عائشة صبري – غلوبال جستس سيريا نيوز
مع انحسار رقعة التغطية الإعلامية وسيطرة نظام الأسد على معظم مناطق المعارضة السورية، يلجأ ناشطون إلى منصات التواصل الاجتماعي لمواصلة عملهم الفردي والفريد، وكلٌّ منهم يختار مجالاً ليُبدع فيه، فيما نأى آخرون عن الساحة الإعلامية معتزلين بشكل تام لأسباب عديدة، بينما قلة منهم من وجد فرصة عمل في مؤسسة إعلامية.
ومن بين الذين اختاروا أن يواصلوا مسيرتهم الإعلامية بعد التهجير القسري بشكل مختلف عن بداية مرحلة الإعلام الذي أطلق عليه مصطلح “إعلام الشارع”، التقى موقع “Global Justice” مع الناشط الإعلامي بلال شرف الدين المعروف باسم “أبو رامي الحمصي” الذي كان يغطّي أحداث مدينته حمص وسط البلاد.
“شرف الدين” مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، وجد نفسه قد انخرط في العمل الإعلامي وذلك لسمات شخصية يحملها، وأهمها إلمامه ودراسته للغة الإنكليزية، وهو السبب الرئيسي وراء دخول هذا المجال، حيث لعب دوراً مهمّاً بإيصال صوت أهالي حمص وثوراها للمحطات الأجنبية إذ كان مصدر الخبر والصورة لأهم الصحفيين العرب والأجانب.
الانخراط في العمل الإعلامي
وقال “أبو رامي”: “لا أخفيكم أنَّني وأصدقائي لم يكن لدينا أي ضلوع بالعمل الإعلامي، لكن مع اشتداد المعاناة ومنع نظام الأسد دخول الإعلاميين والصحفيين إلى الأماكن التي تسيطر عليها المعارضة السورية وجدنا أنفسنا أمام تحدٍ كبيرٍ، وأنا بطبعي شخصٌ أحبُّ التحديّات وهاوٍ لتعلُّم المواهب الجديدة”.
وخرج مصطلح “إعلام الشارع” وهو حسب “شرف الدين” ظهر نتيجة لتطوّر الهواتف المحمولة والإنترنت وما يحمله في جعبته من وسائل تواصل اجتماعي بمختلف أنواعها، من جهة، ولنقل معاناة المدنيين وتغطية قصف النظام لمناطق سيطرة المعارضة، من جهة ثانية.
وأضاف: إنَّ صناعة الخبر لم تعد حكراً على المؤسسات الإعلامية، فأصبح كلّ ناشط يستطيع أن يصوّر الخبر بهاتفه الخاص لينشره للإعلام دون الحاجة للمرور بالقنوات الإعلامية التقليدية التي بدورها تعيد نشر التسجيل المصوّر للجمهور.
وبالتأكيد تخلّل عمل النشطاء الإعلاميين عدداً من الأخطاء المهنية في بداية عملهم كون ليس لديهم خبرة، ويستدرك “أبو رامي الحمصي”: لكن هذه الأخطاء “شكّلت لدينا مساحة من التجربة واستفدنا منها لنتداركها فيما بعد”.
انعدام فرص العمل الإعلامي بعد التهجير
بالرغم من تهجير بلال شرف الدين قسرياً في أيار/مايو 2014 من مدينة حمص إلى ريفها الشمالي بعد حصار مرير دام عامين متواصلين عمل خلاله بكلّ جهد لنقل صوت الحقيقة، وبعد وصوله لاجئاً إلى تركيا واستقراره في مدينة إسطنبول، إلا أنَّ هاجس الإعلام لم يبتعد عنه.
وأوضح “شرف الدين” أنَّه بعد سنوات من الانقطاع قرّر العودة إلى الإعلام مجدداً، فتواصل مع الكثير من المؤسسات الإعلامية السورية المعارضة بهدف مواصلة العمل الإعلامي، لكنّه انصدم باستمرار المحسوبيات التي خرج السوريون ضدها في ثورة الكرامة، فما زالت قابعة في تفكير الأشخاص الذين يقودون مؤسسات معارضة، مشيراً إلى العجز عن إيجاد مؤسسة أو منظمة تلتزم بالمعايير المهنية في اختيار كوادرها.
وتابع: قبل الثورة السورية إن كنت تريد الدخول في عمل ما، كان لا بدّ أن يتوفر لديك أحد الشرطين الأساسين، إمّا أن تكون بعثياً أو أن تكون على صلة من الأشخاص أصحاب النفوذ في الدولة. مضيفاً: “أستطيع أن أجزم أنَّ هذين الشرطين ما زالا قائمين إلى الآن، لكن ومع الأسف الشديد ليس فقط في المؤسسات المحسوبة على النظام، بل في المؤسسات المحسوبة على المعارضة أيضاً”.
إنشاء قناة تهدف إلى الوعي المجتمعي
ولأنَّ طريق تحقيق الأحلام لا يعتريه يأس، بدأ أبو رامي الحمصي المولود في مدينة حمص عام 1987، السير في طريقه الخاص على غرار عمل إعلاميي الثورة الأوائل دون الحاجة لرقيب يملي عليه أفكاراً قد لا تتناسب مع ما يؤمن به، عبر إنشاء قناة على يوتيوب في 13/02/2021 تحت اسم: “Belal Sharaf Aldeen”.
ويقول: “إن كنت قد ساهمت في نقل ما حدث في حمص من جرائم الأسد وإيران بحقّ شعبها، فإنَّ هذه القناة تهتم بنقل الجرائم الفكرية والتشوهات الأخلاقية التي بدأت تتفشى في مجتمعاتنا العربية عموماً، فالقناة هي قناة فكرية أحاول ما استطعت أن أوعّي المجتمعات من هذه الأخطار”.
ويشير “شرف الدين” إلى أنَّ ضعف الإمكانيات المادية وتواضع الأدوات المتوفرة بين يديه لم يمنعه من بدء إنتاج سلسة من الحلقات التي نشرها في قناته تحت اسم “مع بلال” وقد وصل عدد الحلقات إلى 36 حلقة، إضافة إلى سلسلة “لحظة من فضلك” جميعها تصبّ في الوعي المجتمعي للشعوب.
وفي ختام حديثه معنا وجّه الإعلامي بلال شرف الدين رسالة إلى الجمهور قائلاً: “أيّها الأعزّاء القرّاء الأكارم لا تتخلوا عن أحلامكم وشغفكم مهما عاندتكم الظروف وواجهتكم المصاعب، فليس المهم أن تصل أو تحقّق ما تريد، بل الأهم هو أن تعمل على تحقيقه، أمّا النتائج فهي مرجوة من الله تعالى إن يشأ يحققها لك، وإن يشأ يمنعك منها، فالله أمرنا بالسعي وتكفّل بالنتائج”.