كما كانت الريح الدولية معه يوماً ، فانه ستكون ضِدّه يوماً آخر ، هذا حال الأسد الذي إستفاد من ظرف دولي معين، تَجلّى بتخادم إيراني أمريكي تُوّجَ بإتفاق نووي ، وبعض التعاون في ملفات محددة بين موسكو وواشنطن وإستفاد الأسد من تلك التوافقات ، حصل الطلاق البائن بينونة كبرى بين موسكو وواشنطن على الأرض الأوكرانية و فشل الإتفاق النووي وتَعذّر على الأمريكي الذي صنعه العودة إليه ، وإنتهى ذلك التخادم عملياً فجر 7 أكتوبر 2023 عندما إنهارت الثقة بالركون لتفاهمات في الغرفة المغلقة أو تحت الطاولات بين ضباط مخابرات وبوساطات من آخرين وكلها تفاهمات غير مكتوبة ترتكز على قوة الردع الامريكية- الادإسرائيلية ، مع التعقل الفارسي وعدم التهوّر.
بإنهيار كل التفاهمات السابقة وبداية إسرائيل والغرب بإبعاد الكمّاشة الإيرانية عنها ، كان واضحاً أنّ المعركة لن تكون على ( أو في ) غ ز ة وحدها ، بل ستكون حرباً في المنطقة.
تدحرج حزب الله في ( إسناد غزة ) من تمثيليات معارك العمود وقصف المستوطنات الفارغة من سكانها إلى ما وصل إليه الآن ، حيث قتلت إسرائيل معظم جنرالات الحزب الذين شاركوا بتأسيس الجناح العسكري وخاضوا كل المعارك واكتسبوا الخبرات ، والآن الحزب فقد قيادته العسكرية النخبوية وسيحارب بقيادات الصف الثاني مما يعني تدهوراً مُريعاً في قدراته وكفاءاته.
ولأنّ الأراضي السورية التي يُسيطر عليها الأسد لم تَعُد جسراً إيرانياً لإمداد حزب الله فقط ، بل أصبحت خيط المسبحة الذي يربط الحبات مع بعضها ويؤمن عمق إستراتيجي للحزب ولفيلق القدس والذي نشر المئات من القواعد والنقاط العسكرية ومصانع تجميع الأسلحة الدقيقة وشبكات الرادار ومنظومات الدفاع الجوي ، إضافةً لنشر مايقارب المائة ألف من الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات.
لامعنى لأيّ حرب إسرائيلية تُشَنّ على الحزب في الأراضي اللبنانية ، لأنه يملك عُمقاً إستراتيجياً ومساحات جغرافية واسعة في سوريا ، وسيعيد بناء قدراته في فترة قصيرة ويبقى يشكل التهديد الأكبر لإسرائيل.
لذلك إبعاد الحزب والميليشيات الإيرانية من سوريا سيكون هدفاً إستراتيجياً لأيّ حرب قادمة ولامعنى لإبعادها عن الجنوب السوري فقط ( فقد فشل تطبيق القرار 1701 في لبنان وفشل الروس ( أو أفشلو ) إبعاد الميليشيا الإيرانية عن الجنوب السوري بعد تعهدهم بذلك وإيقاف الموك دعم قوى الثورة السورية..
وتُعتبر ميليشيا حزب الله هي النخبة التي تُدير كل الميليشيات الإيرانية وميليشيا الأسد معها حيث تُعتبر قوات النخبة والقيادة.
غاب بشار الأسد عن الظهور منذ 23 تموز وظهوره مع الرئيس الروسي في تسجيل بُثَّ بعد الزيارة ، وقد حَذّر بوتين الأسد من موجة تصعيد كبرى في المنطقة سيطال سوريا بالتأكيد ، قد يكون بقي الأسد في موسكو وللتعمية على ذلك تَمّ إصدار مرسوم يَخصّ تعديلات بقانون تجنيد جيش النظام ، وهذا لايُبَدّد الشكوك عن مكان تواجده الان ، فهذا المرسوم إمّا مُوقّع سابقاً ولم يُعلن عنه ، أو تمّ توقيع الأسد عليه عبر شبكة الإنترنت من مكان تواجده…
إختيار حزب الله للقيام بمجزرة مجدل شمس لم يكن عبثياً ، فهي رسالة دموية بفتح جبهة الجولان المحتل وتوسيع رقعة الحرب إليها ( وهي مشروع معلن لمحور إيران بوحدة الساحات ) وزيادة إنهاك وإرباك واستنزاف الجيش الإسرائيلي ، والتوغّل فيها برياً بمشاركة قوات تابعة للنظام تحت غطاء تحرير أراضٍ محتلة لن يلقَ تلك الإدانة فيما إذا تمّ مهاجمة الأراضي التي يَعتبرها المجتمع الدولي أراضي إسرائيلية.
كما أنّ طبيعة أرض هضبة الجولان الوعرة تُساعد على العمليات البرية والتي يَخفّ فيها التفوق الإسرائيلي ، إذ أنّ فشلاً إيرانياً آخر بإيذاء إسرائيل وإسقاط جميع مسيراتها وصواريخها سيضرٍ كثيراً في بروبوغاندا القوة الإيرانية..
إنّ إطلاق المسيرات والصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى من لبنان وسوريا على إسرائيل هو أجدى نفعاً من إطلاقها من اليمن وإيران والعراق حيث سيفلت عدد مُهمّ منها من منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية والأمريكية ويَتحقّق المعنى من الإنتقام لفؤاد شكر وإسماعيل هنية وتُعيد الهيبة و الاعتبار للحرس الثوري …
كما أنّ الردّ الإسرائيلي المُتوقّع والعنيف على سوريا سيكون أسهل على الحزب من لبنان ، لأنّ بيئة الحزب الشيعية مُرهقة من مغامرات الحزب وقد تثور عليه مع غيرها من الطوائف اللبنانية ، بينما في سوريا سيلجا الإسرائيليون لإستهداف قواعد ونقاط عسكرية حيث لاحواصن شعبية للحزب والميليشيات الشيعية الاخرى وسيتم استهداف مراكز عسكرية تابعة للنظام يستخدمها الحزب أيضاً
كما أنه لن يَغيب عن ذهن الحرس الثوري بتوريط الأسد وإستخدام الأراضي السورية إضافة مُعطى جديد للمعركة يَتمثّل بوجود قواعد روسية مُهمّة وتُمسك بالأجواء السورية وهي داعمة للأسد بقوة ، وهذا غير متوفر بساحات أخرى ويُعطي ميزة أو أفضلية لإيران بإستخدام الأراضي السورية في المعركة…
وبما أنّ طرد إيران من سوريا سيكون هدف إستراتيجي للحرب الدائرة الآن ، فهل سيبدأ ذلك من إسقاط الأسد ، حيث ستتلاشى أيّ شرعية تَتَحجّج وتَتَبجّح بها القيادة الإيرانية ..
سيكون نتياهو همجياً في ردوده وهو الذي يسعى للحرب ويطلبها ، وليس قَتلُ شكر وهنية في يوم واحد ، إلا جَرّ رجل محور إيران للحرب بعد أن جَرّ رجل واشنطن إليها ، ولن ينجو الاسد منها هذه المرة فهو ليس بسبعة أرواح….
*د باسل معراوي*