رحلات في الزمن والجغرافيا بين الذات والآخر
عبر إحدى وعشرين دورة سابقة نجحت جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة التي يمنحها “المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق” في تحفيز الكتاب والباحثين على الإقبال على أدب الرحلة، سواء بالتأليف أو بالتحقيق أو بالترجمة، بينما مثلت دورتها الجديدة، التي أعلنت نتائجها مؤخرا، فرصة للإعلان عن مشاريع رائدة متعلقة بهذا الأدب الهام.
أعلن بالتزامن في كل من أبوظبي ولندن عن نتائج “جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة” في دورتها الثانية والعشرين للعام 2023 – 2024، وهي الجائزة التي يمنحها “المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق” في أبوظبي ولندن، ويرعاها الشاعر محمد أحمد السويدي ويشرف عليها مدير عام المركز الشاعر نوري الجراح. وكانت جائزة ابن بطوطة، التي توج بها كتاب وباحثون من سبع جنسيات عربية هذا العام، قد تأسست في العام 2000، ومنحت للمرة الأولى سنة 2003، وتقدم سنويا لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة، وجاءت انسجاما مع طموحات المركز العربي للأدب الجغرافي في إحياء الاهتمام العربي بالأدب الجغرافي.
تشكلت اللجنة العلمية للجائزة هذا العام من الأكاديميين خلدون الشمعة وعبدالرحمن بسيسو وأحمد برقاوي، بينما تشكلت لجنة التحكيم من الأكاديميين عبدالنبي ذاكر والطائع الحداوي وشعيب حليفي ومفيد نجم وفاروق يوسف، أعضاء، بينما تولى الكاتب إبراهيم الجبين تنسيق أعمال اللجنة. وبلغ عدد المخطوطات المشاركة هذا العام 67 مخطوطا جاءت من 13 بلدا عربيا وأجنبيا، توزعت على الرحلة المعاصرة، والمخطوطات المحققة، واليوميات، والرحلة الصحفية والرحلة المترجمة.
وقد نُزِعت أسماء المشاركين من المخطوطات قبل تسليمها إلى أعضاء لجنة التحكيم لدواعي السرية وسلامة الأداء. وجرت تصفية أولى تم بموجبها استبعاد الأعمال التي لم تستجب للشروط العلمية المنصوص عليها بالنسبة إلى التحقيق والدراسة، أو ما غاب عنها المستوى بالنسبة إلى الجائزة التي تمنح للأعمال المعاصرة. وفي التصفية الثانية بلغ عدد المخطوطات 24 مخطوطا. وفي التصفية النهائية أقرت اللجنة الأعمال المتوجة في مختلف فروع الجائزة.
أعمال متوجة
◙ لجنة التحكيم تنوه بعدد من الأعمال التي راهنت على مختلف فروع الجائزة
وفاز في فرع الرحلة المحققة ثلاثة باحثين هم أحمديّة إبراهيم النعسان من سوريا عن عمله “مُسْلِيَّة الغريب في كل أمر عجيب”، رحلةٌ إلى البرازيل من 1282هـ/ 1865م إلى 1288هـ/1871م لعبد الرحمن بن عبدالله البغدادي الدمشقي المَدَنيّ الحَسَني – الحُسَينيّ، والأكاديميان المصريان أحمد جمعة عبدالحميد وحييى زكريا السودة عن تحقيقهما “سَفيرُ المرُتَاد ورَائدُ الإسعادِ” لرحلة الزيارة لحضرة سيد الأسياد وحبيب رب العباد 1089 – 1090هـ / 1678 ـ 1679م لعليّ بن يحيى بن أحمد الكيلاني القادري الحموي.
وفاز مخطوطان في فرع الرحلة المعاصرة، بداية بـ”جولات في العالم، تخوم جرامشي العابرة بين السدرةِ الأولى والقوائم الآخرة” لأبوالحارث موسى إبراهيم من ليبيا، و”هكذا عرفت الصين، مشاهدات أول طالب مغربي” لمحمد خليل من المغرب.
