- أهمية انطلاقة الانتفاضة
واستمرارها .
- بعد سلسلة من الإخفاقات وخيبات الأمل والإنكسارات التي ألمّت بالسوريين . وعلى مدار أكثر من اثنا عشر عاماً. وبعد كل جرائم القتل والتنكيل وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والمذابح الجماعية التي ارتكبها النظام وشركائه بالقتل والجريمة بحقهم .
وبعد الدمار الواسع للمدن والبلدات والمرافق العامة والبنية التحتية السورية . وما يعانيه وعاناه السوريون من الفقر والقهر والحاجة .
وبعد تهجير نصف السكان وخاصة من فئة الشباب خارجيا وداخلياً بين لاجئ ونازح .
وأضحت سورية محتلة إيرانياً وروسياً . وعلى أرضها مئات المليشيات العسكرية الطائفية والتكفيرية
اضافة لخمسة جيوش اجنبية وبحجوم مختلفة تجثم على أرضها , ومئات القواعد العسكرية .
- فشل القوى الوطنية السورية المنتمية للثورة من تجمعات وطنية وديمقراطية وكتل وأحزاب سياسية بمختلف تشكيلاتها وانتماءاتها من التجمّع والتوافق وانتاج برنامج وطني ديمقراطي شامل ببعده الحضاري والإنساني لتشكّل البديل الوطني عن مؤسسة المعارضة القاصرة في الائتلاف ومشتقاته الهزيلة من هيئة التفاوض والحكومة المؤقتة واللجنة الدستورية . هؤلاء الهواة الفاشلون الذين تحوّلوا كمؤسسات ( مع احترامي لبعض الشخصيات المنخرطة فيها ) لأدوات إقليمية ودولية تقوم بدور وظيفي
يتوضّع على مسار التدخلات الخارجية ومحكوم بسقف مصالح تلك الدول واستجابة لها . وليس استجابة
لوجع ومصالح السوريين وخيارات الثورة .
- فصائلية مقيتة لاتحمل ثقافة الدولة ولا تنتمي للثورة . تعيد إنتاج الاستبداد الأكثر تخلّفاً وظلامية وبقوة السلاح في المناطق التي استولت عليها .
- تراجع الاهتمام بالملف السوري إقليمياً ودولياً لاختلاف مصالح الفواعل فيه . ولتشابكاته الإقليمية والدولية . تٌرك الجرح مفتوحاّ ينزف دماءً وألماً . مع حفاظ الدول المتدخلة فيه على خطوط التماس واقتسام النفوذ بينها وتأمين مصالحها بغض النظر عن مصالح السوريين , واستمرار معاناتهم المتفاقمة والكارثية .
- محاولات إعادة تأهيل النظام عربياً , وعودته لمقعده في الجامعة العربية , والتي أعطته شعوراً كاذباً بأنه انتصر على دماء السوريين وهزم ثورتهم . ونجى بفعلته وجرائمه من المسائلة والمحاسبة؟
مع كل هذه السوداوية والفواج , والواقع الكارثي البائس , وحجم اليأس الذي التهم مساحات كبيرة من الحلم والأمل الى درجة الاختناق ؟
انفجرت انتفاضة السويداء السلمية والحضارية لتكون الصفعة الأقوى والأشد وجعاً لنظام طغمة الأسد. هذه الإنتفاضة التي استعادت مشهدية الثورة في شهورها الأولى بكل بهائها وسلميتها وحضاريتها وجمالها, وشعاراتها الوطنية الجامعة . قبل خروجها قسراً من ساحاتها واستبدال شعاراتها .
مُعلنة ليس بالقول قط ؟ بل بالممارسة والسلوك والموقف بأن الثورة باقية ومستمرّة لاتموت مادامت الأسباب التي قادت لتفجّرها لازالت قائمة؟
هذه هي حقائق التاريخ .
الثورة السورية بدأت مع انتفاضة السويداء بالنهوض من كبوتها , لتجدد نفسها , وتصحح من أخطائها وتواصل السير في دروب الحرية والكرامة لإسقاط هذه الطغمة الباغية المجرمة من حاضر ومستقبل السوريين . وكل اشكال الاستبداد بكل وجوهه السياسية والدينية والقومية , وتجلياته في الثقافة والسلوك والممارسة. للعبور الى دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية. الدولة الديمقراطية الحيادية التي تحفظ الحقوق وتصون كرامات ابنائها , وتقف على مسافة واحدة من الجميع بغض النظر عن أي انتماء ديني أو طائفي أو أثني أو سياسي أو أي تمايز آخر .
