سبقت طوفان الأقصى للتطبيع بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية ؟ أثار قلق ومخاوف إيران . لأن السلام في المنطقة وأي تقارب مع إسرائيل مشروط بإيجاد حل للمسألة الفلسطينية . يتناسب طرداً مع سقوط حوامل المشروع الإيراني القائم على ادّعاء العداء لإسرائيل وتحرير المقدسات الذي يفرش الطريق أمامها للتمدد السرطاني المسموم في جسد المشرق العربي . ويسقط معه أي مبرر لوجود هذه الأذرع الإيرانية التي تعمل على تدمير المنطقة , وتقويض الأمن فيها , وتفكيك نسيجها المجتمعي .
ورغم وضوح الموقف السعودي حينها والذي جاء على لسان ولي العهد محمد بن سلمان برفض التطبيع مع
إسرائيل مالم يتم إيجاد حل للمسألة الفلسطينية . ورضوخها للقرارات الدولية وحق الفلسطينين في إقامة دولتهم
القابلة للحياة وفق القرارات الدولية .
- احتدام الصراع والتنافس الإقتصادي بين الصين والولايات المتحدة . حيث أطلقت هذه الإخيرة مع الهند والسعودية وفرنسا وإلمانيا وإيطاليا والإتحاد الأوربي في أيلول لعام 2022 . وعلى هامش قمة العشرين , مذكّرة تفاهم لإنشاء الممر الإقتصادي ( المُسمى طريق التوابل ) مابين الهند وأوربا عبر الشرق الأوسط .
الممرالأول الذي: يبدأ من موانئ الهند الى جبل علي في الإمارات .
والممر الثاني : يتألف من سكة حديد تمتد من الإمارات ويمر بالسعودية والأردن حتى يصل لميناء حيفا على البحر الأحمر .
والممر الثالث : ممر بحري من ميناء حيفا على البحر الأحمر يمر بقبرص في المتوسط ومن ثم الى اليونان وأوربا .
هذا الممر الإقتصادي الذي أرادته الولايات المتحدة في مواجهة طريق الحريرأو مايُسمّى مشروع الحزام والطريق الصيني . والذي يضعف جدواه الإقتصادية التي تكلّفت عليه الصين مليارات الدولارات على مدار أكثر من أثني عشر عاماً. والملفت بأنه لايمر عبر إيران . واتصور بأن ذلك كان مقصوداً .
هذا الطريق بالطبع يتطلب بيئة من الإستقرار والأمن في المنطقة . وحماية الطرق البرية والممرات المائية والمضائق وطرق التجارة . ويحتاج لبنية تحتية اقتصادية وتجارية واستثمارية , لاتتحقق هذه البيئة مع استمرار الدور التخريبي المليشياوي الفوضوي المدمّر لإيران في المنطقة .
حينها أدركت إيران بأن هناك إرادة غربية وأمريكية لعزلها وتحجيم دورها ؟ وخاصة بعد أن وقفت الى جانب روسيا بحربها على أوكرانيا . وقدمت لها بعض المساعدات العسكرية .
لذلك أعتقد بأنها عمدت ولكل هذه الوقائع والتطورات أعلاه:
لخلط الأوراق من جديد ودفع حماس بالهجوم على اسرائيل في 7 أوكتوبر من العام الماضي .
أما حكومة نيتنياهو اليمينية واليمين الإسرائيلي المتطرف كان ينتظر 11 أيلول جديد ليكون مبرراً له لتنفيذ مشروعه وحلمه بتصفية القضية الفلسطينية . وتهجير فلسطيني غزة والضفة بترانسفير جديد . ليفرض واقعاً جديداً يسعى له متخيلاً قدرتة وبقوة توحشه أن يصبح جزء مدمجاً بالمنطقة , ضمن الترتيبات القادمة التي بدأت بعض ملاحمها بالظهورمع تطور المشهد العالمي . ومخاضات الصراع التي تسبق ولادة النظام العالمي الجديد . والتي بدأت مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا دون أن تقدّم اي تنازل .
ولكن وبعد مرور أكثر من عام من الحرب على غزة . ورغم كل هذا الدمار الهائل والقتل والتدمير الذي قامت به وامتداد المعركة الى لبنان وذراع إيران المسموم حزب الله . لم ولن يستطع الإسرائيلي لاسابقاً ولا الآن ولا لاحقاً من هضم الحقوق الفلسطينية . ولا أن يدخل جسد المنطقة ويصبح جزءً منها تحت أي عنون.. دون إيجاد تسوية منصفة ومقبولة لكافة القضايا فيها سنداً للقرارات الدولية . وعودة الفلسطينين الى ديارهم . وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية .
فكل محاولات القفز على مشروعية الحق الفلسطيني وتغييبه بالقوة العارية بائت بالفشل .فالإنتفاضات الفلسطينية المتكررة ومنها داخل حدود 1948 لهي أكبر دليل على هذا الفشل . ومؤشر مقلق للإسرائلين الذين كانوا يراهنون على الزمن والقوة والتوحّش بفرض واقع مستدام يتنكّر للحقوق الفلسطينية .
وحتى لو جرى التطبيع مع بعض الأنظمة العربية فمعاهدة السلام الإسرائيلية المصرية , والتي تم توقيعها العام 1979 في أعقاب كامبديفد لعام 1978 .لم تصنع سلاماً بين الشعبين رغم مرور مايقارب ال46 عاماً عليها . السلام تصنعه الشعوب لا الأنظمة .
وكل المحاولات لإعادة صياغة شرق أوسط جديد , وإدماج إسرائيل في المنطقة تحت عناوين مختلفة بائت وستبوء بالفشل. ولم يُكتب لها النجاح مادامت تتجاوز الحقوق الفلسطينية والعربية . فالدولة المؤسسة على حامل الهوية الدينية أصبحت خارج التاريخ .
