خاص – جمال الشوفي
الحديث عن حسن النوايا وبناء الثقة في شؤون السياسة والحكم تقوضه الأنفس الامارة بالسوء وشهوة السلطة المطلقة، يقابلها في الفعل المجتمعي اثباتها بالأفعال ونقاط القوة وتثبيت المعطيات وتفعيل الممكنات الموضوعية.
ربيع السويداء من الثورة السورية لم يزل يجدد وللشهر العاشر على التوالي استحقاق التغيير السياسي عبر تفعيل القرار 2254. وتبدو هذه الجملة الوصفية سهلة نظرياً لكنها أحمال واعباء تركةٍ سورية عمرها 13 عاماً من الجرائم ضد الإنسانية المفتعلة في الشعب السوري من التغيير الديموغرافي والتهجير والنزوح ودمار المدن والاعتقال والتغييب والقسري، أضف لكون الحالة السورية بحكم وجود خمسة قوى خارجية أجنبية، باتت عقدة دولية لتصفية الحسابات وتقاسم النفوذ على حسابنا كسوريين. فما الجديد الذي تطرحه السويداء اذاً؟ وماذا يمكنها فعله؟
مضى ما يزيد عن ثمانية سنوات على القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن، تاريخ 18/12/2015. والذي يعتبر لليوم البوابة الوحيدة للحل للسوري دولياً، لكنه بذات الوقت الإشكالية المستعصية. ما يستلزم العودة لقراءة مضمونه وتحديد دلالتها السياسية. فالقرار المتضمن 16 عشر بنداً، يشير في مقدمته وبنوده السبعة الأولى الى:
الانتقال السياسي وضلوع المجتمع الدولي بالعمل على تحقيقه، بمرجعية بيان جنيف1/2012، ومؤيداً لبياني فيينا بينهما، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية. ودعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول في مفاوضات رسمية بشأنها مدتها ستة أشهر، تقيم حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد. تتبعها مرحلة لانتخابات حرة ونزيهة في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة.
بناء الثقة بين جميع الأطراف السورية، من أجل المساهمة في فرص القيام بالعملية السياسية، في فقرته العاشرة، والتوجه للمنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات للداخل السوري، تمهيداً للحل المفترض.
محاربة الإرهاب متمثلاً بداعش وجبهة النصرة وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بها وغيرها، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته في فقرته الثامنة، وتنفيذاً للقرار 2249/2015.
في قراءة لمضمون القرار هذا يمكن ملاحظة ما يلي:
أتى القرار بعد ثلاثة أشهر تقريباً من التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية.
تخفيض مقررات جنيف/1، الذي يستند اليها القرار، من هيئة حكم كاملة الصلاحيات إلى عملية انتقال سياسي دون تحديد صفاته الفعلية سوى أنه “حكم” تتقاسمه كل من المعارضة والسلطة. والاعتماد على النوايا الحسنة للدخول في العملية السياسية!
ادراج محاربة الإرهاب في ذات القرار بجوار الانتقال السياسي!
توقفت العملية التفاوضية حول الانتقال السياسي عند جنيف 8 عام 2017، لتمسك النظام بسلة محاربة الإرهاب كما حددها ديمستورا في سلاله الأربعة، فيما أصرت المعارضة على الانتقال السياسي بداية. لتنتقل بعدها للعملية الدستورية مع غير بيدرسون عام 2019، والتي لم تثمر لليوم سوى ضياع الوقت والمزيد من الاستعصاء السوري سياسياً واقتصادياً وحياتياً.
اليوم، ومع إصرار السويداء في تظاهرها السلمي على تحقيق الانتقال والتغيير السياسي عبر 2254، وتضمين القرار في بيان قمة الجامعة العربية الأخيرة، هل يمكن إعادة إدارة العملية السياسية بأدوات أخرى عن سابقتها؟
النظام السوري لازال يحاول اللعب على حبال التوازن الإقليمية والدولية بحيث يقدم نفسه كمستجيب للمبادرات العربية من خلال سلسلة من العمليات التنفيذية: تعاميه المستمر عن ضرب الميليشيات الإيرانية في سورية، دمج بعض الأجهزة الأمنية وكأنه يعيد هيكلتها، إصداره مرسوم لفك حزب البعث عن أجهزة الدولة، والتجهيز لانتخابات برلمانية قادمة وكأنه يلمع نفسه كنظام “ديموقراطي”…. وجميع هذه الخطوات لليوم باتت مكشوفة بأنها شكلية، تثبت الوقائع أنها لم تغير في طبيعته وسلوكه الأمني. فها هي الأنباء تشير لموت معتقلين سوريين مجنسين أمريكياً في سجونه عدا عن استمراره اليومي في الاعتقال التعسفي، ولم تتوقف عمليات انتاجه وترويجه للمخدرات، ولم يسعى للاستقرار والتغيير السياسي المعتمد على الدخول في التفاوض المباشر واجراء الانتخابات في ظل حكومة انتقالية ودستور جديد.
