منير أديب-النهار العربي
طلب الحرس الثوري من حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أخيراً، عدم الإعلان عن موازنة شرطة الأخلاق التي ادعى النظام الإيراني حلّها في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، وهو ما يُجسد غياب الأخلاق عن الدولة في إيران على الرغم من ادعائها التمسك بمنظومة القيم الزائفة!
الأخلاق لا تحتاج إلى شرطة، ولا حق للدولة في إلزام مواطنيها بالتمسك بها، وإذا وجدت هذه الشرطة فوظيفتها هنا إرشادية لا أن تعتقل وتقتل، وهو ما انتهت إليه هذه الشرطة التي حاكمت المواطنين الذين اعترضوا على وجودها، فتم إعدام بعضهم لمجرد أنهم أبدوا رأيهم في هذه الشرطة، فأي أخلاق هذه التي يحكم بها النظام الإيراني شعبه؟
إيران التي تدّعي تمسكها بالأخلاق أعدمت 4 من مواطنيها وحكمت بالإعدام على 18 آخرين، واعتقلت قرابة 14 ألف شخص لمجرد أنهم احتجوا على ممارسات هذه الشرطة التي تبحث في نيات الإيرانيين وتفرض رقابة على ملابسهم، فهي تصف خصلات الشعر المنسابة من غطاء رؤوس النساء بالفعل الفاضح الذي قد يستوجب القتل أو الاعتقال!
فأي أخلاق هذه تلك التي تدفع النظام السياسي للحفاظ على حقوق مواطنيه، فالحق في الحياة مقدم على أي قيمة أخرى يراها هذا النظام، وعلى النظام السياسي الذي يدّعي الأخلاق أن يضرب مثلاً منها لشعبة قبل أن يُحاكمه بلا أدنى أخلاق أو مسؤولية، مدعياً ارتداء ثوب الأخلاق التي غابت عن سلوكه الإجرامي!
يطالب النظام النساء بوضع قطعة قماش على رؤوسهن، بينما يقوم بقطع تلك الرؤوس عند وجود خلاف معها، وهنا يتهم المختلفين معه بالفجور، وهو لم يغفر لمهسا أميني ضعفها ولا حداثة عمرها، فخطفها ثم أرداها قتيلة أو خطف الحياة منها، مشوّهاً صورتها بادعاء تجاوزها الأخلاقي.
بحسب لائحة الموازنة للعام الإيراني المقبل، رفعت طهران حجم موازنة لجنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنسبة تقارب الـ33% مقارنة بالعام الماضي، ووصلت إلى أكثر من 76 مليار تومان أي ما يعادل 18 مليون دولار تقريباً، ورغم الحالة المعيشية المتردية للشعب وضعف العملة، إلا أن الدولة ترفع من حجم الإنفاق الحكومي على ما تراه أخلاقاً! بل تقتل المواطنين في سبيل ذلك.
تعمدت الحكومة الإيرانية إثارة الغموض حول وضع ما يُعرف بشرطة الأخلاق، بعدما أفاد مسؤول إيراني رفيع بإلغائها، وكان الهدف من وراء ذلك هو محاولة إخماد الثورة المشتعلة في الداخل الإيراني، فعندما سُئل المدعي العام محمد جعفر منتظري عن هذه الشرطة في مؤتمر صحافي، قال لقد قام بحلها من أنشأها، ولكن الحكومة الإيرانية لم تؤكد هذه الخطوة، فيما قالت وسائل إعلام محلية إن ما تفوّه به منتظري قد أُسيء تفسيره، ونحن الآن نتحدث عن طلب مقدم من الحرس الثوري الإيراني بحجب نشر موازنة هذه الشرطة.
المدقق في الأرقام المرصودة يجد أن إيران تفرغت للإنفاق على ترسانتها العسكرية وعلى فرض بعض القيم على مواطنيها من خلال شرطة الأخلاق، وأكثر ما تُركز عليه هذه الشرطة هو الملبس الذي تفرضه على كل مواطنيها من دون استثناء، ولا مراعاة للبعد العرقي أو الديني لهؤلاء المواطنين.
في الدول المتسلطة التي تستحل دماء أبنائها، يكون الحديث مطولاً عن الشرف والأمانة والأخلاق، فما بالك إذا كانت الدولة تقتل مواطنيها، لا لشيء إلا لأنها تُريد منهم أن يلتزموا زياً ترى أنه هو الزي المحتشم وما دونه يمثل العري والفجور الذي لا ترضاه الدولة لمواطنيها، فأي أخلاق تتيح للنظام قتل مواطنيه بدعوى الحفاظ عليها!
وما هو شكل الحرية، إذاً، في الدولة التي تقتل مواطنيها بأحكام هزلية وتعتقل الآلاف منهم بالأحكام نفسها لمجرد أنهم رفضوا أن يرتدوا الشادور أو أن يغطوا بعض خصلات الشعر؟ مثل هذه الدول لا حرية فيها ولا أمان لمواطنيها الذين لا يستطيعون أن يرتدوا ملابسهم بكل حرية، فتقف الشرطة على رؤوس النساء تنظر من منهن خرجت اليوم حاسرة الرأس، فما بالك بالشرطة السياسية التي تقف هي الأخرى على ألسنة العامة في كل مكان.
الدولة الدينية المتسلطة مثل إيران تنفق عشرات الملايين من الدولارات على أدوات القمع فيها، سواء على المستوى السياسي أم الأخلاقي، وتفرض رقابة على الظاهر والباطن؛ فكما تبحث عن واقع النّاس المغاير لها في السياسة، تبحث أيضاً عن باطن النّاس ونياتهم، وهذه مهمة ما اصطلح على تسميتة بشرطة الأخلاق!
ستظل الأخلاق أزمة سلوك بين إيران ومواطنيها.. دولة تُحاول أن تفرض منظومة مزيفة من القيم على الشعب المسكين، وأداتها في ذلك شرطة الأخلاق التي لا تلتزم الأخلاق في تعاملاتها مع التظاهرات السلمية، على أقل تقدير، للمطالبة بسقوط النظام السياسي هناك، ومن خلال حجم القيود المفروضة على هذا الشعب بدعوى الوطنية والثورة! وهي لا تجسد أي معان للإنسانية، فضلاً عن ادعاء الوطنية، وهي لا تمثل أي مفهوم للثورة سوى ما تفهمه إيران من الفوضى، وهذا ما يترجمه السلوك المشين للنظام.
اختزلت إيران الأخلاق بقتل معارضيها، بل وصفت هؤلاء المعارضين بأنهم من دون أخلاق، وهنا صبغت سلوكها السياسي بالأخلاق ادعاءً، فأعادت بذلك توصيف الأخلاق وتعريفها في زمن غابت فيه الأخلاق عندما قتلت النساء والمراهقين في أماكن الاحتجاز بدعوى الحفاظ على منجزات النظام الذي صعد على جماجم الإيرانيين.