مقال بقلم د. فالح الشبلي
وسط ترقب عالمي لنتائج التحولات الكبيرة التي شهدتها الحرب الروسية على أوكرانيا، من جراء توغُّل الجيش الأوكراني ولأول مرة في مقاطعة “كورسك” الحدودية الروسية في ❪٦ ـ من أغسطس ٢٠٢٤❫ وسيطرته على مدينة و ❪٨١ ـ قرية❫ في المقاطعة؛ نجد أن ثغرة أمنية وتكتيكية فادحة تسببت في عدم تأمين “كورسك” والتي استغلتها القوات الأوكرانية ببراعة، وهذا أدى إلى استسلام العديد من المجندين الروس وتسليم المقاطعة التي لا تبعد عن موسكو سوى ❪٥٢٦ ـ كم❫ دون مقاومة، الأمر الذي مثّل ضربة موجعة للمتغطرس الروسي، وبداية فقدان الثقة بالاستراتيجية العسكرية التي تطبقها حكومة “بوتين”، خصوصًا عند النظر إلى مساحة روسيا وحجمها العسكري والدولي ومقارنتها بأوكرانيا.
قد يكون نجاح هجوم الجيش الأوكراني المُباغت نتيجة متوقعة مترتبة على ترسانة الأسلحة النوعية المكثفة التي دعم بها الغرب أوكرانيا خلال الشهور السابقة، لا سيما مع اطمئنان موسكو إلى أن الحرب باتت عبارة عن طلعات جوية للطائرات الروسية، تقصف المدن الأوكرانية دون رد عسكري واضح من كييف، لكنّ السياسة والحروب لا تعترف بالمُسلمات، بل تتعدى حدود المنطق، فهل يُعقل أن تكون القيادة الروسية أصيبت بالزهو فاغترت بقوتها وانتصاراتها فاتخذت حزمة قرارات طائشة تخص تأمين المناطق الحدودية؟ رُبما!
أرى أنه ـ رغم الضربة التي اهتز لها “الكرملين” ـ فإن الحنكة السياسية تقتضي عدم التقليل من مكر “الدب الروسي”، فقد تكون “كورسك” فخًّا للجيش الأوكراني، وبعد دخوله واستقراره فيها يتم الانقضاض عليه من الجيش الروسي والقضاء على جزء كبير منه في هجمة مرتدة واحدة، فبعد أسبوعين من بدء التوغل الأوكراني البري في “كورسك” أعلنت وزارة الدفاع الروسية تشكيل ❪٣❫ وحدات عسكرية جديدة للدفاع عن مناطق حدودية مع العاصمة، في “كورسك” و”بيلغورود” و”بريانسك”، وهذا تسبب في إرباك “كييف”.
المقدمات السابقة تضعنا أمام سؤال محوري حول سر البطء الروسي في التعامل مع المستجدات الخطيرة، واكتفاء السلطات في “كورسك” بإعلان حالة الطوارئ، فهل هذا يعكس عجزًا روسيًّا حقيقيًّا في مواجهة ما يحدث؟ وماذا عن تصاعد ردود الفعل الدولية التي تخطت أوروبا والتي أيدت قرار الأمم المتحدة بإدانة حرب موسكو على أوكرانيا، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على روسيا أو إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا؟
وبين هذا وذاك لا يمكن تخيل أي سذاجة في التخطيط العسكري، والواضح الآن أن الحرب أخذت منحى أكثر جرأة وتحديا من الطرفين، لنجد أنفسنا أمام التخوف الأكبر المتمثل في قيام روسيا بضربة نووية، قد تجُر المنطقة والعالم إلى حرب نووية لا تُعرف نهايتها، ولن يسلم منها أحد، لا سيما مع تحذيرات رئيس بيلاروسيا ـ الحليف الشرس للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ـ، قوات حلف شمالي الأطلسي “ناتو” من محاولة دخول أوكرانيا والذي يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة.