سمير صالحة-تلفزيون سوريا
جاءت ردة فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خطوة زيارة السفير الأميركي جيك فليك لمرشّح الطاولة السداسية في الانتخابات الرئاسية كمال كليتشدار أوغلو قاسية جدا. “الزم حدودك والأبواب أُغلقت أمامك”. لكن رسالة أردوغان في الأصل هي للإدارة الأميركية نفسها التي تتهمها أنقرة بالتدخل في الانتخابات قبل أن تكون للسفير.
الرئيس التركي لم ينس كلام جو بايدن خلال حملات الأخير الانتخابية وهو يعلن أنه على واشنطن أن تدعم المعارضة التركية في مواجهة أردوغان حتى تستطيع مواجهته وهزيمته. لذلك رأينا أردوغان وهو يصعد ضد واشنطن بقوله “علينا في هذه الانتخابات تلقين أميركا الدرس”.
على جبهة أخرى يبدو في العلن أن التباعد في المواقف والخيارات بين روسيا والنظام السوري حيال الانتخابات التركية قائم لناحية ترجيح دمشق الحوار مع قوى المعارضة التركية التي تريد أن تراها في موقع القيادة بعد 14 أيار المقبل، خصوصا إثر تبنيها سياسة مغايرة تماما لما تقوله قيادات حزب العدالة في التعامل مع الملف السوري.
أما موسكو فهي تفضل بقاء حزب العدالة على رأس الحكم بعد كل خطوات التنسيق الثنائي والإقليمي في ملفات استراتيجية تعني البلدين. الواقع على الأرض يقول إن ما تريده موسكو هو الذي سيلتزم به النظام تماما، كما حدث في اجتماعات الطاولة الرباعية قبل أيام، حيث تخلى بشار الأسد خلال أيام فقط عن كل ما لوّح به من شروط مسبقة طالب أنقرة بتنفيذها قبل الذهاب إلى العاصمة الروسية، فوجد نفسه أمام الطاولة بقرار من بوتين لا يمكن الخروج عنه.
أرقام استطلاعات الرأي تقول إن حصة السياسة الخارجية في هذا القرار وهو في الطريق إلى الصندوق لن تتجاوز نسبة 4 بالمئة بعكس الملفات الداخلية
حتما سيكون لملف الأزمة في سوريا وارتداداتها على الداخل التركي، والعلاقات التركية مع الغرب وتحديدا مع أميركا وأوروبا، ثم خطوات الانفتاح الواسع على روسيا، وبعدها حملات مراجعة السياسات في المنطقة والتطبيع مع العديد من العواصم العربية والإقليمية سيكون لها تأثيرها على قرار الناخب التركي. لكن أرقام استطلاعات الرأي تقول إن حصة السياسة الخارجية في هذا القرار وهو في الطريق إلى الصندوق لن تتجاوز نسبة 4 بالمئة بعكس الملفات الداخلية التي سيكون لها تأثيرها المباشر على النتائج مثل كارثة الزلزال وطريقة التعامل معها، والوضع الاقتصادي والمعيشي، وبعد ذلك يأتي موضوع الحرب على الإرهاب واللجوء في تركيا ثم مسائل الحريات.
لم ينقطع تصعيد أنقرة ضد واشنطن في العامين الأخيرين بسبب خلافات ثنائية وإقليمية. الرد التركي جاء دائما عبر المزيد من الانفتاح والتنسيق مع موسكو. ما الذي ستقوله قيادات حزب العدالة في حال وصفت قيادات المعارضة التركية زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لأنقرة في هذه الآونة برسالة دعم وتنسيق للسلطة السياسية وسط هذه الأجواء؟ السؤال الأهم من ذلك هو هل يحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين احتفالات تدشين عمل المفاعل النووي “أك كويو” في مرسين في أواخر الشهر الحالي والذي شاركت موسكو في بنائه؟ وهل سيعتبر ذلك إذا ما حصل “هدية انتخابية” تقدم لحزب العدالة وقبل أسابيع من التوجه إلى الصناديق؟ وأين واشنطن من كل ذلك؟
تتمسك أنقرة بالطاولة الرباعية التي تشرف عليها موسكو وتريد من خلالها تسهيل ولادة مسار جديد في التعامل مع الملف السوري. وفد النظام في دمشق كان أول الواصلين للعاصمة الروسية. هل يعني ذلك أن موسكو ودمشق قررتا الوقوف إلى جانب حزب العدالة في العملية الانتخابية عبر منحه مواقف سياسية تزيد من فرصه بالفوز؟
يهم بوتين ربما أن يفوز أردوغان في الانتخابات لأن الحوار معه سيكون أسهل من فتح صفحة جديدة مع قوى المعارضة التي ستكون متعددة الرؤوس والأفكار والمواقف. لكن المسألة لن تتجاوز حالة التمني لأن غير ذلك قد ينعكس سلبا على مسار العلاقات التركية الروسية في حال “وقعت الفاس في الرأس” وفاز تحالف الطاولة السداسية.
