أمام حدث كاغتيال هنية ربما تؤثر بعض الأقلام أن تتوارى قليلاً، أو أن تنجر وراء الصوت الطاغي والعالي، أو أن ترضي ذاتها الجمعية بالصلاة – وهي شعيرة – ثم تعود إلى معاشها وكأن شيئا لم يكن، او أن تلين عبارتها بقدر ما خوفا من الجمهرة التي لا تستطيع أن تقرأ الحدث بخلفياته وحيثياته، وكل ذلك يسهم في تعميق الأزمة المزمنة، ويخدم الأميركي وجميع الإقليمي الوظيفي وعلى رأسهم الإيراني والصهيوني وما بينهما وما تحتهما .
وأهم نقطة يجب أن نتحدث عنها هي تجلية الحقيقة ومواجهة الآلة الإعلامية التي لا تتناول قضايا المنطقة من زواياها الصحيحة عن علم وسبق إصرار .
الانحياز إلى إيران بأي معنى وتحت أية ذريعة هو أكبر خدمة للأميركي والصهيوني اليهودي والطائفية، وقتال الصهيوني إلى جانب التحالف مع الإيراني، أو صفاً واحداً معه هو استهتار بالدماء الزكية، وتبديد للقوة العظيمة التي يظهرها شعب المنطقة، واستغفاله وحرفه عن مساره القويم، ولا يختلف ذلك أبداً عن مسار أوسلو ومآلاته، وعن التطبيع القائم من بعض الحكومات، أو المراد إقامته من أخريات .
والإيراني والصهيوني اليهودي وجهان لعملة واحدة، والعلاقة مع أحدهما لا تختلف عن العلاقة مع الآخر، فكلاهما يخدم المشغل الدولي على أرفع المستويات .
المعادلة السياسية المرادة منذ فترة لا بأس بها وخصوصاً بعد ثورات الربيع العربي وثورته السورية تحديدا هي المعادلة السياسية متكاملة الطرح التي لا تلوِّن مجرماً، ولا تجمِّل متوحشاً، ولا تضلل طريقاً. والمقاومة المأمولة الجديرة بالمدح والدعم هي التي تؤسس لهذا الخط، والسياسة المطلوبة هي التي تكون قادرة على صنع هذا المسار مهما طال الطريق وكثرت الصعوبات، أما الأنصاف والأرباع والأجزاء والمقتطفات لن تزيدنا إلا تهتكاً وتشرذماً، ولن تلحق بشعب المنطقة إلا رهقاً، فعدمها أفضل من وجودها، وسوف تمكن لأمثال القائمين .
أعداء ولا يريدون توسيع الحرب ويتفقون على قواعد الاشتباك، وغزة تباد ! وتصريحاتهم ضد بعضهم ملأت الآفاق ولعناتهم على بعضهم بلغت ما بلغت، وعواصمهم ومدنهم لم تمس !
وكم قتل الإيراني من عدوه الصهيوني ؟! يحسبون على الأصابع. أما كم قتلوا منا ؟! هل يعد ؟!
إعلام حر ومهني ومنذ انطلاقته يردد عبارتهما، ويشكل رافعة لروايتهما دون أن يستعمل مهنيته في نقض أو نقد الأكاذيب وكشف الألاعيب. لماذا تتهاوى المهنية هنا ؟!
وحماس تمجد أحدهما وتصف الملالي المجرمين بالإخوة فتعمى ولا تريد أن ترى !
وآخر يهدد الكيان الصهيوني حماية للفلسطينيين، ثم يسعى نحو المجرم القابع في دمشق، وبعضهم ينتشي ويطرب لهذا التهديد، وينسى سورية وما يفعلون بها !
وأفراد يدعون الحكمة ويقدمون أوراق اعتماد لمن ينفقون عليهم فيسرون بصلاة خامنئي على هنية باعتبارها خطوة تجميعية، ويقفزون على عقود من القتل الطائفي المقيت في العراق وسورية واليمن بأوامر صريحة منهم، لماذا لا يرممون حكمتهم المبتورة ؟!
يصلون صلاة الغائب في كبريات المساجد على القائد، ومواطنوهم بعلمهم يقاتلون إلى جانب القاتل في الكثير من البقاع ولا تسمع لهم صوتا ! واقتصادهم يدعم القتلة ولا تحس منهم همسا ! وحكامهم يصادقونهم فذلك مما عنه يعفى !
