تفتّح وعيي في دمشق، طفلاً وشاباً يرى ويسمع نبض قلوب السوريين، بعيداً عن المكان الذي أنا فيه الآن منذ عقود، والذي لم تستطع كل تلك الفترة من العيش فيه والنهل من أحدث ما قدّمته البشرية من تطور علمي أن تنسيني مكاني الأول حيث تتوق روحي إلى السفر والعودة لرؤية مدينتي وهي تنعم بالحياة الكريمة الحرّة والديمقراطية كما يليق بها.
في الولايات المتحدة الأميركية عشتُ حلمي السوري الخاص مثل الرهبان في صوامعهم، كان همّي الأول تذليل كل ما يمكن من أجل رسالتي كطبيب، ولم أتوقف في رحلتي المهنيّة، عن شغفي الأساسي بالبحث العلمي والتطوير التكنولوجي للمجالات التي يمكن أن أدعم تقدّمها إلى الأمام.
ما لا أتحدث عنه عادةً، هو تأسيسي لمركز أبحاث علمية يقوده فريق متعدّد الجنسيات، لابتكار وطرح الجديد في عالم التكنولوجيا الطبية، ولم يكن خياري خاطئاً حين بكّرتُ بهذا التوجه قل عدة سنوات، فها قد وصلنا اليوم إلى العيش في زمن الذكاء الاصطناعي، وبات من الصعب على كثيرين ممن لا يطورون أنفسهم اللحاق بالركب أو حتى الصمود في وجه حركة التغيّر السريعة التي نشهدها.
إلا أن فرحي بكل ما أنجزته في حقلي لم يتمكّن من تبديد قهري أمام عجزنا جميعاً عن كفكفة دمعة طفل في بلادي سوريا، طفلٌ قهره القمع والاستبداد والظروف المعيشية الصعبة والطويلة وكل ذنبه وذنب أهله أنهم تطلعوا إلى ”حلم سوري“. ولم يعد بوسع العمل الإنساني الذي نذرت شطراً من حياتي له، في أفريقيا وآسيا وحتى في أوكرانيا التي غزاها بوتين، أن يكون كافياً للرد على كل هذه الهمجية التي تتعرض لها البشرية، فكن لابدّ من التنوير.
التنوير ليس مهمة أصحاب الفكر والمبشّرين وحسب، بل هو واجب على كل من لديه روح حرّة وعقلٌ رافض للتحجّر والاستسلام لليأس. ومن هنا جاءت فكرة ”غلوبال جستس“، التي أسّسناها لتنادي بالعدالة لكل البشر بلا استثناء، وفي مقدّمتهم السوريون.
هدفنا أن تزال تلك الطبقات الكتيمة عن أذهان أصحاب القرار في الولايات المتحدة أو العالم، ليروا بوضوح كم دفع الشعب السوري من أثمان من أجل أن ينال حريته، وكم كانت غالية تلك الحرية التي استكثرها عليه السياسيون وكبار اللاعبين على الساحة الدولية. مدنٌ وأرياف بأكملها سحقها نظام الأسد بوحشية، وهجّر أهلها وشرّدهم في جهات الأرض وكأنهم بلا وطن.
هدفنا أن يزول التشويش لدى صنّاع القرار في تمييز الحق عن الباطل، وتفنيد الأكاذيب والادعات التي زعمت أن الشعب السوري هو حفنة من المتطرفين، وهدفنا أن نقطع الطريق على عملية إعادة الحياة إلى جثة نظام الأسد عبر التطبيع معه.
وكما هو الحال في ساحات السياسة، كذلك في مجالات الحياة العامة للسوريين، حيث عملنا على تحويل المناطق الغنية في الشمال السوري إلى مساحات خضراء، وأتحنا الفرصة لتشغيل الأيدي العاملة وتأهيل الرجال والنساء دون تمييز لكسب عيشهم بأنفسهم بكرامة وعدم الاكتفاء بتلقي المساعدات.
في خططنا الجديدة نستهدف النهوض بالتعليم في المناطق السورية الشمالية، ومنع الأطفال من البقاء بعيداً عن المدارس، ونستهدف دعم المشاريع الصغيرة، وكل ما من شأنه أن يرتقي بأوضاع الناس ويحميهم من الجهل والفاقة.
أحدث مشاريعنا التي أطلقناها للسوريين في الذكرى 12 لاندلاع الثورة السورية في 15 من آذار/ مارس، كان موقعنا ”غلوبال جستس سيريا نيوز“ الذي يهدف إلى نقل نبض الشارع السوري في الداخل إلى كل مكان، وإيصال الصورة الحقيقية للسوريين إلى الجميع، كيف يعيشون وكيف يواجهون الظروف الحالية يرافقهم محررو ومراسلو ”غلوبال جستس سيريا نيوز“ المتواجدون على امتداد الخارطة السورية بين الناس وفي الأحياء النائية.
ويتشرّف الموقع إلى جانب أخباره وتحقيقاته الميدانية، بنشر مقالات لنخبة من الكتاب السوريين والعرب والعالميين والمؤثرين في مجالات مختلفة، يغنونه بآرائهم وتصوراتهم عن المستقبل، ويرفدون متابعيه بالوثيقة والتأريخ الدقيق للمشهد السياسي الراهن.
ليكون هذا الموقع، بكل إمكاناته، منصّة حرّة من أجل توحيد رؤى السوريين وكلمتهم، وتجميع جهود الكل، منظمات وسياسيين وناشطين ومثقفين ومفكرين ونخب للعمل كفريق واحد، وإن اختلفت عناوينهم وأسماء تجمعاتهم، ما يهمنا هو أن تضبط بوصلتهم على هدف واحد ونوايا واحدة في الطريق إلى ”الحلم السوري“ الذي سيتحقّق في دمشق وسوريا كلها بإذن الله.