بالمقابل، لم تزل المعارضات السورية غير قادرة لليوم على الاستفادة من نقاط القوة في المتغيرات السياسية في الواقع السوري والعربي. فالمعادلة السورية التفاوضية خسرت معادلة القوة السلمية التي حققتها موجتها الأولى عام 2011 والتي حققت: قرار الجامعة العربية بحجب مقعدها عن النظام، وبيان جنيف 1/2012 بتغيير النظام بهيئة حكم كاملة الصلاحيات. فيما تراجعت هذه الخطوات إلى حكم ذا مصداقية وفق شروط تفاوضية، خسر السوريين فيها قوة السلمية، أضفت لهزيمة الداخل السوري عسكرياً أمام الحلف الروسي الإيراني مع النظام، وباتت معادلة القوة هي الأكثر ترجيحاً. فيما اليوم يعود ربيع السويداء المسألة السورية لنقاط قوتها الأساسية في التظاهر السلمي المدني، وعودة الدول العربية للتراجع عن مبادراتها العام الماضي بإعادة النظام لمقعده بعد حجبها عنه 12 عاماً، تحت عنوان خطوة مقابل خطوة لم يقدم منها النظام خطوةً، حسبما أشار إليه بيان قمة المنامة الأخيرة والتي تضمنت بوضوح تفعيل القرار 2254 والانتقال السياسي في سورية.
اليوم أمام السوريين فرصة تاريخية، بل قد تكون الأخيرة، تستند لنقاط قوة متعددة يحققها التغيير السياسي، فهو:
أولاً: مصلحة عربية لإيقاف تمدد الميليشيات الإيرانية وحزب الله الطائفية والمصنفة على قوائم الإرهاب العالمي، العاملة على الهيمنة والسيطرة في الداخل السوري، والتي حولت سورية لأكبر موزع للكبتاغون في المنطقة والعالم.
ثانياً: الحد من العنف والنزاعات العسكرية الإقليمية الممكنة في سورية خاصة من جهة إيران، والتي تهدد أمن الخليج العربي والسلام بالشرق الأوسط برمته.
ثالثاً: تحقيق الأرضية الآمنة لعودة المهجرين واللاجئين السوريين والبدء بعملية إعادة الاعمار مجتمعياً واقتصادياً. والذي سيقود لاستعادة السوريين لقرارهم الذاتي الوطني ويؤسس للاستقرار واحلال السلام بعموم منطقة الشرق الاوسط والدول العربية.
وهذه تقابلها جملة من نقاط ضعف النظام المتضحة بتجاذباته السياسية والمالية بين العرب وإيران، وهو العاجز عن الاستمرار أمام ما يتم فرضه من أي طرف من أطراف المعادلة الإقليمية والدولية، سوى أنه يقف في نقطة الوسط بينها جميعاً معتمداً على لعبة التوازن القلق! فيما ان المتغيرات الحالية تضعه أمام شروط محددة تستلزم من الأطراف السورية المعارضة الاستفادة منها لمصلحة الكل السوري. ما يقودنا للحديث عن تغيير قواعد التفاوض وآلياته المستندة على أهمية ربيع السويداء السلمي وإمكانية دعمه سورياً وتعميق فاعليته عربياً ودولياً. وهذا ليس منوطاً بأبناء السويداء وحدهم، حتى وأن تمكنوا من تشكيل هيئاتهم السياسية الممثلة لهم! فالمسألة السورية تتطلب تفعيل وترجمة النوايا السورية عامة سواء من معارضتها الرسمية وغير الرسمية، شخصياتها وفعالياتها الوطنية المستقلة المدنية والفكرية والسياسية والمادية، إلى فعل مادي ملموس والإجابة الفعلية عن سؤال: دولة لكل السوريين تبدأ مع التغيير السياسي وأساسه نقاط قوته أعلاه، أو انتظار ما ستمليه الدول على كل الأطراف السورية وحسب؟ والأفعال كاشفة للنوايا حسنها من سوء اضمارها!