جمال الشوفي
هل يقع المحذور وتدخل منطقة الشرق الأوسط برمتها في أتون حرب كبرى تأتي على بقية مدنها وعواصمها؟ فها هو جنوب لبنان، وبيروت بالضرورة، يقع تحت الضربات العسكرية الإسرائيلية المتتالية، دون أن تتمكن ميليشيات حزب الله من المقاومة كما كانت تدعي، خاصة بعدما كشفت الهجمات السيبرانية فقدان الاتصالات بين قادتها وتصفية غالبيتها بعد أحداث انفجارات “البيجر” في الضاحية والجنوب! فيما أن إيران تعلن من واشنطن جاهزيتها للتفاوض على العودة لمفاوضات ملفها النووي، بينما تأخذ سلطة دمشق “وضع المزهرية” بلا أي ردة فعل على مجريات الحدث اللبناني! وتغط في صمت مدقع متابعةً ترتيب بيتها الداخلي بتشكيل حكومة جديدة، وكأن لا شيء يحدث لحليفها!
حزب الله والميليشيات الإيرانية الطائفية التي دخلت سوريا بإيعاز من نظام دمشق- والتي ما فتئت تعلن أن طريق القدس يمر مرة من القصير والأخرى من القلمون ومرة من حلب…- مارست كل أشكال العنف والقتل والتهجير بحق الشعب السوري وثورته الكليمة. واليوم حزب الله هدف مباشر لإسرائيل، فيما أن كل من إيران والنظام السوري يقفان متفرجان عليه، بل يساومان على حسابه! وكأن هذه الميليشيات ليست من ساعدت نظام دمشق على البقاء في السلطة وانتصاره العسكري على الشعب السوري! وكأن إيران التي كررت مراراً أنها تسيطر على عواصم أربعة دول عربية ضمن مخططها للهلال الشيعي المزعوم لم تكن لتستطيع ذلك لولا هذه الميليشيات! فهل ستتخلى عن نظام دمشق بعد حزب الله في الجنوب كما تخلت عن حماس في غزة؟ وهل ستتخلى عن مشروع الهلال الشيعي بأكمله؟ وماذا ستكسب؟
ثمة إجابة معممة لا تكف عن محاولاتها، ومفادها: أن أمريكيا وإيران متفقتين وبشكل عضوي على تقاسم المنطقة وإدارة اللعبة في الشرق الأوسط، وشواهد هذا القول متعددة. اذ لم يكن التمدد الإيراني في سوريا منذ عام 2012 وقبله في العراق عام 2003 مجرد صدفة أو رغبة فقط لدى قادة ما يسمى بهتاناً “بالثورة الإيرانية”، وهي التي سعت لتصدير قياساتها “الثوروية” لكل دول الجوار؛ بل كان تحت العين الأمريكية مباشرة خاصة منذ غزو العراق واحتلاله. ويضاف لهذا القول بأن ثمة اتفاق مبطن بين كل من طهران وواشنطن ولندن وقتها بشكل سري ومباشر يحقق مصلحة مشتركة لهم جميعاً. بحيث يتم استثمار الدور الإيراني في التمدد في العراق، خاصة من جهته الجنوبية، والتي ساهمت في تفكيك العراق وتحويله لمستنقع للمحاصصة الطائفية والاجهاز على كامل مقدراته العلمية وثروته الطبيعية، وانكشاف الشرق الأوسط برمته لتمدد الميليشيات الشيعية الطائفية فيها بعد ذلك من بوابة دمشق، مقابل الهيمنة المباشرة الامريكية على العراق وقضم ما تبقى من المعسكر الاشتراكي حينها. وما تبعها من مفاوضات أمريكية مزدوجة على ملف الكيماوي السوري والنووي الإيراني.
لكن، ما بات متغيراً بحكم السنوات الماضية هو تغيير المواقف الأمريكية من تواجد الميليشيات الإيرانية في سوريا، والعمليات المتقطعة ضدها، وتركيز الضربات الإسرائيلية الجوية عليها في العمق السوري. وها هي اليوم إسرائيل تتجه لإنهاء حزب الله، الذراع الإيرانية الأقوى انتماءً لقم. فيما تقف القوات الامريكية على أهبة الاستعداد في البوابة الشرقية السورية لمنع احتمال أي تحرك مساعد له من الجهة العراقية. ما يقودنا لفرضية تقول باكتفاء الدور الإيراني في اجهاض مقومات وثروات وثورات المنطقة برمتها وفق المصلحة الأمريكية الإسرائيلية بتفتيت الشرق الأوسط ومنع قيام دول وطنية مستقلة فيه وذات سيادة. ما يتيح إمكانية احكام السيطرة على شعوبه المنهكة والمشتتة والتي حاولت وتحاول بثوراتها الوطنية التخلص من أنظمتها العسكرية. أضف لأن الوجود الإيراني بات وبشكل رئيسي يهدد المصالح الروسية المباشرة بتقاسم النفوذ في الداخل السوري، ويهدد أمن الخليج العربي برمته سواء بغزوها بالمخدرات والكبتاغون عبر الجنوب السوري، أو بشن حرب مباشرة عليه اذما بقيت تمارس ضغوطها على نظام دمشق بفك تحالفه معها.