- النجاحات التي حققتها خلال عام
من انطلاقتها .
- استمراريتها وثباتها وصمودها حتى الآن بكل ألقها وبهائها وبشكل يومي إن كان في ساحة الكرامة وسط السويداء , أو في ساحات البلدات والقرى . كل ساحات السويداء تحولت لساحات كرامة . استمراريتها خيّبت توقعات النظام الذي كان يحسبها فقاعة لن تستمر سوى أيام , وفي حدها الأقصى اسابيع قليلة .
والمشاركة الواسعة والرائعة للنساء الحرائر فيها أضاف لها بعداً وعمقاً حضارياً يزيد من جمالها.
- انتقالها سريعاً ومنذ الأيام الأولى من دائرة النخبة الى انتفاضة شعبية توسعت لمطارح المجتمع الأهلي والمدني .
- استقطابها للتجمعات والفعاليات الإجتماعية والسياسية والمهنية المنظمة والنقابات . مثل تجمّع المحامين الأحرار, تجمع المهندسين الأحرار .. الصحفيين .. المعلمين .. المهنيين .. قطاع الصحة إلخ . وهذه تحدث للمرة الأولى في الثورة السورية ليس على مستوى محافظة السويداء قط ؟ بل على مستوى كل المحافظات السورية؟ لم تنزل لساحات التظاهر أو تلتحق بالثورة فعاليات مجتمعية ونقابات مهنية منظمة قبل الآن .
- لأول مرة تدخل الهيئة الروحية على خط الإنتفاضة في السويداء لتأييدها , ودعمها وتبني مطالبها. ممثلة بسماحة شيخي العقل , سماحة الشيخ حكمت الهجري , وسماحة الشيخ حمود الحناوي . والذي كان لانحيازهما للحراك الأثر الكبير في توسيع مطارحه في المجتمع الأهلي . واسبغ عليه شيئاً من الحماية .
- انطلاقتها واستمراها هو دلالة واضحة وصريحة لفشل طغمة الأسد وعبر أجهزتها الأمنية وأدواتها القذرة في المحافظة من ابعاد السويداء عن الحراك السوري ؟ وهذا هدف وخطة استرتيجية عمل عليه النظام منذ الأيام الأولى لانطلاقة الثورة في العام 2011. من خلال سعيه لتخريب نسيج المحافظة الإجتماعي . واستنزافها وتهجير شبابها . ونشر المخدرات وتوزيعه حتى في مدارسها .
وخلق عداوات وتنابذ بينها وبين محيطها . وبخاصة مع الجارة درعا . وتشكيله ورعايته لعصابات الخطف والخطف المضاد بين المحافضتين والقتل وطلب الفدية . وتأمين الحماية والرعاية لها من قبل أفرعه الأمنية ؟ بهدف جر السهل والجبل لمعارك تؤسس لعداوات دائمة .
وعمل على إيقاع الفتنة بين أهل السويداء والعشائر البدوية القاطنة في المحافظة, وفي وقراها وعلى أطرافها . والتي تعمل عليه وبشكل جدي منذ تسعينات القرن الماضي لتقويض المحافظة وإضعافها من الداخل .
وانتفاضة السويداء بوجه النظام لعام ألفين والذي قمعها بقوة وتوحش أتت في هذا السياق .
لكن ومنذ بدء الإنتفاضة كان هناك ولا زال تلاحم وتعاون مع عشائر البدو والتحاق الغالبية من أحرارها بالإنتفاضة وساحة الكرامة .
- انطلاقتها واستمرارها أسقطت من يده ورقة حماية الأقليات التي كان يستثمر فيها ؟ وأضحت خارج بزارات التعامل والإستثمار .
- هدمت بسلميتها وحضاريتها استرتيجية النظام التي بناها وتبنّاها وعمل عليها طيلة اثنا عشرة عاماً في إجهاض الثورة وقتل السوريين ؟ وهي ادعائه كاذباً بأنه يواجه ويتصدى لمجموعات إرهابية سلفية وجهادية مسلحة ؟ تحمل السلاح في وجه الدولة وتُرهب المجتمع ؟ مما يعطيه الشرعية باستخدام السلاح .
