أطلق ناشطون مبادرة لدعم المجتمع المحلي في السويداء تحت شعار “البلاد لأهلها”، وذلك لدعم أبناء المحافظة الذين ينظمون منذ عدة أشهر مظاهرات يومية تطالب بإسقاط نظام الأسد.
وعن هذه المبادرة، كتب الصحفي ماهر شرف الدين ما يلي: إن مبادرة “البلاد لأهلها” تستند إلى الحقّ المقدَّس للشعب السوري في الخلاص من نظام الاستبداد، ورعاته من المحتلّين، وفي إقامة دولة ديموقراطية حديثة يتساوى فيها جميعُ أبنائها أمام القانون.
وترى المبادرة في حَراك السويداء الثوري موجةً ثانيةً من أمواج الثورة السورية العظيمة، وفرصةً تاريخية لإعادة إنتاج الثورة وتصحيح ما طاولها من تشويهٍ مُمنهج.
وتنطلق المبادرة من اعتبارٍ أساسيٍّ يقول بضرورة دعم المجتمع المحلي الذي انبثق منه هذا الحراك الثوري المدني السلمي في السويداء.
وترى المبادرة بأن الكارثة المعيشية في المحافظة –وفي سوريا كلِّها- تحوَّلت إلى ثغرةٍ خطيرةٍ دخلت منها أمراض الإدمان والجريمة، وتحاول الدخول منها أيضاً بعض المشاريع السياسية المشبوهة، ولا بدَّ من إقفال هذه الثغرة لحماية المجتمع، ثقافياً وسياسياً ووطنياً.
وتعتقد المبادرة بأن محافظة السويداء تعيش استعصاءً مُكلفاً يتمثَّل في غياب الدولة ومؤسَّساتها من جهة، وعدم توفر الموارد للمجتمع من أجل تعويض هذا الغياب من جهة ثانية.
وبناءً على ما سبق، تقترح المبادرة تشكيل:
“اللجنة السورية الوطنية لدعم المجتمع المحلّي في السويداء”
وحين نقول “السورية” فمن باب التوكيد على أن أبناء جبل العرب، في جميع تحرُّكاتهم، لا يمضون في خيار منفرد. ولذلك نُشدِّد على أهمِّية أن تضمَّ هذه اللجنة، بين أعضائها، شخصياتٍ سوريةً من مختلف المحافظات، وألَّا تقتصر على شخصياتٍ من أبناء المحافظة. وفي هذا الصدد نقترح أن تكون اللجنة مناصفةً بين أبناء المحافظة وبقية أبناء الوطن السوري.
وستُترَك أمور تحديد آلية الاختيار وشكل اللجنة وعدد أعضائها وكل ما يتعلَّق بها، للتوافق المجتمعي الذي ستعمل عليه “لجنة تطوير المبادرة” التي سنعلن أسماء أعضائها خلال 48 ساعة من توقيت طرح المبادرة.
ولكي تكون هذه اللجنة فعَّالة وصاحبة إنجاز حقيقي، لا بدَّ أن تتوفَّر لها مجموعةٌ من الأدوات، نقترح منها ثلاث أدوات أساسية:
–
الأداة الأولى: مركز دراسات وأبحاث.
يكون هذا المركز بمثابة عقل محافظة السويداء، يضم في مكاتبه خيرةَ العقول والكفاءات والتكنوقراط وأصحاب الخبرات من أبناء المحافظة. وتُسنَد إليه مهمَّتان أساسيتان:
المهمَّة الأولى تشخيص المشاكل الموجودة في المحافظة –الأولوية للأكثر إلحاحاً بينها- ووضع حلول عملية لها قابلة للتطبيق، والمهمة الثانية دراسة مشاريع تنموية قادرة على تحسين الواقع الاقتصادي في المحافظة وخلق فرص عمل لأبنائها.
–
الأداة الثانية: صندوق دعم المشاريع.
يكون هذا الصندوق بمثابة الذراع التنفيذية لما يقترحه ويُقِرُّه مركز الدراسات والأبحاث من مشاريع خدمية أو تنموية للمجتمع المحلّي.
