أحمد مظهر سعدو
تطلّ أسئلة كثيرة مشروعة في الشارع السوري، خصوصاً في محافظة إدلب، وفي الشمال السوري، بشأن المصير المُتوقّع والمُحتَمَل لأوضاع أكثر من ثلاثة ملايين سوري باتوا يعيشون في محافظة إدلب وما حولها، بعد التهجير القسري السابق، الذي طاول بنتائجه الكارثية مئات آلاف السوريين الذين التجأوا في مناطق خارج سيطرة النظام خوفاً من القمع والاعتقال، والرعب المنتشر في كلّ مكان توجد فيه قوات النظام أو مليشياته، أو مليشيا إيران وحزب الله، وتوابعهما ضمن أماكن تموضع وانتشار أدوات نظام بشّار الأسد ومليشياته.
يعيش أهالي محافظة إدلب وقاطنيها حالة من الخوف والتخوّف جرّاء سماعهم أخبار التقارب أو التطبيع المُتوقّع بين الدولة التركية ونظام الأسد، وهم في ذلك إنّما يُعبّرون دائماً عن تخوّفهم من المجهول، الذي أصبح قريباً في نتائجه، فيما لو تمّ الحوار بين الطرفَين، ونتجت عنه تفاهمات جديدة، وتوافقات قد لا تأخذ بالاعتبار حيوات السوريين، بل تذهب إلى إنفاذ مصالح الدولة التركية، وأيضاً مصالح نظام بشّار الأسد، وهو الذي ما انفكّ ونظامه يومياً يهدّد أهالي إدلب، وحاضنة المُعارّضة السورية، بأنّه ما زال يعتبرهم أعداء سياساته ونظامه، وسوف يقتصّ من الذين عارضوه أو وقفوا ضدّه كلّهم منذ أواسط شهر مارس/ آذار 2011، وبدء ثورة الحرّية والكرامة، وهو لم يألُ جهداً في محاولاته المستمرّة لقضم بعض الجغرافيا من أراضي إدلب كلّما سمحت له الظروف العسكرية والسياسية، بعد أن تمكّن سابقاً من السيطرة على مدن خان شيخون، ومعرّة النعمان، وسراقب، عام 2020، وكثير من الريف الحموي والريف الحلبي، قبل أن يُعلَن التفاهم التركي الروسي في 5 مارس 2020، الذي وقّع بموجبه اتفاق إدلب المعروف (في موسكو، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيّب أردوغان على وقفٍ لإطلاق النار في إدلب، وعلى إقامة ممرّ أمني وتسيير دوريات مشتركة).
تهديدات النظام السوري المستمرّة لأهالي محافظة إدلب تستند إلى دعم إيراني مليشياتي، وروسي أيضاً، عبر الاستمرار في شيطنة كلّ من يسكن أو يقطن محافظة إدلب والشمال السوري، واعتباره إرهابياً، حسب الرؤية الأسدية، ولا بدَّ من قطع دابر الإرهاب في الشمال، حسب وصفهم. وتبقى المشكلة في عدم قدرة المُعارَضة السورية، بكلّ ألوان طيفها، على طمأنة السوريين في إدلب والشمال السوري، وهي (المُعارَضة) التي اكتفت بإصدار البيانات الضبابية، بل المتهرّبة والمتملّصة من الإجابة عن “أسئلة المصير”، علاوة على عدم قدرتها على التواصل والاطمئنان مع وإلى الصديق والحليف التركي، وهي التي عجزت عن حماية السوريين في تركيا من ممارسات عنصرية فجّة ومقيتة، باتت شبحاً مخيفاً ما زال يحدّ من حركة السوريين داخل الأراضي التركية. أمام هذا الواقع المرّ، كيف للمُعارَضة السورية الرسمية الإمساك بناصية الحقّ والحقيقة، والإسراع إلى شعبها وطمأنته على مصيره المقبل إذا ما حصل التطبيع، وانبثقت التفاهمات الجديدة، وهو ما بات على الأبواب كما هو واضحٌ رغم التعثّر؟
