لابد من الإقرار بداية بأن سورية في مطلع العام 2011 حين انطلقت المظاهرات السلمية التي غطّت معظم الجغرافية السورية منذ الأسابيع الأولى لانفجار بركان الغضب والقهر السوري بمواجهة نظام طغمة الأسد الأكثر سوءًا وفساداً وتوحشاً بالمنطقة .
هي بالتأكيد غير سورية اليوم.
كان حراكاً مٌحقاً تميّز في الأشهر الأولى من انطلاقته بسلميته وحضاريته المنقطعة النظير. وشعاراته الوطنية الجامعة المطالبة بالحرية والكرامة والحقوق والديمقراطية والمواطنة المتساوية . والتي تؤسس لبناء فضاءً وطنياً ديمقراطياً حقيقياً . لو استمّر لكان قادر على ضرب وتقويض مرتكزات الإستبداد والشمولية في مفاصل البنية السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لنظام طغمة الأسد وتفكيكها . بما يفتح الطريق لمسار التغيير الوطني الديمقراطي السلمي الذي يقود لبناء المقدمات الأولى التي تعبّد أمامنا الطريق الذي يوصلنا الى دولة الحق والقانون .
ألق البدايات والإنطلاق من السورية الجامعة كساحة مشتركة للجميع , خروجاً عن كل الاستقطابات الطائفية والدينية والعرقية ( واحد واحد الشعب السوري واحد ). وبأن الثورة (هي ثورة شعبية سلمية وليست تحت أي مظلة دينية أو طائفية أو عرقية أثنية بل هي ثورة كل السوريين ).
وهذه وردت من جملة الأهداف والمبادئ التي حددتها الهيئة العامة للثورة في اجتماعها الذي انعقد بتاريخ 18 آب لعام 2011 . تم خلاله توحيد تنسيقيات الثورة مع المجاميع الأخرى المنخرطة بالحراك وبلغت في حينه 40 مكوناً حيث انخرطت جميعها في إطار الهيئة العامة للثورة .
حراك البدايات كشف عن جوهر الصراع القائم بأنه سياسي بامتياز. وأفرز طرفيه وهما ما بين :
– نظام تسلطي فاسد وظالم , صادر الحريات وعسف بالحقوق ,وغيّب العدالة وحكم القانون , واعتدى على الكرامات, ونهب الموارد والثروات .
– غالبة الشعب السوري بمختلف تكويناته المطالب بالحرية والكرامة والحقوق والانعتاق من الظلم والقهر والإستبداد .
لكن هذا لم يدم طويلاً إذ دفع النظام الثورة للسلاح والأسلمة بفعل توحشه وإجرامه , بهدف طمس الجذر السياسي لمفجّر الأحداث . ليعيد رسم الصراع على المسارات الدينية والطائفية والأثنية لتشتيت شمل السورين . وكان في ذلك منجاته الوحيدة.
وهذا لم يلقَ ممانعة مع الأسف من مؤسسة المعارضة السياسية الفاقدة لرشدها السياسي , والتي ادعت تمثيل الثورة ومطالب السوريين . بل جائت لتقول وبغباء سياسي فاقع ؟ بحق الأكثرية بالحكم وانتزاعه من الأقلية ؟ ما ساهم ذلك بتسهيل مهمة النظام وما أراده .
وما قاد لتغيّر المشهد سريعاً وانهدام الحدود الوطنية للصراع وافتقاده لسورنته ؟ استدعائه للإحتلالات , ولكل قتلة العالم مستعيناً بهم على السوريين ؟. . وتعددت الأطراف التي تتصارع على مصالحها داخل سورية وخارجها . وتحوّلت الساحة السورية الى لعبة أمم وصراع إرادات ومصالح تدور رحاها في سورية والمنطقة على حساب دم السوريين . حيث سلّمت المعارضة سريعاً قرارها للدول الداعمة لها والمتدخلة , كما النظام . وأصبحا كليهما أدوات بيد الخارج .
ومن يفقد قراره بالتأكيد سيتجرّع مرارة النتائج والخسارات .
وهذا ما قاد لتصدّع الفضاء الوطني السوري , وتفكيك جغرافية الوطن وتقسيمه إلى مناطق نفوذ تقودها قوى الأمر الواقع والتي لا زالت قائمة الى الآن بإرادة الأطراف الإقليمية والدولية والفاقدة لقرارها .
وأضحت جميعها قوى خاصة تفتقد للصفة العمومية . ولاتصلح لأن تكون طرفاً في أية عملية سياسية عمومية قائمة على بيان جنيف والقرار 2254 .
وأقصى ما يمكن أن تقوم به هذه الأطراف ؟ هو لعب دور الأداة التي يتم استثمارها لإدارة الملف السوري استجابة لمصالح مشغليها وتحت سقف مصالحهم . وليس استجابة لخيارات الثورة ودم وتضحيات السوريين وحلمهم بالحرية والانعتاق من الظلم والإستبداد .
وهذه القوى هي ماضوية استبدادية لاتنتمي لزمن الثورة . الثورة هي اختراق للمستقبل وليس عودة للماضي .
ولا تحمل فكر وثقافة الدولة . ولا تصلح لأن تكون بديلاً عن نظام طغمة الأسد فهي تشبهه في بنيته وطبيعته وإن اختلف الحامل الاجتماعي بينهما . فالشبيه لايطرد شبيهه.