وآخرون ينعتون القائد بالمجاهد حينما ينعونه ولا يتذكرون ذمهم الكبير له في مواقفه الداعمة والمادحة للمجرمين، ويريدون تمثيل ثورة من أعظم الثورات !
تناقضات كثيرة جداً وهائلة، يضاف لها تناقضات مهولة غير مذكورة ههنا تحتاج إلى من يفككها ببصيرة وتؤدة وتوازن عالٍ سياسة وحكمة وإنصافاً، فمن يتصدى لذلك وينتمي إلى أمته، ويتنصل من كل أولئك الجاهلين والحاقدين والطغاة والمخادعين والسذج والمخلطين وخطاباتهم وتناقضاتهم دون أن ينجر لخانة تشبه إحدى الخانات النتنة ؟!
إنها مهمة صعبة ودقيقة لأبعد الحدود، وهي الثغرة الواسعة والعميقة التي تنظر من يسدها بجرأة خارج سطوة المخابرات .
لا توجد سياستان فيما نرى ونشاهد ونعايش، إنها سياسة واحدة يتكامل أدوارها الأعداء المفترضون وأزلامهم، ولا يوجد محوران يتصارعان، بل هو محور رسمي واحد تتعاضد كل قواه على قتل الأبرياء وتشتيتهم وتشريدهم وشغلهم بمعادلات زائفة وبعيدة عما يجب أن يكون، وأعتقد أن عدداً جيداً من أحرار الأمة، وخاصة في سورية الثورة يقرؤون بشكل جيد وهؤلاء لا علاقة لهم بالمعارضة أو الفصائل أو المجالس أو الهيئات أو أي رسمي في أي دولة، لكنهم مشرذمون و مصيرهم أن يتجمعوا، وعليهم ألا ييأسوا .
لابد من كسر معادلة حماس الملالي .
ويجب مجابهة معادلة تعويم بشار أياً كانت الجهة المعومة، وبكل السبل، وعلناً .
ويتحتم علينا الخروج من الانضواء تحت أحد المعسكرين الشرقي أو الغربي، نحن معسكر مستقل .
ومن أفرض الفروض استقلالية الشعبي عن كل رسمي .
ومعادلة التطبيع مع الكيان الصهيوني اليهودي جريمة لا تغتفر، وخطيئة ياسر عرفات ثبت ضررها الكبير، والواجب ألا تتكرر مع مثيل الصهاينة في الدور والإجرام، وجميع أجهزة المخابرات هي ربيبات ال CIA لا تعرف قيمة، ولا تؤمن بخير، وتدوس على أقدس مقدس .
وأكثر من يستطيع فعل ذلك السوريون وسوف يساندهم الفلسطينيون ثم الأردنيون ثم اللبنانيون، أما المصريون فما زال أمامهم جولة، وأما الخليجيون فالرباط محكم عليهم في المدى القريب، وأما الإيرانيون فتنتظرهم حفلة فناء وإفناء من كثرة تراكم الظلم والطغيان والاستبداد الذي مورس ضدهم ومنهم، وأما الأتراك فالأوهام والاقتصاد يشغلهم عن كثير من القضايا المهمة، وقضية الشرق والغرب تتشاطرهم على نحو مرعب .
سلاماً لك يا سورية
وسلاماً لك يا فلسطين
وسلاماً لكل العرب ولكل المسلمين ولكل الشرفاء الأحرار .
حماس عودوا إلى جبلكم، لقد كشفتم ظهر الأمة، وكفاكم عناداً، ولا تعتزّوا بما يفعل هؤلاء الحكام لجنازاتكم، لو كان فيهم خيراً لانتصروا للأطفال وأعراض النساء وحرمة الشيوخ قبل أن يقدسوا الأموات، ولا تتعللوا بخذلان المستبدين الطغاة لكم لتبرير العلاقة مع المجرمين الطائفيين، فكلا الأمرين يقلل من صلاحيتكم السياسية، وبأطروحتكم هذه فإن قيادة غزة كثيرة عليكم فضلا عن بقعة أخرى من البقاع الإسلامية المقدسة .
محمد سعيد سلام