د. زكريا ملاحفجي
تستهدف إسرائيل حزب الله بكل أنواع الاستهدافات لكن عينها على إيران، ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط بشكل حاسم مستفيداً من الدعم الأمريكي والغضب في المنطقة من إيران ووكلائها في المنطقة.
فيعتقد زعماء إسرائيل أنهم أصبحوا يمتلكون الآن فرصة فريدة من نوعها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهي فرصة تتجاوز إلى حد كبير القضاء على حماس وحزب الله.
ومع شن إسرائيل ما وصفته بالهجوم البري “المحدود” على لبنان، تحدث بنيامين نتنياهو أن هدفه النهائي في تحول القوة الإقليمية هو تقويض سلطة القيادة الدينية في طهران، وإضعاف النظام الإيراني الذي يمول ويدرب ويحمي كل الميليشيات في المنطقة، حزب الله في لبنان والحرس الثوري في سورية وميليشيا الحوثي في اليمن.
وبنفس الوقت أرسل رسائل كثيرة للشعب الفارسي الذي أسماه بالنبيل. لاسيما الداخل الإيراني يعيش منذ فترة اضطرابات واحتجاجات، وهناك مشاكل قومية وطائفية داخل إيران.
طبعاً واللافت الذي يؤكد بأنّ طهران هي الهدف هو حصول إسرائيل مؤخراً على طائرات تنكر (طائرات تزود بالوقود) أمريكية وهذا دليل أن هناك أهداف بعيدة لإسرائيل، فحروب إسرائيل السابقة كلها في المنطقة على حدودها.
وتم في اليوم الأول من هذا الشهر تشرين الأول استهداف أربع مواقع أبراج إشارة وإنذار للنظام السوري في جنوب سورية، في مطار الثعلة والصنمين وغيرها، وهذا لشل التواصل والإنذار المبكر في جنوب سورية، كما تم استهداف مزرعة ماهر الأسد وهي بالأصل مزرعة للشيخة موزة زوجة أمير قطر السابق، وقد استولت عليها الفرقة الرابعة في يعفور، وهي رسالة تحذيرية واضحة للفرقة الرابعة أهم مليشيا عسكرية نظامية سورية مرتبطة بإيران.
وقد وصل للأسد رسالة من الروس عبر شويغو وزير الدفاع السابق أن الحرب على حزب الله والإيرانيين قادمة وكن بعيداً لأنّ الاقتراب والدعم سيعرضك للاستهداف.
وبالنسبة لإيران، فقدت التوازن الاستراتيجي الذي كانت تسعى له، لاسيما بعد استهداف رئيس حكومتها إبراهيم رئيسي الذي سقطت طائرته بظروف غامضة، وارتفاع تركيز الحرب السيبرانية والتكنولوجية والتجسس على الأراضي الإيرانية ففي إبريل/نيسان، ردت إسرائيل على الضربة الإيرانية التي لم تحدث أي ضرر، وقامت إسرائيل بتفجير رادار للدفاع الجوي بالقرب من مدينة أصفهان بوسط البلاد، واعتبر تحذيراً بأنها قد تدمر المنشآت النووية الإيرانية متى شاءت، وفي يوليو/تموز، قُتِل زعيم حماس إسماعيل هنية بصاروخ أطلق على دار ضيافة حكومية في طهران.!
ولقي كبار القادة الإيرانيين حتفهم في غارات على السفارة بدمشق واستهداف قيادات في لبنان.
والواقع اليوم أنّ مساحة المناورة المتاحة باتت محدودة لطهران ووكلائها في المنطقة، وإسرائيل التي وجدت احتجاجات دولية ضدها في حربها على غزة، تجد اليوم ترحيباً دولياً وصمتاً عربياً بضرب حزب الله والمليشيات الإيرانية، فهذه فرصة لها مواتية.
فحزب الله خسر القيمة الأخلاقية وصورته كمقاومة بالتدخل في سورية ضد الشعب السوري، وأصبح وكيل إيراني في المنطقة.
والاستهدافات التي حصلت في اليوم الأول من هذا الشهر عبر 180 صاروخ إيراني والنتيجة صفر.!
فهذا أعطى ذريعة وأعطى اطمئنان أن إيران اليوم فقدت توازنها الاستراتيجي وباتت أضعف والبيئة الداخلية والإقليمية ساخطة على سياسية إيران في المنطقة.
وتتوالى الإدانات على الاستهداف الإيراني الصفري هذا، وهذا يؤمن الفضاء والذرائع للرد.
وأعلنت إيران عن انتقال إقامة علي خامنئي إلى مكان آمن خشية من الاستهداف الذي ممكن يحصل بأي وقت، وقد توقعت القيادة الإيرانية أن تحصل حرب سيبرانية أو استهداف لشبكة الاتصالات فأعطى خامنئي تعليمات للقادة العسكرية بأن يتخذوا القرار الذي يرونه هم مناسب.
فإسرائيل تعتبر هذا الهجوم لها بلبنان يمثل إنجازاً تكتيكياً كبيراً لكنه يظل منفصلاً عن المسار الاستراتيجي القابل للتطبيق لمعالجة الاحتياجات الأمنية بشكل مستدام وإنهاء سلسلة الصراعات واللعب بورقة الوكلاء والمليشيات المنتشرة.
فالهجوم الإيراني بالصواريخ على إسرائيل سيشكل تطورًا خطيرًا في الصراع الإقليمي، ويضع المنطقة أمام مفترق طرق حساس، رغم محاولات الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في نيويورك اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقديم رسائل دبلوماسية وانفتاح وإظهار حرصه على حسن العلاقات مع جيرانه العرب، والعالم كما كان يبادر إلى التقرب من الغرب، ملمحاً إلى استعداد طهران للتعامل بجدية أكبر مع المحادثات النووية.
لكن الواقع يبدو لن يستطع بزشكيان إصلاح سجل الانتهاكات والتدخل الإيراني في المنطقة وأمنها وتهديد أمن المنطقة عبر وكلاء إيران.
والسيناريوهات المستقبلية للمنطقة تعتمد على قرارات القيادة في كل من إيران وإسرائيل، وعلى تفاعل القوى الإقليمية والدولية مع هذا التصعيد.
والذي يبدو يتصاعد لصالح إسرائيل، لكن حجم هذا التصعيد والصراع وطبيعته سيحددان مسار الأحداث في الأيام والأسابيع المقبلة.
والخطير في الأمر هو أن تسعى إسرائيل التوسعية للاجتياح البري واحتلالات جديدة لها سواء بلبنان أو سورية بحجة إبعاد خطر حزب الله والمليشيات الإيرانية عن حدودها، وهذا سيفقدها الصمت العربي.
وستظل المنطقة بهذه الأحداث المتسارعة في حالة ترقب حذر، حيث يتابع العالم عن كثب ما إذا كان هذا التصعيد سيتحول إلى حرب شاملة أو سيبقى مجرد حلقة أخرى في سلسلة الصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، فإسرائيل تحشد على حزب الله وعينها وهدفها على طهران.