تباينت الآراء حول ضرورة تشكيل جسم سياسي يمثل الانتفاضة ويقودها.
فمن النشطاء فريقٌ اعتبر أن هذه الخطوة غير ضرورية في الوقت الراهن، وفضّل التركيز على الحراك، وتنظيمه في سبيل المحافظة على زخمه، واعتبر أن الدعوة لتشكيل مثل هذا الجسم في هذا الوقت، هي دعوة لتشتيت الجهود، وحرف بوصلة الانتفاضة الى غير مقصدها الأصلي، وبلغ الأمر بالبعض من هذا الفريق أن اتهم دعاة تكوين هذا الجسم بالانتهازية، على قاعدة ” لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”!
وفريق آخر يعتبر التأخر في خلق مثل هذا الجسم ينطوي على خطأ كبير قد يرتّب على الانتفاضة خطر التلاشي، فالانتفاضة مرحلة لا بد ان تنتهي يوماً، وهي وسيلة وليست غاية بذاتها، وان التمترس ضمن تخوم ساحة الكرامة دون التخطيط لما يتجاوزها بالاستناد عليها لهو تبديد للجهود، وإضاعة للوقت، وإن إفلات هذه الفرصة الثمينة التي يصعب تكرارها سيودي بحلم الخلاص الذي رسمته.
يرى أصحاب الخبرة أن من الحكمة عدم التفريط بتلك الجهود، وترك كل ذلك الزخم الثوري الذي تجاوز حدود التوقعات في كافة جوانبه والذي أدهش العالم بأسره وجعله يعيد حساباته تجاه الشعب السوري وقضيته العادلة بعد أن كانت قد وضعت في أدراج النسيان.
فهل يجوز الاكتفاء بالهتافات، والاهازيج، ورفع اللوحات، والشعارات، وانتظار الاستجابة من النظام المتلطّي كتمساح تحت طبقة من الماء العكر ينتظر بصبر فرصة تلاشي انتفاضتنا ليثب ويغرس أنيابه في أجسادنا، أم الانطلاق فوراً نحو تنظيم أنفسنا، وخلق مرجعية تتصدى باسمنا لما يرتّبه الزمن من استحقاقات؟ في مواجهة نظام استمرأ القتل، والنهب، وأدار ظهره لبؤس السوريين بعد أن عزز بقاءه عبر وهب البلاد بشعبها، وثرواتها، ومصيرها لحلفائه من الانظمة المارقة، وفي ظل ظروف إقليمية ودولية متحركة، وانقسام دولي لا يمنح الكثير من فرص التفاهم على الملفات الخلافية.
فقد يفاجئنا حدث غير منتظر لا يمهلنا كي نلملم شتاتنا، ونرتب شؤوننا في لحظة قاتلة حيث لا سبيل للتلاقي، عندها لن يكون لدينا ترف الجلوس سوية للتفاهم، والاتفاق على مرجعية شرعية قادرة على معالجة مشكلاتنا، والاضطلاع بدور ريادي في تقرير مصيرنا، فيحل الارتجال محل العمل المستند الى ضوابط، وتعود الوجوه الكالحة التي ربيت وترعرعت في أحضان النظام لتتصدر المشهد السياسي من جديد، آنئذٍ لن يعود للأحرار صوت يرتفع، ولا رأي يُسمع..
فماذا ننتظر؟
إذا استعرضنا ما تقوله المكونات بأكملها هيئات، وتيارات، وتجمعات، وكتل لوجدناه متماثل حدّ التطابق، فعلى ماذا نختلف؟؟ هل نختلف على المراكز، والمناصب؟ يا لبؤس تلك المناصب، وكلنا يعمل متطوعاً، وينفق من جيبه، ومن وقته في سبيل استمرار الانتفاضة حتى تحقيق أهدافها.
لم يعد الوقت في صالحنا، كما أرى، ونحن نواجه في كل يوم مشكلات جديدة قد تتراكم عبر الزمن، وتغدو عصيّةً على الحلّ.. فلندوّر الزوايا، ونصفّي القلوب، وننطلق نحو التوافق بكل ما لدينا من حرصٍ على ثورتنا، وأمل في تحقيق أهدافها، والفرصة السانحة تقع في زاوية ضيقة لا يجب إضاعتها.
أ. نزار أبوفخر
رئيس مجلس الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني