عبد الوهاب بدرخان-النهار العربي
يعيد مشروع القرار الأميركي- الفرنسي لوقف اطلاق النار في حرب إسرائيل على “حزب إيران/ حزب الله” ولبنان، التذكير بما كان مطلوباً دولياً- ولبنانياً- منذ 2004 ثم 2006 والآن في 2024 لـ “بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية.”
. وفي الأثناء، أي خلال عشرين عاماً، لم تعد هناك دولة، بل حلّت محلّها ميليشيا موالية لإيران كان ينبغي الوقوف على خاطرها والعودة اليها في كل شأن كبير أو صغير، والآن بعد غياب قيادتها المعروفة يعود القرار الى مصدره، أي الى إيران. فهي التي تأذن بوقف النار أو تمنعه وتؤجّله، ويبدو أن وظيفة “المندوب السامي” التي مثّلها عباس عراقجي وأكدها محمد باقر قاليباف ستترسّخ بزيارات لمسؤولين ايرانيين آخرين. كان وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو آخر زائر غربي، وقد يكون الأخير حتى انتهاء الحرب، وبحسب كيف ستنتهي.
استناداً الى النص، وهو جيدٌ ووافٍ، لا مبالغة في وصف المشروع الأميركي- الفرنسي بأنه “مشروع الأحلام” أو حتى الأوهام، وكأن واضعيه غرباء تماماً عن البلد، ولم يروا أو يسمعوا شيئاً ممّا عاشه وشهده طوال عقدين. لكنه مع ذلك يقدّم خريطة طريق لاستعادة الدولة ومؤسساتها، ويمكن القول من قبيل التفاؤل إنهم يتحدثون عمّا كان يجب أن يكون ولم يكنْ، ليجدّدوا البحث في ما يجب أن يكون وأن يحصل فعلاً، أما الحلقة المفقودة فهي ما يعتزم أصحاب المشروع (أي الدول الكبرى) أن يفعلوا لتنفيذ مشروعهم حين يصبح قراراً.
هناك احتمالان:
إما أنهم يأخذون بحرفية ما تقول إسرائيل إنها في صدد تنفيذه من “تفكيك للحزب” وضرب لنفوذ إيران. ومع افتراض أنه ممكنٌ فإنه يعني حرباً طويلة جداً، وبالتالي فإن وقف النار ليس لغدٍ أو بعد غد، بدليل أن الدوائر الديبلوماسية والأممية تعمل وفقاً لهذا التقدير.
وإمّا أنهم في مكانٍ ما يراهنون على تحركٍ ما في الداخل يمكن أن يبادر اليها طاقم سياسي متهالك أشبعه “الحزب” اغتيالاتٍ وترهيباً وفساداً وإفساداً. إذ كان كافياً أن يطرح الثلاثي (نبيه بري، نجيب ميقاتي، وليد جنبلاط) أضعف الايمان- أي وقف النار (بمعزلٍ عن غزّة) وتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش الى الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية- ليتلقّى بعده زجراً إيرانياً بأن الأولوية “لاستمرار المقاومة”.
وهكذا، فإن تراجعاً قسرياً منظّماً لـ “الحزب” نفسه، ولو احتراماً لمعاناة بيئته الحاضنة وإرادة سائر اللبنانيين، لم يكن أبداً ضمن خياراته ولا يمكن الرهان عليه. أما التوقّع بأن إيران- الدولة ربما تفاجئ المنطقة بمبادرات من خارج صندوق إيران- “الثورة”، فيبقى ممكناً، بل انها جاهزة له دائماً، شرط أن تتعرّف الى ما ستحصده من مصالح في المقابل.
كلام كثير يقال هذه الأيام، له بعض المؤشرات والأسس وفيه قدر من الغموض، مفاده أن ثمة “قراراً دولياً قد اتُّخذ” لتقليص النفوذ الاقليمي لإيران، عبر تحجيم أذرعها المسلّحة أو حتى القضاء عليها. إيران- الدولة مدركة أن خروجها من العزلة والعقوبات يواجه سيناريوات تتطلّب إعادة النظر في انتفاخ إيران- “الثورة” وانتشارها وتسليحها ميليشيات على حساب سيادة الدول التي تنشط فيها. هذا يومٌ كان على إيران أن تتحسّب له وتكفّ عن تأجيله، والأهم أن تبادر هي نفسها الى ترتيب تحوّلاته لا أن تتركه للفوضى… عندما يهدد “حزبها” اللبناني بأن انتخاب رئيس للجمهورية الآن يمكن أن يُشعل “حرباً أهلية” فهذا مؤشر الى أنها لا تزال تعمل بعقلية “الأسد أو نحرق البلد”.