- أعادت المسك بخيوط الثورة واستحصرت البدايات بكل جمالها وسلميتها وشعاراتها الوطنية الجامعة
- فشلت كل محاولات النظام لجر الإنتفاضة لحمل السلاح ؟ وتجريدها من سلميتها رغم كل محاولاته . لخلق أرضية لإقتتال أهلي يبرر له التدخل العسكري لضربها وتقويضها , وإعادة قبضته المُحكمة على المحافظة .
- فشلت كل محاولاته وأبواقه الأمنية بتخوين حرائر وأحرار الإنتفاضة . واتهامهم بالعمل وفق أجندة خارجية غير وطنية ؟ وتارة بتقاضيهم الأموال الملوثة ؟ وأخرى اتهامهم بالعمل على فصل السويداء عن الجسد السوري ؟ وغيرها من التٌرّهات والأباطيل ؟ لهدف عزل الانتفاضة عن حاضنتها الشعبية والوطنية السورية ليٌسّهل عليه النيل منها؟ لكن الوعي الوطني والسياسي لشابات وشباب الإنتفاضة , إضافة لثلاثة عشر عاماً من حربه القذرة على السوريين عّرته أمام الجميع بأنه نظام عصابة قاتل وكاذب لم يعد أحداً يصدّقه .
- انتفاضة السويداء أزالت عنه مابقي من براقع حتى المجهرية منها التي تُخفي قبحه ؟ وكشفت عن عقمه إلّا من انتاج مزيد من العنف وتطويره بمواجهة السوريين ؟ وبيع مفردات الثروة السورية والأصول السيادية للأجنبي مقابل بقائه على الكرسي ؟
وإتقانه لحبك الفتن والدسائس والمؤامرات وفبركة الأكاذيب الرخيصة . وعجزه عن الإتيان بأي حلول توقف الكارثة التي قاد السويين إليها ؟
- انتفاضة السويداء واستمراريتها تؤكّد حقائق التاريخ بأن الثورات لاتُهزم وإن تأخّر انتصارها . السكون ليس دليل موات . الجمر الحارق يبقى تحت الرماد . قد تكبو تخسر جولة , تخسر معركة ؟ لكنها لاتخسر الحرب . ستنهض من كبوتها , وتجدد نفسها , وتصحح أخطائها . وتواصل طريقها لتحقيق أهدافها .
- التحديات والإخفاقات .
- أخفقت انتفاضة السويداء وعلى مدار عام كامل من تحقيق أي اختراق نوعي على الساحة السورية من شأنه تغيير المعادلات القائمة ؟ إن كان داخل مناطق سيطرة النظام , أو في المناطق المحكومة من قبل سلطات الأمر الواقعة خارج سيطرته ؟
- أخفقت في نقل عدوى الإنتفاضة الى الساحات الأخرى في بقية المحافظات السورية أو الى بعضها ؟ وبقي التعاطف معها خجولاً لم يُترجم لممارسات على أرض الواقع ومشهد الثورة . وهنا لابد من الإشارة لحراك اعتصام الكرامة الشجاع الذي انطلق في الواحد من تموز الشهر الماضي في الشمال السوري هو ظاهرة إيجابية مشجعة يجب البناء عليها وملاقاتها .
- أخفقت انتفاضة السويداء في كسب اهتمام وتعاطف المجتمع الدولي والإقليمي ماعدا بعض التصريحات الخجولة والبروتوكولية العامة التي لايُبنى عليها ؟ لأنها لم تنجح بعد في تقديم هويتها السياسية, وبرنامجها السياسي الواضح إقليمياً ودولياً كقوة وطنية عمومية تمتلك مشروع وطني ديمقراطي عمومي وجامع لسورية القادمة ؟ ماعدا بعض الشعارات واللافتات التي يمكن أن تؤسس نقاط ارتكاز لصياغة هذا المشروع , لكنها أكيد غير كافية .
- التنميات والمأمول
من انتفاضة السويداء .
- المأمول وبعد انجازها اللجنة السياسية وهي خطوة كانت مطلوبة وإيجابية ومهمة ولو أتت متأخرة . استكمال مأسسة نفسها عامودياً وأفقياً , وتشكيل مكاتبها التنظيمية والإجتماعية والإعلامية والثقافية والفنية المختلفة التي تقود الحراك ونشاطاته , وتنظّم فعالياته , وتعبّر عنه لتضييق مساحة الإرتجالية في الساحات والممارسة الثورية والسياسية . فكل مكتب يقوم بدوره الموكل له وضمن حدود تفويضه وصلاحياته من خلال لائحة تنظيمية تُعد بهذا الخصوص . تحدد الصلاحيات الممنوحة لكل مكتب , والمساحة التي يعمل عليها , وعلاقته مع المكاتب الأخرى من خلال تنسيق وتكامل الأدوار .