أمّا الحكومة التركية، وضمن سياساتها الجديدة المتسارعة وصولاً إلى إنجاز التفاهم والتطبيع مع نظام بشّار الأسد، ما زالت هي الأخرى حائرةً بين قوّة ضغط مصالحها الوطنية بعودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، والذين جاوز عديدهم لديها عتبة الثلاثة ملايين ونيّف، وبين إنجاز متطلّبات الأمن القومي التركي المُهدّد ممّن هم في شمال شرقي سورية، بوجود تنظيم حزب العمّال الكردستاني، والدعم الأميركي الذي لم يتوقّف لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا، واستمرار ارتفاع مُؤشّر التضخّم، وانخفاض الليرة التركية المتواصل. ما زال ذلك كلّه يدفعها، وبسرعة، إلى تحقيق أيّ تفاهم مع بشّار الأسد، عبر ضغوط روسية متواصلة لا يبدو أنّها قد يئست من الاستمرار في تفاهماتٍ جديدة بين تركيا ونظام بشّار الأسد، مهما أصاب العملية التفاوضية المزمعة من تعثّر وعثار كبيرَين، إذ تساهم في هذا العثار والإعاقة دولة إيران الملالي، التي ترى أنّ التطبيع بين الطرفَين لم يعطها أيّ ضمانة في الحفاظ على مصالحها دولةً مهيمنةً ومُحتلّةً لأجزاء كبيرة من الجغرافيا السورية.
من هنا، يزداد واقع السوريين في إدلب اضطراداً في ماهيّة الخوف والتخوّف من التطبيع، إذ لا أمل ولا ثقة بنظام الأسد، ولن يكون مُتاحاً للسوريين الارتهان لأيّ سيطرة للنظام السوري الاستبدادي في إدلب من دون حدوث عمليات تنكيل خطيرة وكبيرة، من الممكن أن تحدث حتّى لو جرت اتفاقات جديدة ما بين النظام السوري وتركيا، إذ إنّ هذا النظام كان وما يزال يكذب في كلّ شيء، وهو غير صادق في توافقاته أو وعوده كلّها. وبالتالي، فإنّ مصير حيوات الناس في محافظة إدلب باتت على المحكّ، ولا أمل مُطلقاً في دخول النظام السوري ضمن أيّ عملية سياسية جديدة اتكاءً على القرارات الأممية ذات الصلة، وهو الذي مازال يسوّف في مسائل وجولات اللجنة الدستورية، التي توقّفت قبل أن تنجز أيّ صياغة، لأيّ مادة دستورية، بعد أكثر من ثماني جولات متتابعة لللجنة الدستورية.
لا مناص أمام السوريين من الالتفاف بعضهم حول بعض، وإدراك أنّ للأتراك مصالحهم وللسوريين أيضاً، وهذه مسألة لا بدّ من أن يدركها جميع السوريين، ليكونوا صفّاً واحداً وسدّاً منيعاً في هذا المجال، أمام أيّ تنازلات قد تقدمها بعض فصائل المُعارَضة السورية العسكرية، التي وضعت البيض كلّه في سلّة الخارج، أو في منصّات المُعارَضة الرسمية السورية، التي ما زالت تائهةً في ملكوت مصالحها ومحاصصاتها، ومن ثمّ توخي إرضاء الصديق وعدم عرقلة مساعيه، لكنّها لا يجب أن تنسى تضحيات شعبها السوري الأصيل، الذي ضحّى بأكثر من مليون شهيد على مذبح الحرّية والكرامة، وما زال يتابع التضحية شهيداً إثر شهيد. هذا الشعب السوري الذي ما برح يبحث عن مصائر مُعتقَليه في سجون الطاغية، وما زال يحلم بدولة المواطنة وسيادة القانون وبناء العقد الاجتماعي السوري الجامع، إذ قام بثورته من أجل ذلك كلّه، ولم يتحقّق منها شيء وسط أجواء عالمية مفتوحة أصبحت منشغلة في أمور ومشاكل أخرى، متخلّيةً عن مصائر السوريين، وتاركة إيّاهم بين أيدي الجلّاد المُستبدّ من دون أن تُؤتي أيّ أُكلٍ يُرجى.
العربي الجديد