المحامي بسام العيسمي .
إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على حدودها مع سورية في 24 نوفمبر ” تشرين الثاني 2015 . أي بعد أقل من شهر على بدء التدخّل العسكري الروسي المباشر في سورية الذي وقع في 30 سبتمبر “أيلول” 2015 . والأزمة التي اندلعت بين البلدين على خلفية تلك الحادثة . وتبخّر الحلم التركي الأردوغاني بالتحكّم بمسارات الحدث السوري , والإشراف على أدوار وسقوف الفاعلين فيه وحدودها . لخيبة أمل أردوغان بالدعم الذي كان يرتجيه من الولايات المتحدة للإضطلاع بهذا الدور , وتركه وحيداً في مواجهة بوتين . مادفعه ذلك لإعادة تقييم مصالحه , وتحديد أولوياته على الساحة السورية. والعمل على تجاوز أزمته مع بوتين والتصالح معه .
ولإدراك روسيا أيضاً بأن التدخل التركي بالشأن السوري أمراً واقعاً بحكم الجيرة والحدود المشتركة الطويلة بين البلدين والممتدة لأكثر من 900 كم. فما يجري في سورية سيكون له ارتداداته ومفاعيله على الداخل التركي . إضافة لما يشكّله حزب الإتحاد الديمقراطي “ب ي د” بالمنظور التركي والقريب من حدودها من خطر على أمنها القومي . بكونه الفرع السوري لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردستاني “ب ك ك” بزعامة أوجلان والمصنف على قوائم الإرهاب . والتي هي في حالة عداء قائم معه .
ولا يمكنها تجاهل الوجود الإيراني السرطاني المتغلغل في الجسد السوري , والموجود عبر عشرات السنوات السابقة لانتفاضة الألم والقهر السوري في أذار لعام 2011 . ولكن بعد هذا لتاريخ تطوّر واتسع وتغلغل في مفاصل المؤسستين العسكرية والأمنية لنظام طغمة الأسد . وحشدت إيران النخبة من قواتها وما جمعته من ميلشياتها الطائفية والظلامية ودفعت بها للداخل السوري لقتل السوريين . إضافة لعشرات المواقع والقواعد العسكرية ومستودعات الأسلحة المنتشرة على مساحة الجغرافية السورية .
فهذه الدول الثلاث أيقنت بعدم قدرة أي منها على إلغاء الأخرى وإخراجها من معادلة الصراع السورية . فلكل دولة مصالحها وأهدافها ومشروعها في سورية والمنطقة بشكل عام , ولايتّسع هذا المقال للتفصيل فيها.
وباتت على قناعة بأن حالة العداء والصراع بينهم هي إضعاف لهم جميعاً . وعرقلة لسعيهم لبلوغ أهدافهم وتحقيق مصالحهم . وتعاونهم يحفظ لهم القدر الأكبر من هذه المصالح التي يسعون لها .
فأعادت كل دولة تقييم مصالحها وتوسيع مطارح التوافقات والتعاون فيما بينهم لاقتسام الكعكة السورية , التي طرحها نظام طغمة الأسد اللاوطنية للبيع في المزاد العلني مقابل بقائه على كرسي الحكم .
في سياق هذه الرؤية وجدَت استانا . وعلى أرضية إدارة هذه الدول الثلاث لمصالحها في سورية . ورعايتها واقتسام خيراتها وثرواتها .
وكان أولى الخطوات الرئيسية لبناء الثقة بينهم هي سقوط حلب , أو إسقاطها من يد المعارضة وتسليمها للنظام بتاريخ 27|12| 2016 . وسقوطها كبادرة إثبات حسن النية هو مهد الطريق لانطلاقة الجولة الأولى من مسار استانا التي تم عقدها في فندق ريكوس وسط العاصمة الكازاخستانية ” أستانا “, في 23يناير “كانون الثاني 2017.
بين هذه الأطراف الثلاثة , وبمشاركة وفدي المعارضة والنظام .
ومنذ ذلك الحين تستمر همروجة مسار استانا الكارثي وصولاً لجولته ال21 التي عُعقدت في 24و25 من شهر كانون الثاني الجاري 2024 .
وفي سياق هذا المسار الكارثي الذي تم تدشين بدء العمل به بسقوط حلب كما اسلفنا . وتوالت ثماره السامة بعدها بسقوط غالبية المناطق والمدن والبلدات السورية التي خرجت عن سلطة نظام طغمة الأسد وإعادتها إليه من جديد في الآستانات اللاحقة . من سقوط القلمون الشرقي والغربي الى سقوط درعا والقنيطرة وحمص وريف حماه , الى جنوب إدلب وسراقب ومعرة النعمان وغوطتي دمشق وغيرها من المناطق .