وما دامت الإيديولوجية وبكل أشكالها السياسية والدينية والطائفية والقومية هي المسيطرة في منطقتنا وبمواقع القرار وفي الفضاء الفكري والسياسي ستبقى المنطقة غير مستقرة ونهب للفوضى . وساحة خصبة للمنازعات .
مالم توجد الدولة الوطنية فيها .
- الغزو الروسي لأوكرانيا الذي في سياق
المخاضات التي تسبق ولادة النظام العالمي الجديد .
- نعيش الآن مرحلة أفول نظام عالمي قديم استنفذ مبررات وجوده. لكنه لازال يعاند الرحيل . ونظام عالمي جديد لم يولد بعد .
- مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا سقطت كل خطوط التماس التي كانت تراعيها الدول فيما بينها وتحرص على عدم انهيارها . وسقطت جملة التسويات والتفاهمات والمساومات التي كانت تحدد خطوط الصراع وتراعي شبكة المصالح .
- مع انهيار خطوط التماس بدأت أجواء التوتر تعود مابين الأطراف للإرتفاع . وهذا يعني بأن التعاون والتنسيق والتفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا في بعض مناطق الصراع . والذي وصل لحد التفويض الأمريكي لروسيا بالملف السوري قد انتهت . إن كان في المنطقة أو في أي بقعة بالعالم . فكل الملفات أصبحت في حالة اشتباك وأن بدت ساكنة . وهذا كما اعتقده سيكون لصالح سورية والشعب السوري والثورة السورية ومنطقة الشرق الأوسط بالعموم .
- تطور المشهد الإقليمي والدولي والذي بدأ مع الغزو الروسي لأوكرانيا سيغيّر معادلات الصراع والإصطفافات في المنطقة . فهو ليس لصالح إيران . فدور ايران في نشر الفوضى قد انتهى
- عودة الإهتمام الغربي والأمريكي بالشرق الأوسط فمن يسيطر عليه يسيطر على العالم .(6)
- لاتستطيع الولايات المتحدة هزيمة روسيا بأوكرانا ما لم تهزمها بالشرق الأوسط .
لذلك دخول الأساطيل الأمريكية وقطع البحرية وحاملات الطائرات للمنطقة لم تبدأ مع 7 أوكتوبر 2023 .
كما اعتقده ستعمل الولايات المتحدة على إضعاف الدور الروسي في سورية والعراق وليبيا ودول الخليج وفي عموم منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وتهميشه.
10 – أعتقد بعدم قدرة الولايات المتحدة أن تستمر متفرّدة في قيادة العالم . المستقبل لنظام عالمي متعدد الأقطاب لكنها ستبقى القوة الأكبر والأقوى والتي تملك المطرح الأوسع من القرار والنفوذ الكوني لسنوات قادمة. تتقاسمه مع الصين وأوربا. وستخرج روسيا من المنافسة على قيادة العالم الى الصف الثاني .
فهل نستطيع نحن السوريون الإستفادة من تطورات المشهد الدولي المتسارعة وانعكاساته الإقليمية والشرق أوسطية ؟ التي ستقود لتحجيم إيران وبتر أذرعها المسمومة في المنطقة التي أضحت تشكّل ليس خطراً مقوّضاً للإستقرار وناشراً للفوضى ومهدداً للأمن في سورية ومنطقة الشرق الأوسط قط ؟ (والذي أصبح استقراره أيضاً مصلحة غربية وأمريكية ) وإنما مهدد للعالم وطرق التجارة والمعابر البحرية .
فهل نستطيع الإستفادة من تراجع وضعف الدور الروسي الذي بدا واضحاً .
هل نستطيع الخروج من حالة التذرر والإنقسامات والتشرذم التي نحن فيها ؟
هل تستطيع قوى المعارضة والثورة السورية إعادة هيكلة نفسها على حامل الهوية الوطنية السورية ؟ وحمل لواء مشروع وطني ديمقراطي سوري عمومي ببعده الحضاري والإنساني ؟ لنشكّل البديل الوطني والسياسي والإنساني والحضاري والأخلاقي عن نظام طغمة الأسد المجرمة والفاسدة ؟ يكون مٌقنعاً للداخل أولاً ومن ثم للإقليمي والعالمي ؟ بأننا مؤهلين لبناء دولة أمنة ومستقرة . وهنا السؤال.
المراجع .
1 –أثر معاهدة وستفاليا1648 م ومؤتمر فيينا 1814 -1815 في تطور القانون الدولي العام – دراسة مقارنة –إعداد الباحثان عصام عبد المنعم البدري – عبد الله احمد السيد . المركز الديمقراطي العربي 12 ديسمبر 2020 .
2 – صلح ويستفاليا إرساء القو اعد المؤسسة للعلاقات الدولية المعاصرة . رانيا مكرم 27 يونيو 2017 ( المستقبل للأبحاث
والدراسات المتقدمة .
3- اتفاق بودابست 1994 . الأمن مقابل النووي . 4 مارس 2014 . صحيفة الشرق الأوسط .
4 -المشروع الإيراني في منطقتنا العربية من منظور قومي – مركز أبحاث مينا – 12 أكتوبر 2023 .
5-ترحيب باتفاق مكة وحماس ترفض – الجزيرة نت- 11|2|2007 .
6-انعكاسات الغزو الروسي لأكرانيا على الشرق الأوسط ؟ ص 184 .
من كتاب ألم المخاض السوري لثورة لم تكتمل بعد إصدار 2022. بسام العيسمي .