ميسون محمد
أسئلة مشروعة تسبق كل حديث عما جرى ويجري من حرب اسرائيلية وحشية ضد شعب غزّة الفلسطيني المسالم، فهذه الحرب أتت بكل هذه الوحشية نتيجة عراء إسرائيل أمنياً وعسكرياً، إذ فوجئ الإسرائيليون في منطقة غلاف غزة بالهجوم الذي أطلقت عليه قوى المقاومة الفلسطينية، وأبرزها كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية اختصارا “حماس”، اسم “طوفان الأقصى”.
لقد انكشفت أكاذيب إسرائيل بأن جيشها لا يُقهر، حيث فوجئ هذا الجيش في منطقة المستعمرات الصهيونية المسماة “غلاف غزة” بالهجوم المذكور، وبوقوع أكثر من مئتين وخمسين أسيراً اسرائيلياً بيد مجاهدي المقاومة الإسلامية، وهذا يعني أن كل الرقابة الالكترونية والبشرية الإسرائيلية فشلت في تحديد وقت الهجوم الفلسطيني على مستعمراتها، وبالتالي فهذا الفشل يتوزع على جانبين، عسكري، وأمني.
هذا الانكشاف الإسرائيلي أمام طوفان الأقصى وضع الدولة العبرية في وضع لا تُحسد عليه، إذ سقطت مقولة أن جيشها لا يقهر، فهذا الجيش المدجج بأكثر أنواع الأسلحة تطوراً لم يستطع هزيمة فصائل المقاومة الإسلامية رغم سياسة الأرض المحروقة التي استخدمها ضد مدن قطاع غزة محدود المساحة.
لقد فشل الجيش الإسرائيلي الذي قتل أكثر من سبعة وعشرين ألف فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء من تحرير الأسرى، وفشل في سحق حركة المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها المتواجدة على أرض قطاع غزة. ولم يتوقع هذا الجيش رغم الفارق الهائل في الكثافة النارية المستخدمة ضد الفصائل الفلسطينية، أن يُضطر إلى خوض حرب عصابات خططت لها المقاومة الفلسطينية، إذ في خوض الجيش الإسرائيلي لهذه الحرب فإنه يخوض في وحول حرب استنزاف طويلة المدى، وهو جيش لم يعتد على مثل هكذا حروب.
كانت قيادة إسرائيل السياسية (تحالف قوى اليمين المتطرف) تريد تصفية القضية الفلسطينية، من خلال تحطيم حركة المقاومة بصورة عامة والاستيلاء على قطاع غزة والضفة الغربية بعد ذلك من أجل قيام ما يسمونه “دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل”
فشل إسرائيل في هذا المسعى يعني فشل اليمين السياسي فيه، أو بمعنى آخر، فشل التيار الاسرائيلي المتطرف، وهذا يؤدي إلى تقويض بناء إسرائيل الكبرى، وقيام دولتي فلسطين واسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، وفق القرارات الدولية بهذا الشأن، والتي تدعو إلى قيامهما.
فشل إسرائيل في القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لعب دوراً بإعادة ملف الصراع مع الدولة العبرية إلى أصحابه “القوى الفلسطينية، بعد أن فشلت المجموعة العربية بعد مؤتمر القمة العربية في بيروت عام 2002، في إدارة هذا الملف من خلال ما سُمي آنذاك “مبادرة السلام العربية مع إسرائيل” والتي رفضتها الدولة العبرية.
لقد بدأ الغرب عموماً وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية بالتخلي عن سياسة التسويف في تنفيذ حل الدولتين. وفي هذا السياق قال وزير الخارجية البريطانية منذ أيام أن المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطين وليس بالسلطة فحسب. كذلك تحدث وزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن حول هذا الأمر وأكّد على ضرورة تنفيذ حل الدواتين.
إن حرب إسرائيل على غزة أتت بنتائج غير مرضية لليمين الإسرائيلي المتطرف، حيث كثير من سكان الدولة العبرية باتوا على قناعة بأن جيشهم غير قادر على حماية مستعمراتهم ومدنهم من صواريخ المقاومة، إضافة إلى تتبعهم للموقف الدولي الذي يزداد رفضاً لسياسة إسرائيل القائمة على الفصل العنصري، والتي تتسم باستخدام العنف الوحشي المفرط بحق المدنيين في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وهذا يتعارض بشدة مع ادعاء الإسرائيليين بأنهم ضحايا المحرقة النازية وقهر الحرب العالمية الثانية.
عراء إسرائيل الأكثر خطورة عليها، هو ادعاؤها بأنها دولة ديمقراطية، تدافع عن قيم الحريات، إذ ثبت لدى الراي العام العالمي، بأن هذا الادعاء لا يتوافق مع قهر شعب آخر، طالما حاولت الدعاية الصهيونية إظهار فلسطين بأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. وقد سقطت هذه الكذبة في وعي الشعوب وخاصة الأوربية، والتي زحفت بمظاهرات تطالب بوقف إبادة الفلسطينيين.
إن نتائج ما بعد حرب غزّة غيّرت النتائج التي كانت موجودة، لقد تغيّرت حركة الواقع لغير صالح مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف، وهذا سيسمح بتقدم القوى السياسية الإسرائيلية الوسطية، والتي تؤيد قيام الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية على أرض فلسطين التاريخية.
إن الولايات المتحدة تريد الانتهاء من الملف الخاص بقيام دولة فلسطين على الأراضي المحتلة بعدوان عام 1967. تريد ذلك لترتيب منطقة الشرق الأوسط قبل أن تحين ساعة المواجهة مع التنانين الآسيوية وفي مقدمتها التنين الصيني، الذي بدأ بإبراز أنيابه السياسية الدولية.
فهل سيستطيع الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبتوافق دولي على فرض قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية؟ إن ذلك لم يعد حلماً بعد طوفان الأقصى، ولكن يجب ترتيب الأوراق بحيث يتم تحقيق هذا المشروع الدولي المؤجل منذ عشرات السنين.
بقي أن نقول أن قيام دولة فلسطينية سيحرر شعوب المنطقة من أية حروب قادمة مع الدولة العبرية والتي يجب أن تكون ضمن نسيج منطقة الشرق الأوسط الذي لا يسمح بفتح الأبواب أمام مشروع إيران بالهيمنة على شعوب وثروات المنطقة من أجل تحقيق حلم ملالي طهران بقيام إيران الكبرى.
طوفان الأقصى غيّر اتجاه عقارب تطور المنطقة، فهل يتعظ المتطرفون من ذلك؟، أم تنتظرهم محاكم دولية أشبه بمحكمة نورمبرغ التي حاكمت النازيين القتلة؟ هذا هو ما يرعب الآن قادة إسرائيل الحاليين المتهمين بارتكاب جرائم إبادة ضد الفلسطينيين.