وخلافاً لتأكيد رعاته أو أطرافه الثلاثة حين نشأته بأنه مسار عسكري لايتدخّل بالسياسة ؟ قدّمت روسيا في جولته الثالثة التي عُقدت في 14 رآذار 2017 اقتراحات بوضع دستور جديد لسورية .
وفي جولته الثامنة في 21و22 . 2017 استولدت مايُسمّى بمؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري , بالرغبة والإرادة المنفردة لرعاته ؟ اي الثلاثي الضامن روسيا وتركيا وإيران. والحقيقة هم متضامنون بوجه السوريين للحصول على حصصهم من الكعكة السورية وخدمة لمصالحهم على حساب مصالح السوريين .
أثناء انعقاد هذه الجلسة جرت محادثة هاتفية بين الرئيسين بوتين وأردوغان , اتفقا خلالها على عقد مؤتمر للحوار الوطني السوري في منتجع سوتشي السياحي بتاريخ 29 و30 كانون الثاني 2018 . ولأن الأتباع والأدوات هم غير شركاء في صناعة واتخاذ القرار؟ بل يُملى عليهم للإلتزام بمقتضياته . لذلك لم يكن هناك حاجة للتباحث معهم بخصوصه ومناقشتهم به ؟ حيث أبرق الزعيمن بالحال للمجتمعين في استانا لتبليغهم مضمون القرار وبدون أن يكون على جدول أعمال الجلسة ؟ ولم يسبُق مناقشتهم بخصوصه ؟ وتعهد كل زعيم بإحضار اتباعه وأدواته للمؤتمر.
وما يؤكّد ذلك صدور البيان الختامي للجلسة في استانا , والذي تلاه وزير خارجية كازاخستان جاء فيه :
( .. عزم الدول الضامنة لمسار استانا حول سورية عقد مؤتمر للحوار الوطني السوري في 29و30 كانون الثاني 2018 . بمشاركة النظام والمعارضة ).
وتم عقد المؤتمر بالزمان والمكان الذي حدده رُعاته , وبمشاركة وفد النظام ووفد المعارضة المطواعة والمرتهنة لمشغليها .
وكان الهدف منه هو تدشين بداية المسار السياسي لآستانا . حيث استولد لهذه الغاية مولود العار .؟ وأسموه “باللجنة الدستورية “؟ مولود مشوّه ولقيط ؟ لكونه تأتّى من نٌطفة حرام ,هجينة وخبيثة . تم زرعها خارج الرحم الوطني السوري . وسيق لها لمّة من المعارضة الهلامية الرخوة كما يُساق القطيع, لتبنيها والمشاركة فيها .
فبعد إن أعادت روسيا لنظام طغمة الأسد غالبية المناطق التي خرجت عن سلطته كما أسلفنا بقوة إجرامها وتوحشها واتباعها سياسة الأرض المحروقة , حيث جرّبت كل اسلحتها المتطورة في قتل المدنيين العزل واستهداف الحواضر المدنية والأسواق والمشافي والمدارس والبنى التحتية . وعبر خديعة مناطق خفض التصعيد والتوتر وفقاً لمخرجات الجولات الثالثة في 14 آذار 2017 , والرابعة 4 في الرابع من أيار 2017 , والخامسة في الرابع والخامس من تموز لنفس العام . رأت بأن الوقت أصبح ملائماً وناضجاً لأن تخوض في المسار السياسي البديل لجنيف1لعام 2012 والقرار 2254 لعام 2015 .لتستثمر سياسياً بما حققته عسكرياً على الأرض لاستكمال انقلابها على العملية السياسية برمتها. فعملت على تفكيك القرار 2254 وتفتيته عبر ضرب حامليه .
الحامل الأول وهو تراتبية مراحله الثلاث هيئة الحكم الإنتقالي أولاً ثم يأتي الدستور في المرحلة الثانية. والمرحلة الثالثة الإنتخابات .
الحامل الثاني وهو الضبط الزمني لإنجاز تلك المراحل . أي أنها غير مفتوحة بل محددة زمنياً .
وهذا ماتؤكده فقرته الرابعة والتي جاء فيها :
(4 –
آ – ….. يُعرب مجلس الأمن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تسيرها الأمم المتحدة . وتقيم في فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر حكماً إنتقالياً ذا مصداقية ويشمل الجميع .
ب – تحدد ” أي هيئة الحكم الإنتقالي”جدولاً زمنياً لصياغة دستور جديد .
ج – يعرب عن دعمه لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تجري بالدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة ).