روافد دعم هذا الصندوق عديدة، سيُترَك تفصيلُها للنقاش المجتمعي، ولكن مما لا شكَّ فيه أن الرافد الأول هم مغتربو السويداء وأهلُها الذين ستُوفَّر لهم المبادرة آليةً واضحةً وموثوقةً تسمح لهم بتقديم الدعم المالي في المجال العام.
–
الأداة الثالثة: منظمة غير ربحية مسجَّلة في دول الغرب تمثِّل مصالح المجتمع المحلّي في السويداء.
تُؤسَّس منظمة غير ربحية تُمثِّل مصالح المجتمع المحلّي في السويداء، ثمَّ تُسجَّل في الدول الداعمة لهذا النوع من المنظمات (الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، كندا، أوستراليا، المملكة المتحدة… إلخ).
تأخذ هذه المنظمة على عاتقها تبنّي المشاريع التنموية التي يُقرُّها مركز الدراسات والأبحاث، من خلال تقديمها بشكل رسميّ لدى الدول الغربية، إضافة إلى استجرار كل الأموال الممكنة من خلال برامج الدعم والتنمية المتاحة للمجتمعات الفقيرة والنامية.
وغنيٌّ عن البيان أن عمل منظمة شاملة تمثّل مصالح المجتمع ككلّ، وتُدار بإشرافه، سيكون أفضل بكثير من عمل المنظمات الصغيرة التي يعمل عليها بعض الأفراد، لأنها عندئذٍ ستصبح أكثر موثوقية لدى الدول التي تُقدّم برامج التمويل، وأكثر إقناعاً في حال طُلِبَ لها الدعم عبر القنوات السياسية والدبلوماسية التي يتوافر عليها بعضُ أبناء السويداء وسوريا في دول الانتشار.
***
إنَّ هذه المبادرة التي هي أشبه بخطة عملية لدعم المجتمع المحلّي في السويداء، ليست أكثر من عناوين عريضة تحتاج إلى نقاش وتطوير وتفصيل، قبل أن تتحوَّل من مجرَّد مبادرة شخصية إلى مبادرة يتبنَّاها المجتمع ويعمل على تطبيقها.
لذلك ستتولَّى لجنة خاصة –هي لجنة تطوير المبادرة- مهمَّةَ نقل مبادرة “البلاد لأهلها” إلى المجتمع المحلّي، ومناقشتها معه والأخذ باقتراحاته وملاحظاته، وسينتهي عمل هذه اللجنة بانتهاء المهمَّة المنوطة بها.
***
وختاماً، لا بدَّ من التأكيد على الأمور الآتية:
أولاً، إن مبادرة “البلاد لأهلها” لا تطرح نفسها كبديلٍ عن مؤسَّسات الدولة التي يستولي عليها نظام الأسد، بل إنما هي مجرَّد آلية مرحلية لدعم المجتمع.
ثانياً، تجنَّبت مبادرة “البلاد لأهلها” الخوض في المسائل السياسية الكبرى، لأنها قد حصرت مهمَّتها في مسألة واحدة، ألا وهي تقديم الدعم للمجتمع المحلي.
ثالثاً، إنَّ حصر المبادرة في رقعة جغرافية معيَّنة (محافظة السويداء) هو أمر فرضتُه القراءة الواقعية والقناعة بأن طرح مبادرة محدودة وعملية قابلة للتطبيق أفضل بكثير من طرح مبادرة شاملة وبرَّاقة لا قدرة لأحد على تطبيقها.
رابعاً، يمكن تطبيق هذه المبادرة في مختلف المناطق السورية التي تتوفَّر فيها الظروف السياسية والاجتماعية المناسبة المتوفرة في محافظة السويداء.
خامساً، إن وجود مرحلة ثانية للمبادرة مرهونٌ بنجاح المرحلة الأولى، لأن من شروط المرحلة الثانية أن تُبنى على ما ستُؤسِّسه هذه المرحلة.
سادساً وأخيراً، لن يتولَّى صاحب هذه المبادرة -بعد إقرارها- أيَّ دور تنفيذي فيها، ولكنه سيكون داعماً لها بكل إمكاناته المتاحة، معنوياً وسياسياً وإعلامياً ومادياً.