وكانت جائزة اليوميات من نصيب الكاتب التونسي حسّونة المصباحي عن كتابه “أيام في إسطنبول”، بينما ذهبت جائزة الدراسات إلى كل من القطرية عذبة المسلماني عن عملها “الأُفُقُ الأندلسيُّ القَصيُّ، الخطابُ السرديّ في رحلتي: الغسانيّ والوردانيّ. مقاربةٌ نقديَّةٌ في ضوء نظريَّة ما بعد الاستعمار”، والأكاديمي المغربي محمد رضى بودشار عن دراسته “الأندلسيون الأواخر في الرحلات الأوروبية إلى إسبانيا 1494 – 1862″، كما توج بالجائزة مواطنه نورالدين بلكودري عن عمله “التخييل في الرحلة العربية المعاصرة، مقاربة تداولية”.
◙ المركز العربي للأدب الجغرافي يطلق مشروع “الموسوعة العالمية لرحلات الحج” الذي يهديه إلى روح الشيخ زايد
وكانت جائزة الرحلة المترجمة من نصيب ثلاثة أعمال مترجمة عن الإنجليزية، هي “المَغْربُ النَّاسُ والبِلادُ” لإدموندو ماريو ألبرتو دي آميتشيس (1864 – 1908)، وقد ترجمه إبراهيم بن محمَّد البطشان من السعودية. الكتاب الثاني كان “بحثا عن الطَّوارق المُلَثَّمين” لويليام جوزيف هاردينغ كينغ، وترجمه الليبي احسين حمد احسين محمود، بينما كانت الترجمة الثالثة المتوجة لكتاب “حجر الدم” لتيم ماكنتوش – سميث، وقد ترجمه عماد الأحمد من سوريا.
ونوهت لجنة التحكيم بعدد من الأعمال التي راهنت على مختلف فروع الجائزة، منها ثلاث ترجمات لكتب من الإنجليزية هي “المغرب وقبائله الرحل” لجون درامند هاي ترجمه حسن محمد ساعف، و”بالقطار عبر آسيا” لبول ثيرو وقد ترجمته السودانية أميمة الزبير، و”سردينيا والبحر” لديفيد هربرت لورانس وقد ترجمه زياد طارق نعيمة من سوريا.
كما نوهت بكتابي “أفريقي في فلسطين” للتشادي طاهر النور و”رحلة في البوسنة والهرسك” للمصرية حنان سليمان. وتصدر الأعمال الفائزة والمنوه بها عن “دار السويدي” في سلاسل “ارتياد الآفاق” للرحلة المحققة والرحلة المعاصرة “سندباد الجديد” ودراسات أدب الرحلة بالتعاون مع “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” في بيروت. أما أعمال الرحلة المترجمة وأدب اليوميات فتنشر بالتعاون مع “دار المتوسط” في ميلانو.
ومن المنتظر أن يقام حفل توزيع الجوائز على مرحلتين في كل من طنجة وأبوظبي في موعدين يحددان لاحقا، وسترافق توزيع الجوائز ندوة حول أدب الرحلة والأعمال الفائزة، وأخرى دولية تحت عنوان “ابن بطوطة في لغات العالم” تشارك فيها إلى جانب الفائزين وأعضاء لجنة التحكيم نخبة من الدارسين العرب والأجانب.
ازدهار أدب الرحلة
نوري الجراح: الأعمال المتسابقة هذا العام تميزت كالعادة بوفرة المخطوطات التي تنتمي إلى فروع الدراسات، والرحلة المعاصرة
الأعمال المتسابقة هذا العام تميزت كالعادة بوفرة المخطوطات التي تنتمي إلى فروع الدراسات، والرحلة المعاصرة
استهل الشاعر نوري الجراح، مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي والمشرف على الجائزة، الحديث عن هذه الدورة بالإشارة إلى أن الأعمال المتسابقة هذا العام تميزت كالعادة بوفرة المخطوطات التي تنتمي إلى فروع الدراسات، والرحلة المعاصرة، والرحلة المترجمة.في الدراسات يلحظ بيان الجائزة تعدد موضوعاتها ومناهجها، وهو ما يشير إلى الاهتمام المتزايد بأدب الرحلة تحقيقا ودراسة، وفق وعي متنام بخطورة هذا الأدب، وأهميته في استكشاف نظرة العربي إلى ذاته في علاقته بثقافته، وإلى الآخر في اختلافه الثقافي، وبالتالي تظهير تطور الوعي بالاختلاف من خلال دراسة الظواهر الناجمة عن السفر والتواصل مع الآخر.