تشكيل اللجنة الدستورية والبحث في المسألة الدستورية مقدمة على البحث في الحكم الإنتقالي ؟ هو الإنقلاب على تراتبية المراحل الثلاث . ومخالف للبند آ من الفقرة الرابعة أعلاه .
عدم وضع سقف زمني لانجاز اللجنة الدستورية لأعمالها حيث تٌرك الزمن مفتوح دون تحديد ؟ هو انقلاب على حامل الضبط الزمني للعملية السياسية بمراحلها الثلاث والمحددة ب18 شهراً. ومخالف لمضمون
(ب )و(ج )من الفقرة الرابعة أعلاه .
ويمكن أن نشير هنا وبإيجاز لخطرين من مجموعة أخطار كثيرة ترتب على الخوض في المسار السياسي لإستانا من خلال إنخراط هذه اللمة الهجينة من المعارضة البائسة بأعمال اللجنة الدستورية اللقيطة والكارثية على سورية والسوريين .
آ- أولوية تشكيل هيئة الحكم الإنتقالي لم تأت عبثاً في القرار 2254 ؟ فهي مقصودة لذاتها . هذه الهيئة المخولة بكامل الصلاحيات التنفيذية وفق منطوق القرار . فمجرد تشكيلها تعني نزع صلاحيات النظام ورأس الهرم فيه الأشد وساخة بشار الأسد بكونه رئيس السلطة التنفيذية .
وهذا يعني الإشراف المباشر لهيئة الحكم الإنتقالي على الوزارات والمؤسسات العامة وعلى الجيش وأجهزة الأمن ودور التوقيف . ومن أولى مهامها هي إعادة هيكلة الجيش والقوى الأمنية على أسس وطنية شاملة ؟ وشل قدرته في مواصلة جرائمه بحق السوريين . وسيكون والحال ماذكر عاجزاً عن اعتقال أو إخفاء أحد .
ب – بمجرد الإعلان عن هيئة الحكم الإنتقالي ستكون هي المرجعية الوطنية لقيادة العملية السياسية والتغيير في سورية. وليس النظام . ومن هنا جاء نص القرار على نزع كامل الصلاحيات التنفيذية من النظام لصالح هيئة الحكم . والتي ستقوم بتوفير البيئة الآمنة والمرنة لحراك العملية السياسية .
ج – القفز فوق مرحلة الحكم الإنتقالي وتجاوزها لبحث المسألة الدستورية هي الإعتراف بقيادة النظام بكونه المرجعية الوطنية للعملية السياسية . ومن هنا يكمن خطورة هذا الانقلاب عبر المسار السياسي لاستانا من خلال اللجنة الدستورية . عبر عملية سياسية مشوهة تعيد انتاج النظام . وها قد قالها ممثل بوتين في اجتماع استانا الأخيربما معناه قدمو تعديلات دستورية لعرضها على مجلس الشعب السوري لإقرارها . هذا هو التغير الذي يسعى له مسار استانا عملية ديكورية وهمية تحافظ على بقاء النظام وعدم انقطاع شرعيته يقوم بطرح التعديلات الدستورية على مجلس الشعب وإنتخابات وحكومة وحدة وطنية فيها وزيرين أو ثلاثة من المعارضة الرخوة المفصلة على مقاسه ويعيد إنتاج تجربة الجبهة الوطنية التقدمية بنسختها الأكثر مسخاً ووضاعة ؟
يعني طي ملف المعتقلين والمختفين قسرياً ؟ يعني هذا إعطاء صك برائة للنظام عن كل جرائمه التي ارتكبها بحق السورين ؟ وإبرائه من الدم السوري ؟
وكفى الله المؤمنين شر القتال .
الإنقلاب على الحامل الزمني يعني التسويف والمماطلة ومراهنة النظام وداعموه على الوقت الذي يُراكم على الوجع والقهر والألم على السوريين .
لايمكن لأحد أن يتصور غباء هذه اللمة من المعارضة وأميتها السياسية وتبلّد إحساسها الوطني والإنساني بالدخول في مسار ماراتوني بنتائج صفرية . خمس سنوات على بدء عمل اللجنة الدستورية لم يتم إنجاز ولو مادة واحدة من مواد الدستور ؟ والمدة الضبوطة زمنياً لإنجاز كامل العملية السياسية بمراحلها الثلاث وفق القرار2254 هي 18 شهراً ؟ رغم إن المشكلة ليست في الدستور بل ببنية نظام عصابة مجرم وقاتل .
ولكم ان تتصوروا مدى خطورة دخول هذه الللمة الكريهة المرتهنة لمشغليها في بوابة المجهول . وتفرّيطها بالمجان لحق مكّنها منه القرار 2254 ؟ اترك لكم وصف هذه اللمة التي تحوّلت لسكين بيد الغير يغرسه بالجسد السوري .
