منذ صدور كتاب” الكورد والإرهاب” للصديق ورفيق السجن الكردي الجميل إدريس عمر، وأنا أتحين الفرصة لقراءة هذه الوثيقة المهمة عن الإرهاب في الشرق الأوسط، لأنه ليس كتابا فقط، بل هو فعلا جهد كبير من أجل أن يكون هذا الكتاب وثيقة مرجعية لمن يريد التعمق بظاهرة الإرهاب في الشرق الأوسط اللعين.
يستفيض الكاتب في الحديث عن تاريخ تلك الظاهرة، هذه الاستفاضة في التوثيق تحتاج جهدا مميزا ومتابعة حثيثة. سأعود لنقاش هذه النقطة، والتي هي الغاية من كتابة هذه المادة السريعة عن الكتاب. لأن الكتاب ربما يحتاج لكتاب آخر كي يرد سلبا أو إيجابا على ما جاء في كتاب الصديق إدريس، خاصة عندما يناقش ظاهرة الإرهاب في سوريا. انحياز ذاتي واضح، مما جعله يطلق أحكام على فصائل سورية مسلحة صفة الإرهاب دون تروٍ. إضافة إلى الخلط الواضح بين مفهومي الإرهاب والتطرف في تقييم تلك الفصائل. التطرف ليس بالضرورة إرهابا. أوضح مثال على ذلك هو تنظيم طالبان الباكستاني – الأفغاني المتطرف، ويعتنق أيديولوجيا إسلامية متشددة، لم يصنف أمريكيا ولا أوروبيا بوصفه حركة إرهابية حتى اللحظة، مثال آخر ما يزال حزب الله رغم الضغوط الأمريكية غير مصنف بوصفه حزبا إرهابيا، بل يصر الأوروبيون على تصنيفه في وقت سابق بوصف الجناح العسكري للحزب فقط إرهابيا! هل كل تنظيم متطرف في أي بلد كان، يمكن أن يكون إرهابيا؟ هذا السؤال كان يجب على الصديق إدريس طرحه قبل الخوض في التصنيف المذكور في كتابه. مثلا هل جبهة تحرير سوريا كانت تنظيما إرهابيا؟ وهل كانت حتى تعتنق الأيديولوجيا الإسلاموية المتشددة؟ هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات في الكتاب للأسف غير موجودة.
ثمة عامل ذاتي آخر لعب دورا في هذا التصنيف الإدريسي: وهو الصراع السياسي والقومي الكردي مع تركيا، كل من تدعمه تركيا هو فصيل إرهابي بشكل أتوماتيكي تقريبا عند الصديق إدريس. من جهة أخرى جيش الإسلام لم يصنف كتنظيم إرهابي، رغم كونه تنظيم متطرف، لكنه مارس الإرهاب في وقائع عديدة. مثال: 9 ديسمبر 2013، تم اختطاف زيتونة مع زوجها وائل حمادة وسميرة خليل وناظم حمادي، في بلدة دوما معقل قيادة جيش الإسلام آنذاك، بزعامة زهران علوش. مثال آخر “وضع مدنيات في أقفاص وعرضهن في شوارع دوما”. مع ذلك لم يتم تصنيفه أمريكيا بوصفه تنظيما إرهابيا في تلك الفترة.
هذه كانت ملاحظات على الهامش. الآن لوعدنا إلى ظاهرة الإرهاب نفسها كما تناولها الكتاب وحشد إدريس كل عدته المعرفية والوثائقية من أجل أن يبرهن على أن نشوء ظاهرة الإرهاب يعود إلى أسباب ذاتية بشكل عام، وأحيانا سيكولوجية، سواء عند الإرهاب الإسلامي او اليساري الذي نشأ في أوروبا، وخاصة ألمانيا وإيطاليا. لم يعر الصديق إدريس أدنى اهتمام للدور المركزي لتراتبية القوة في العالم الحديث والمعاصر لنشوء ظاهرة الإرهاب على مستوى العالم من جهة، وعلى صعيد الدول الإسلامية من جهة أخرى. رغم إشارة عابرة للصديق إدريس في الصفحة 58 من الكتاب لدور الدول الكبرى في نشوء ظواهر الإرهاب في دول أخرى صغيرة أو كبيرة. لكن هذه الإشارة السريعة لم تأخذ حقها لاحقا في البحث. هذه نقطة ضعف واضحة في الكتاب.
