د. يحيى العريضي
لا تريح الأسد عبارة “تطبيع”؛ فهي تحدث بين /أعداء/؛ ولا يعتبر الأسد أن ما حدث بينه وبين شعبه، وبينه وبين دول أو منظمات عداء. و من هنا فإن أحد “متطلباته” هو أن تعود العلاقات بينه وبين من يريد أن يطّبّع معه إلى ما قبل ٢٠١١؛ أي أن تعود العلاقات لطبيعتها، وكأن شيئاً لم يكن خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية. يريد هؤلاء أن يكونوا فقط في صفّه، ويعتبروا أنفسهم ضد الإرهاب، وقد قاوموا الإهاب؛ وإذا ما قرروا أن يكونوا في صف مقاومة الإرهاب، فلا مانع لديه من قبول توبتهم، وأن يعتذروا وتعود علاقتهم معه طبيعية. وهكذا يجعلهم في صف “مقاومة الارهاب” بالكيماوي والبراميل والمجازر وسوخوي الصديق الحليف بوتين وميليشيات الأخوة الايرانيين الممانعين والمقاومين للصهيونية. أي يريد شرعنة كل، عبر جعل كل مَن يريد التقارب منه ان يكون شريكاً بسفك الدم السوري، في الخراب الذي حدث، في إفراغ سوريا من أهلها، في تعذيب المعتقلين “الارهابين” حتى الموت، وفي الدمار النفسي والاجتماعي والاقتصادي لسوريا. هكذا يمكن أن يرضى عنهم لتكون العلاقات طبيعية بمفهومه.
ربما لا تقتصر رسالته ها هنا كردٍّ على حميمية وسخونة اندفاع تركيا باتجاه لقائه؛ فلا يعتبر أن ما تطلبه “دولته” شروطاً بل “متطلبات”، ليكون اللقاء مثمراً للبلدين؛ فمطلوب برأيه من تركيا أن تتوافق مع رؤيته تجاه عشرة ملايين سوري داخلها وعلى حدودها واعتبارهم ارهابيين كما يعتبرهم؛ وبذا تتوافق الرؤيتان وتكون العلاقة طبيعية بعيداً عن المصطلح غير المناسب “التطبيع”.
رسالته أيضاً لكل هؤلاء الذين برأيه قاطعوا “سوريا”. عليهم (وليس شرطاً، برأيه) أن يكفّروا عما ارتكبوا بحقه، عندما لم يفكروا بطريقته، بأنه كان “يقاوم الإرهاب والمؤامرة الكونية”؛ فالإرهاب برأيه مزيج من شعبه المغفّل، الذي خدعه أصحاب المؤامرة الكونية، والإرهابيين الذين أرسلهم مَن يهرولون إليه الآن. فإن أرادوا العلاقات أن تكون طبيعية أن يكفروا عن أخطائهم و يعيدوا ما تسببوا به من خراب. من هنا أتى خطابه كمنتصر له الحق في ليّ عنق اللغة وعلم الدلالة، ليسخر ويتعالى.
لا تنسى تركيا من ربّى “أوجلان”، ولا تنسى انه عام ١٩٩٨ لم يطرد الأسد الأب ضيفه وأداته إلا بعد أن هزّه تهديد تركي وجوديّ. والأسد اليوم يريد تكرار السيناريو ذاته، ولكن الثمن اليوم ليس رأس شخص بل عشرة ملايين سوري. ولا ينسى أحد ان مصنع الارهاب الداعشي خرج من صيدنايا، الذي كان ولا يزال فرناً لحرق المعتقلين السياسيين بالأسيد؛ ولا ينسى العرب أن من كان يبتزهم بخلق التوترات بين ظهرانيهم هو هذه العصابة التي تسعى لتبييض صفحتها الآن.
سيرتاح الملالي اليوم لمرافعة رهينتهم اللغوية في دمشق؛ ضمنوا بأنه لن يخرج عن توجيهاتهم. فمن يريد التقرّب من الأسد عليه المرور ببوابتهم، أكان تركيا أم روسيا أم العرب. وبالتأكيد عينهم الأساس على أمريكا. على أية حال، بالنسبة للسوريين و مظلوميتهم، يقال: “مَن شَرِبَ البحر، لا يغصّ بالساقية”. بضعة أشهر، وكل هذه الحسابات ستتغيّر، وصفحات الحقيقة باقية، و ستُفتَح.