وأضاف الجراح “بالنسبة إلى الرحلة المعاصرة واليوميات نلحظ تطورا في لغة الكتابة المعاصرة، فيوميات الرحالة أخذت تميل أكثر فأكثر نحو تسجيل سفر الذات في وجهتين: جغرافية الآخر، ودواخل الذات وأسئلتها الوجودية. بالمقابل فإن العملين الفائزين هذا العام في حقل تحقيق المخطوطات يتمثلان في مخطوطين، الأول لعليّ بن يحيى بن أحمد الكيلاني القادري الحموي من علماء القرن السابع عشر ورحلته (1678 ـ 1679)، تحت عنوان “سَفيرُ المرُتَاد ورَائدُ الإسعادِ”، والثاني لعبدالرحمن بن عبدالله البغداديّ الدمشقيّ المَدَنيّ الحَسَنيّ من شعراء القرن التاسع عشر ورحلته (1865 – 1871)، تحت عنوان “مسلية الغريب” وهي يوميات رحلة تنطلق من القسطنطينية إلى سان باولو في البرازيل.
الأعمال المتوجة تثبت الوعي المتنامي بأهمية أدب الرحلة في استكشاف نظرة العربي إلى ذاته وثقافته وإلى الآخر.
المخطوط الأول يحقق للمرة الأولى، أما المخطوط الثاني فيحقق للمرة الثانية مزودا بدراسة واسعة تشكل كتابا منفصلا ويتضمن العمل في أحد ملاحقه، وللمرة الأولى، مختارات من شعر الرحالة”.
وتابع “هذه إشارات إلى بعض الأعمال الفائزة وليس هنا مجال الوقوف عليها جميعا، وأشير هنا أخيرا إلى وفرة وجودة الأعمال الرحلية المترجمة عن الإنجليزية هذا العام، بعضها نال الجائزة وبعضها الآخر جرى التنويه به وسيحظى بالظهور في عداد منشورات الجائزة”.
راعي الجائزة الشاعر محمد أحمد السويدي هنأ الفائزات والفائزين، وأشاد بجهود أعضاء اللجنة العلمية للجائزة وأعضاء لجنة التحكيم لهذا العام، الذين أنجزوا عملا رائعا، منوها بتعدد لافت في وجهات السفر في الأعمال الفائزة لهذا العام بحيث غطت الأعمال أربع قارات، مشيرا في الوقت نفسه إلى ذلك الثراء الذي باتت عليه مكتبة أدب السفر في الثقافة العربية.
وعبر السويدي عن سعادته الكبيرة بما حققته الجائزة من حضور مؤثر في حياة الأدباء والباحثين، إن من خلال ما أضافته إلى خزانة أدب الرحلة هذا العام أو ما راكمته على مدار ما يقرب من ربع قرن، منذ أن تأسست، لتسد بما أنجزته فراغا كبيرا في حقل لطالما كان للعرب فضل الريادة فيه منذ القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، إلى أن أهديا البشرية في القرون الوسطى رحالة باتت رحلته اليوم أثرا إنسانيا نفيسا هو شمس الدين الطنجي ابن بطوطة.
ولم يفت السويدي تثمين فكرة الاحتفال السنوي بجائزة ابن بطوطة في مسقط رأس شمس الدين الطنجي الذي جرى الاتفاق عليه مع وزارة ثقافة المغرب، وسجل خطوته الأولى في احتفالية كبرى مع نهاية العام الماضي. وختم السويدي بالإعلان عن أن المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق أطلق مؤخرا بالتعاون مع الأكاديميات العربية مشروع “الموسوعة العالمية لرحلات الحج” مهداة إلى روح الشيخ زايد، وستضم الموسوعة ورقيا وإلكترونيا ما أنجز وما سوف ينجز من رحلات الحج تحقيقا ودراسة وترجمة، ووقع اتفاقيات تعاون علمي وأدبي مع عدد من الجامعات في أوروبا.
بلغ عدد المخطوطات المشاركة في فروع الجائزة هذا العام 67 مخطوطا جاءت من 13 بلدا عربيا وأجنبيا.