انتقل إلى النقطة الأخرى التي استوقفتني وتستحق النقاش رغم أنها لا تغفل الصديق إدريس وناقش جانب منها من خلال التمييز بين النضال المسلح للشعوب من أجل تقرير مصيرها، وبين نشوء تنظيمات إرهابية. لهذا من الصواب الحديث “أنه ليس كل تطرف هو إرهاب ولكن كل إرهاب هو تطرف” وضعت هذه العبارة بين مزدوجتين لأهميتها بالنسبة لرؤيتي لموضوع الإرهاب. هذه النقطة جوهرية في تعقب حيثيات التصنيفات لهذه التنظيمات المتعددة التي تقوم بها جهات دولية متعددة وفقا لأجنداتها السياسية في كل مرحلة. أليست الأحزاب السياسية اليمينية في بعض دول أوروبا متطرفة “حد العنصرية” أحيانا؟ لكن هل هذه الأحزاب إرهابية مثلا؟ لهذا لا يكفي التوصيف البراني للحركات السياسية بالقول إنها إرهابية أو غير إرهابية، خاصة من جهة القبول بتصنيفات الدول الكبرى على بياض، ومن جهة أخرى عندما نريد الحديث عن هذه التنظيمات يجب الغوص في تفاصيل علاقاتها مع دول بحد ذاتها يجب الوقوف عند جاهزيتها اللوجستية ومن أين تأتي بالأموال التي تحتاجها وهي أموال ليست قليلة، ولا يمكن أن تأتي من تبرعات صغيرة.
كنت أتمنى على الصديق إدريس الغوص في مثال ما واحد على الأقل لتبيان الآلية التي يحوز الإرهاب فيها على الدعم المالي من دولة ما. لأن هذا مهم إلى درجة يمكن أن تغير وجهة نظر الباحث نفسه أحيانا. هنا كان جدير بالملاحظة مثال دعم أمريكا لتنظيم القاعدة في الثمانينيات من القرن الماضي في أفغانستان بعد التدخل السوفييتي هناك، وكيفية إيصال هذا الدعم وعن طريق أية دول بما لا يخالف الدستور الأمريكي. هذا أيضا يقودنا إلى الخاتمة لهذه العجالة عن الكتاب، لأنه مرجع حقيقي يمكن العودة إليه والكتابة عنه مرات عديدة.
التطرف لا يناقش من منظور الخطاب الديني عموما ولا من منظور الخطاب النفسوي لمؤسسيه، كما حاول الصديق إدريس الكتابة أيضا عن هذا الامر، بل يناقش من منظور الحقل السياسي (علاقات السلطة – ممارسات القوى – المصالح السياسية والاقتصادية وراء نشوء هذه الظاهرة). مثال: من ينظر لتاريخ سوريا لا يجد مؤسسة واحدة راسخة تحمل فكراً متطرفاً وإرهابياً بالمعنى المطروح من أين أتت داعش أو غيرها إذا؟ هل من الخطاب الديني أم من علاقات سياسية وأجندة سياسية وراءها دول، وإلا من أين لداعش في بداية حملتها رتل ضخم من سيارات الدفع الرباعي اليابانية الحديثة جدا؟ من أين تدفع لباس ورواتب مقاتليها؟
مثال آخر إرهاب حزب الله في سوريا ولبنان قبلها، ألم يعترف حسن نصر الله نفسه بتلقيه كل أموال الحزب من إيران. هل تدفع إيران كل هذه الأموال كرامة لعيون السيد؟ حزب الله قتل المدنيين في لبنان بتفجيرات، وتسبب في قتل الكثير من المدنيين في عدة معارك خاضها داخل لبنان، ثم في سوريا كم قتل حزب الله من السوريين المدنيين؟ ألم تصنف أمريكا حزب الله بوصفه حزباً إرهابياً؟ إذا لماذا تناقش وضع الحزب ونشاطه مع الملالي في طهران؟ إذا هل تشكلت هذه التنظيمات الإرهابية بناء على أيديولوجية إسلامية فقط أم بناء على علاقات السياسة والمصالح؟
في الختام، كل هذه الملاحظات السريعة تعني مدى جدية الكاتب ومدى الجهد الذي بذله من أجل مشروع كبير. بقي نقطة واحدة ربما أناقشها في مادة قادمة تتعلق بالعلاقة بين بعض التنظيمات الإرهابية وبين الكرد في العراق وسوريا. في الحقيقة أجلته لأنه يحتاج لجهد توثيقي مقابل الجهد الذي بذله الصديق إدريس كما أعرفه ذو صدر رحب في تحمل النقد. في النهاية شكرا على هذه الوثيقة.