حضور بوتين إلى مدينة مرسين قبل أسبوعين من الذهاب إلى الصناديق في تركيا سيتركه أمام معضلة ما بعد إعلان النتائج وسيناريو فوز المعارضة. فهل هو على استعداد لتحمل ارتدادات أزمة من هذا النوع وحيث يحتاج إلى تركيا بجانبه كمنفذ إقليمي ودولي في هذه الآونة بسبب الحرب في أوكرانيا؟
حتى ولو قيل الكثير في الداخل التركي حول محاولات خارجية للتدخل في موضوع الانتخابات فإن واشنطن وموسكو ستحاولان اعتماد سياسة حذرة في التعامل مع الموضوع وستعملان على البقاء بعيدا وخارج المشهد. عكس ذلك يعني المغامرة بتعريض علاقتهما مع تركيا لمرحلة صعبة وحرجة بعد إعلان النتائج سواء أربح أردوغان وحزبه أم فازت قوى المعارضة.
روسيا التي تبنت سياسة براغماتية عملية مع الجانب التركي منذ عقود، لن تعرض هذه السياسة لانتكاسة دبلوماسية لا تحتاجها اليوم، وهي ستأخذ بعين الاعتبار حسابات خط الرجعة في علاقتها مع المعارضة التي تملك هي الأخرى فرصة الفوز في الانتخابات.
بقدر ما سيحاول حزب العدالة تحميل واشنطن وبعض العواصم الغربية مسؤولية أي خسارة له في الانتخابات، ستتحرك قوى المعارضة التركية أيضا لتحميل موسكو والنظام في دمشق مسؤولية هزيمتها بعد شهر. وليس من مصلحة الطرفين الروسي والسوري ولا الطرفين المتنافسين في الداخل التركي بروز احتمال من هذا النوع.
قيادات العدالة والتنمية نفسها لن تدخل في مغامرة سياسية من هذا النوع عبر محاولة لعب ورقة موسكو ودمشق وهي التي تحذر واشنطن من أي تدخل في الانتخابات. ألا تعرف قيادات حزب العدالة أن مسألة تحريك أحجار روسيا والنظام السوري في مسألة الانتخابات قد ينعكس سلبا وأن لا ضمانات لأحد حول كيف سيتصرف الناخب التركي؟
يتابع الخارج عن قرب تطورات المشهد الانتخابي في تركيا لأكثر من سبب: هناك الموقع والدور التركي الإقليمي. وهناك علاقات تركيا مع دول المنطقة وتداخل الكثير من الملفات الاستراتيجية، وهناك هاجس مرحلة ما بعد الانتخابات ونتائجها وطريقة التعامل معها بالنسبة للكثير من العواصم.
مسار ونتائج هذه المرة هي الأصعب لأن ارتدادات النتيجة ستكون موجعة على الطرف الفائز بقدر ما ستكون صعبة على الطرف الرابح
وتدرك العواصم الإقليمية والدولية جيدا أنها ليست المرة الأولى التي تقف فيها قيادات حزب العدالة والتنمية بقلق وترقب أمام الصناديق. لكن مسار ونتائج هذه المرة هي الأصعب لأن ارتدادات النتيجة ستكون موجعة على الطرف الفائز بقدر ما ستكون صعبة على الطرف الرابح. لعبة التحالفات الحزبية وإرضاء الشركاء تحمل معها حالة جديدة، تعني أن العدالة والتنمية لن يكون بمفرده على كرسي الحكم بعد الآن. كما تعني أن شركاء الطاولة السداسية ستكون مهمتهم مستحيلة في حماية تقاسم النفوذ والمناصب والقرارات الداخلية والخارجية. لا أحد من الخارج يهمه أن يدخل في نقاش حساس ومعقد من هذا النوع عشية الرابع عشر من أيار.