استقبلت موسكو منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم وفدين سياسيّين لحركة حماس ناقش فيه المسؤولون الروس تداعيات التوغل الإسرائيلي في غزة، والوضع الإنساني الكارثي، ومسألة إطلاق سراح المدنيين المحتجزين.
وأكد الرئيس الروسي بوتين في أكثر من مناسبة ضرورة إنشاء دولة فلسطينية كاملة السيادة إلى جانب إسرائيل ووضع أسس واضحة للتسوية الفلسطينية الإسرائيلية.
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتحديداً بعد استلام بوتين زمام السلطة كانت المواقف الروسية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي متوازنة وقائمة على دبلوماسية السلام والحوار إلا أن الموقف الروسي اليوم من طوفان الأقصى يبدو أكثر جنوحاً اتجاه الكفة الفلسطينية منه عن الإسرائيلية في ميزان التصريحات ومستوى الخطاب السياسي، وذلك بسبب مجموعة من المصالح والمكاسب المرتبطة بالعديد من الملفات الدولية والإقليمية.
إن انفجار الأوضاع على الأراضي الفلسطينية حوّل أنظار العالم من أوكرانيا إلى غزة وشتت إلى حد ما تركيز البروبجندا الغربية الموجهة ضد موسكو نحو المشهد الفلسطيني الإسرائيلي وباتت وسائل الإعلام الغربية ودوائر صنع القرار على جبهتي صراع ساخنة بل إن قوة تأثير اللوبي الصهيوني في العديد من العواصم الغربية نقلت الدعم العسكري والإعلامي الغربي نحو تعزيز الدعاية الصهيونية حتى باتت مشاريع دعم السلاح والتمويل تصدر لكل من إسرائيل وأوكرانيا بالتوازي وهو ما خفف الضغط على جبهة موسكو الغربية بشكل كبير.
من جهة أخرى حققت موسكو بشكل مباشر مكاسب اقتصادية في مجال الطاقة وخطوط إمداداتها سيما و أن شريان النفط والتجارة العالمي المتمثل في البحر الأحمر بات مرتبطاً بحرب غزة مما حقق ثباتاً في أسعار النفط والغاز على المستوى العالمي و ميزة لإمدادات الطاقة الروسية في الأسواق الأوربية كونها أقل تكلفة وبمستوى توريد آمن، كما أن طريق التوابل بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط والذي يهدف إلى التكامل اقتصادياً في التجارة و سوق الطاقة بات حلماً بعيداً في ظل معطيات الصراع الجديد كونه يمر عبر خليج عدن بحرياً و فلسطين برياً وهو ما يعني فشلاً متوسط المدى على أقل تقدير في تحقيق الاستقرار حول وجود شريك تجاري و مزود طاقة بالنسبة لأوربا بعيداً عن روسيا.
أما بالنسبة للعلاقات الروسية الإسرائيلية فإن الأخيرة باتت أكثر حاجة لموسكو في المنطقة في ظل ما تشهده المنطقة من نفوذ إيراني متزايد، وانتقلت موسكو في علاقاتها مع إسرائيل حول سورية والمنطقة من طرف مهادن يريد سلته من دون عنب إلى طرف بيده أوراق ضغط يساوم من خلالها وما ستشهده الساحة السورية لاحقاً من خلال طريقة التعاطي الإسرائيلية هو مختلف عما كان قبل وخلال العدوان على غزة فموسكو في إطار علاقتها مع إيران في سوريا يمكنها أن تطلب أكثر من حفظ ماء الوجه من الإسرائيليين وهو ما تريد إيران حليفة حماس منحه للروس في سوريا على وجه الخصوص لمنع استهداف مصالحها و قواتها تحت المظلة الروسية.
وأخيراً فإن ما تشهده غزة من خذلان لمبادئ القيم الإنسانية وانتهاكات القانون الدولي بدعم علني غربي يشكل واقعاً عملياً لرؤية بوتين حول النظام العالمي من حيث ازدواجية المعايير وهيمنة سياسة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة على العالم ويعزز من فكرة الحاجة إلى إنشاء نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب لا يسمح لقوة واحدة بالهيمنة عليه.