مع هذه اللوحة السورية المؤلمة تنعدم سُبل الخروج من النفق الذي نحن فيه ؟ والمكلف دماء ودماراً وقهرا ومعاناة .
تفجّرت انتفاضة السويداء بوجه نظام طغمة الأسد منذ أكثر من أربعمائة يوم بسلميتها وحضاريتها , وشعاراتها الوطنية الجامعة مستعيدة ألق البدايات بكل جمالها وبهائها ولا زالت بتوهجها أكثر عزماً وتصميماًعلى متابعة طريق الكرامة والحرية والمضي قُدماً حتى تحقيق أهداف الثورة وزوال الإستبداد
انتفاضة السويداء أعادت من جديد طرح الهوية السورية ببعدها الوطني والديمقراطي الجامع مجدداً على الطاولة . لتكون المساحة المشتركة التي تعيد لم شمل السوريين . وترميم الصدوع والتشققات التي لحقت بالفضاء الوطني السوري . ورفعت شعار
(الدين لله والوطن للجميع).
حيث أن التنوّع الديني والمذهبي والأثني لايحول دون قيام مواطنة مشتركة يتساوى فيها كل ابناء الوطن بالحقوق والمكانة والكرامة .
أتت انتفاضة السويداء كموجة ثانية للثورة وامتداد لها .وقد تكون الأكثر وجعاً للنظام في الوقت الذي تخيّل واهماً بأن الثورة ماتت وانتهت ؟ واستطاع دفن حلم السوريين بالحرية . وبخاصة بعد موجة التطبيع العربي والإقليمي معه وإعادته لمقعد سورية بجامعة الدول العربية . لتقول للجميع الثورة باقية لم ولن تموت ما دامت اسبابها قائمة . وهذه هي حقائق التاريخ .
اتت بمثابة رسالة واضحة للدول التي تحاول التطبيع معه على النطاق العربي والإقليمي بأن هذا النظام لايمكن إعادة تدويله على حساب دماء وجماجم السوريين . ولايمكن مسح كل جرائمه التي ارتكبها بحقهم دون حساب
فلا بد لمسار العدالة الإنتقالية وإنصاف الضحايا ان يأخذ مجراه فهو الكفيل ببلسمة الجروح .
اتت لتعيد التأكيد على اتجاه البوصلة الذي تم حرفه لاتجاهات مدمرة نحصد نتائجها الآن . وتصويبه وفق سمت الهوية السورية والإنتماء السوري كإطار جامع لكل السوريين . كمقدمة وحامل لإعادة بناء عمارة المجتمع وتشكيل الفضاء الوطني السوري العمومي الذي فتته الإستبداد .
أتت لتطالب باسترجاع القرار السوري. بعدما تم التخلّي عنه وتسليمه للخارج .
بمعنى إعادة الثورة لسوريتها واستعادة قرارها . والتأكيد على سلميتها وأهدافها . والانتقال السلمي الديمقراطي عبر العملية السياسية المستندة لجنيف واحد والقرار 2254 والتي تقود لخروج هذا النظام وكل أشكال الإستبداد من حاضر ومستقبل السورين للوصول للدولة الديمقراطية والمواطنة المتساوية التي تقف على مسافة واحدة من كل مواطنيها .
ومن هنا تأتي أهمية ودلالات أن يكون اللقاء التشاوري الأول لتحالف استقلال سورية مع اللجنة السياسية لحراك السويداء.
تحالف استقلال سورية والكتلة الوطنية السورية إحدى مكوناته أعلن صراحة في بيانه التأسيسي سعيه لتحقيق مطالب السوريين المكفولة بموجب القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ولا سيما القرار 2254 لعام 2015 . وحرصه على استعادة القرار الوطني السوري .
وهذا ما يتبناه حراك السويداء بكل وثائقه الصادرة عنه . ولا تخلوا أية وقفة للحرائر والأحرار إن كان في ساحة الكرامة بالسويداء أو في الساحات الأخرى في القرى والبلدات المختلفة على مساحة جغرافية المحافظة من رفع لافتات تطالب بتطبيق القرار 2254 لعام 2015 .
تحالف استقلال سورية قد وجّه دعوة لكافة المنظمات السورية والتيارات للإنظمام له للمساهمة من قبل الجميع في وضع استراتيجياته لتحقيق أهدافة .
وهذه دعوة صريحة لإعادة لم شمل السوريين المعنيين بالثورة والمنحازون لأهدافها في الحرية والكرامة والحقوق والديمقراطية والمواطنة المتساوية لإنهاء هذا التشرذم المقيت . والعودة لحالة الإجماع الوطني السوري والشراكة والتنسيق في رسم استراتيجيات العمل الوطني للوصول للأهداف .
وهذا مايطالب به حراك السويداء أيضاً في وثائقه الصادرة عنه . وفي كل يوم تهتف حناجر حرائر وأحرار السويداء واحد واحد الشعب السوري واحد. التراب السوري واحد . كلنا سوريون متساون بالحقوق والمكانة والكرامة .
إذ نلاحظ بأن هناك مساحات مشتركة بين توجه وأهداف وسياسات واستراتيجيات تحالف استقلال سورية وحراك السويداء.
ومن هنا ندرك دلالة وأهمية أن يكون أول لقاء تشاوري لتحالف استقلال سورية مع اللجنة السياسية لحراك السويداء والتي كانت مخرجاته مثمرة وناجحة, وبالطبع سيعقبه لقاءات أخرى.
بسام العيسمي