وهذه الفرضية يمكنها تفسير صمت النظام السوري عما يجري بجنوب لبنان وتآكل حزب الله، وذلك ضماناً لمسايرة المبادرة العربية، اذ أنها المنقذ لنظامه المنهار مالياً واقتصادياً، حيث أن إيران تطالبه بديونها المستحقة بمليارات الدولارات. أضف لأنه بذلك يتجنب الدخول في مواجه مباشرة مع إسرائيل كما كان ولازال يفعل طوال السنوات الماضية. بالمقابل فإن إيران مستمرة بالتضحية بأذرعها البعيدة مقابل الوصول لاتفاق نووي يضمن استمرارها بتخصيب اليورانيوم ووصولها لدولة نووية ومحصنة بالضرورة من أي اعتداء خارجي ككوريا الشمالية، أضف لفك حصارها اقتصادياً. لكن التفوق التقني الإسرائيلي في معادلة الحرب، ومحاولة إيران ونظام دمشق عدم دخول أتونها لا يعني بالضرورة أنهما بمنجاة منها بالتضحية الكلية بحزب الله، اذ حينها ستتبدى معادلة الشرق الأوسط برمتها أمام تساؤل مفصلي: هل ستقف المسألة عند حزب الله أم ستتمدد لعنق نظام دمشق؟ وبالنتيجة تخلي إيران عنه وتركه لمصيره؟ وهل ستكتفي الحرب عند تقطيع أذرع إيران وخساراتها كل مقومات تفاوضها النووي وعودتها لحضيرتها الداخلية مشلولة القوة والقوى؟
أياً كانت فرضيات التفسير لمجريات الحدث في المنطقة، سواء كانت مؤامرة كبرى عليه، أو التقاء مصالح وكفايتها اليوم، فإن منطقة الشرق الأوسط خاصة سوريا ولبنان بعد العراق باتت لا تحتمل المزيد من الحرب والتمزق. فإن كانت الدول ترسم سياساتها الخارجية وفق مصالحها الذاتية، فالواضح والبديهي أن أنظمة الحكم في المنطقة خاصة في سوريا هي المسبب الرئيسي لما يجري بها. وليس هذا وفقط، فأنها كما ضحت بالشعب السوري يمكنها ان تضحي بمن ساعدها بالحرب عليه، وهو ما تفعله اليوم كما إيران أيضاً. ما يحيل التفسير لما يسمى بلعبة المصالح الدونية والاستفادة من موت الشعوب مقابل بقاء الحكام. وهنا يطرح السؤال المركزي على الشعوب بذاتها وخاصة السوري واللبناني: هل للشعوب مصلحة بالوقوف مع إسرائيل وأمريكيا؟ وإذ تبدو الإجابة مفعمة بالقهر أولياً، فأصل البلاء الذي حل بالشعب السوري هو إيران وميليشياتها الطائفية وحزب الله بمقدمتها، لكن لا أمريكيا ولا إسرائيل تريد خيراً بشعوب المنطقة، وكل ما يجري لليوم هو تصفية حسابات بين تماسيح رقعة شطرنج الشرق الأوسط، فيما الشعوب هي الضحية.
أمام تعقيد المشهد الحالي وانذاراته فائقة الخطر، فإن الثبات على الموقع الوطني، الذي حاول نظامي دمشق وملالي إيران وميليشيا حزب الله بغض نظرٍ امريكي فاقع، انهاؤه بشتى الطرق هو الخيار المبدأي. فثبات السوريين على التغيير السلمي السياسي لنظام دمشق، يوازيه موقف لبناني على حل حزب الله كحزب سياسي عسكري، هو موقف محوري يدقق معادلات ما يجري اليوم ويمنع الدخول في اتون معركة خاسرة، وليتحمل حزب الله ومن بعده نظام دمشق منفردين كقوتين عسكريتين وحسب ما اقترفته أيديهم في حق شعوب المنطقة. التغيير السياسي السلمي وعدم الدخول في معترك عنفي إقليمي هو ما تطالب به مظاهرات السويداء الماراثونية منذ ما يزيد 400 يوم من التظاهر السلمي، متابعة ما بدأه السوريين في ال 2011 سلمياً ولم يستجب لهم نظام دمشق، فكان السبب الرئيسي في كل ويلات سوريا ولبنان، والأيام دول وأحوال متغيرة….