للحقيقة والإنصاف وبعد سبع جولات صفرية النتائج للجنة الدستورية تقدم ستة أعضاء من هيئة التفاوض منهم الدكتور يحيى العريضي وعوض العلي وإبراهيم جباوي وثلاثة أعضاء أخرون , بمقترح يطالب بوجود سقف زمني لإنجاز عمل اللجنة الدستورية لايتجاوز الثلاثة أشهر لفتح مسارات التفاوض الأخرى حسب منطوق القرار2254 . ووقف أعمال اللجنة الدستورية إلى ان يتم وضع جدول زمني لعمل اللجنة .
يتم تبنيه من هيئة المفاوضات وإرساله للمبعوث الأممي بيدرسون وإلى الأمين العام للامم المتحدة.
إلّا أن هيئة التفاض الرشيدة رفضت المقترح بحسب تصريح الدكتور العريضي للعربي 21 والذي تم نشره بتارخ 22|5 |2022 . جاء فيه : تم إبلاغنا بعدم موافقة مكونات الهيئة على المقترح ؟ وتابع العريضي : المقترح الأخير هو للإنتهاء من صفرية النتائج التي لم تخرج بها الإجتماعات السابقة (سبع جولات ). وخصوصاً أن اللجنة الدستورية أصبحت مُضرّة . ويتم العمل فيها ضمن مقاربة خطوة مقابل خطوة , والتي تهدف لإعادة انتاج النظام .
علماً بأن الدكتور العريضي وغالبية القامات الوطنية أصبحت خارج الهيئة . ورفضت الإستمرار في هذه المسارات الكارثية على الثورة السورية والسوريين , وعلى حاضر ومستقبل سورية أرضاً وشعباً . وغادرت هذا المركب الملوث . ولم يبقى به إلّا من ارتضى لنفسه القيام بهذا الدور المرذول .
وحول هذا المقترح قال هادي البحرة وبفلهويته المعهودة وبحسب نفس المصدر .
( …أن ماطالب به زملاء في هيئة التفاوض وهو وقف أعمال اللجنة الدستورية إلى أن يتم وضع جدول زمني لأعمالها غير ممكن حالياً ؟ ويخدم النظام والدول المتحالفة معه ؟؟؟ حيث يصبّ في سياق تحقيق هدفه بإيقاف العملية السياسية , أو تجميدها ؟ وبالتالي تغيب مطالب الشعب التي ثار من أجلها …؟؟؟)
أي عبقرية هذه ؟؟ لا يمكن أن يتصور المرء مدى الإنحدار الذي سارت فيه ووصلت إليه هذه اللمة من المعارضة الهلامية الرخوة والمرتهنة لمشغليها . ؟ فنظام طغمة الأسد لايسقط بهذه المعارضة المشوهة والقاصرة ؟ فهي من اسباب وحوامل بقائه واستمراره .
اسقاط النظام لايكون إلاّ من خلال قدرة السوريين على انتاج برنامج وطني سوري ديمقراطي ببعده الحضاري والإنساني , وحامله الهوية الوطنية السورية الجامعة التي تُعيد لم شمل كل السوريين بعيداً عن الإستقطابات والعصبويات الدينية والطائفية والأثنية التي رسختها قوى الأمر الواقع إن كان في المناطق التي لازالت تحت سيطرة النظام المفترضة او الخارجة عن سيطرته . على قاعدة الدين لله والوطن للجميع .
برنامج قادر على حمل مشروع تغيير ديمقراطي جذري وحقيقي لكل بنى الإستبداد القائمة بكل تمظهراتها وتجلياتها في الفكر والثقافة والسلوك .
فهل انتفاضة السويداء التي أعادت مشهدية البدايات في الثورة السورية وخلال شهورها الأولى في عام 2011 بكل حضاريتها وسلميتها ونقائها وشعاراتها الوطنية الجامعة والتي اعادت القضية السورية الى طاولة المجتمع الدولي من جديد بكونها ثورة حق ثورة شعب يريد الخلاص من الإستبداد وبناء دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية .
وكما أعادت أيضاً طرح الهوية الوطنية السورية الجامعة من جديد ووضعها على الطاولة أمام كل القوى الوطنية والثورية السورية . لمغادرة مسارات الإنقسامات والتموضعات العرقية والدينية والطائفية ؟ لإعادة بناء فضائنا الوطني السوري الجامع والشامل بمواجهة نظام الكبتاغون والجريمة ؟ هل نستفيد من هذه الفرصة التي أضائت عليها انتفاضة السويداء ؟