- تشكيل هيئة استشارية للحراك من بعض الشخصيات المعروفة على مستوى المحافظة والغير إشكالية . سياسية.. ثقافية .. اقتصادية فكرية . وممثل عن الهيئة الدينية . والمشهود لها بسعة علمها , وخبرتها , ونزاهتها , وثقافتها , ورجاحة عقلها , ونظافة كفها .
يتم التوافق عليها . ويفضّل أن يكون من بين أعضائها شخصية عسكرية نزية ونظيفة وخبيرة من أحد الضباط المتقاعدين . يمكن أن يقدّم رأي ونصيحة يترجم ويستشفّ من خلالها الغاية والهدف الذي يسعى له النظام (وعلى سبيل المثال )من بعض التحركات العسكرية في المحافظة وعلى أطرافها , ليأخذ الحراك احتياطاته ويتدارك الوقوع في شركه .
مهمة ووظيفة هذه الهيئة تقديم النصح والمشورة في أي موضوع او قضية يتم عرضها عليها .
ويتم تداولها معها . ويبقى رأيها استشارياً للنصح والإستئناس غير مُلزم .
- صياغة رؤية سياسية من قبل اللجنة السياسية بالإستئناس والتشاور مع الهيئة الإستشارية . واضحة بصياغاتها ومصطلحاتها ودلالاتها تلتزم أهداف وخيارالثورة الديمقراطي ببعدها الحضاري والإنساني . وتُبيّن هوية الإنتفاضة السياسية وأهدافها التي تسعى لها على المستوى الوطني بتحقيق الإنتقال السياسي سنداً لبيان جنيف 1 لعام 2012 . وقراري مجلس الأمن 2118 لعام 2013 .و2254 لعام 2015 وكافة القرارات ذات الصلة , عبر تسيير العملية السياسية بتراتبية مراحلها الثلاث , والمضبوطة زمنياً. وتحقيق العدالة الإنتقالية . للإنتقال من نظام نظام طغمة الأسد المستبدة والمتوحشة الى الدولة الوطنية الديمقراطية . دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية . الى الدولة الحيادية التي تقف على مسافة واحدة من جميع أبنائها . والحافظة لحرياتهم وحقوقهم وكراماتهم .
- صياغة وثيقة مبادئ وطنية عامة . ترتكز على التوفقات الوطنية وخيارات الثورة . يتم انجازها من قبل المكاتب المعنية واللجنة السياسية بالاستئناس برأي هيئة المستشارين . والتي يمكن تحقيق التوافق عليها على المستوى الوطني وتوسيعها بالحوار بين القوى الوطنية السورية في بقية المحافظات السورية .
- تشكيل لجان أو مكاتب وهي على نوعين
- خارجية تكون مهمتها التواصل مع الخارج الإقليمي والدولي بما فيه المنظمات الدولية وهيئة الأمم المتحدة ومكاتبها ذات الصلة لنقل رؤية الإنتفاضة والتعريف بهويتها الوطنية والسياسية ومشروعها التغييري وعدالة الثورة وكسب الدعم والتأييد لها .
- داخلية تكون مهمتها فتح حوارات جدية وهادفة مع كل القوى الوطنية الثورية والسياسية السورية والتكتلات والتجمعات والأحزاب التي تتبنى الثورة والمنحازة لها . حول مشروع وثيقة التوافقات الوطنية وتوسيعها لتكون وثيقة عهد وطنية جامعة .إضافة الى تنسيق الجهود على المستوى الوطني , والقيام بالأعمال والخطط المشتركة حسب واقع وقدرة كل محافظة . .
لإعادة إحياء الثورة واشتعالها ساحاتها من جديد على مساحة الجغرافية .
هذه وجهة نظر قابلة للتصويب وإعادة النظر.
وفصل المقال صحيح بأن الثورات لاتٌهزم من حيث المآلات النهائية . ولكنها لاتنتصر أيضاً من تلقاء نفسها إذا لم تتوفّر اسباب ومقومات وشروط انتصارها . وهذا الذي يجب أن نسعى لخلقه وتأمينه .
بسام العيسمي .