غلوبال جستس سيريا نيوز – تحقيق – مخيم الركبان – واشنطن :
ربما يمكن تفهّم حالة التنافس الموضوعية والمشروعة بين المؤسسات والمنظمات الإنسانية السورية العاملة في الولايات المتحدة الأميركية على أساس من البحث عن مراكز متقدمة في صدارة المشهد لمن يقدّم المزيد من أجل قضية الشعب السوري، ولكن ما لا يمكن فهمه بالفعل هو تحوّل ذلك التنافس المحمول على ظهور الداعمين والمتبرعين إلى حالة من الصراع الشرس على المكاسب وادعاء النفوذ سواء في أميركا ذاتها أو في الأوساط الإقليمية المحيطة بسورية.
مشكلة أبطال قصة كسر الحصار المفروض من الروس والإيرانيين ونظام الأسد على المدنيين في مخيم الركبان، تعود إلى الالتباس الذي يشوب مصداقية التجمعّات وحقيقة كونها مؤسسات ناضجة لا مجرّد نشاطات فردية تزعم أنها منظمات وتحالفات ودرجة دقة المعلومات التي تصدّرها عن ذاتها من أنها بالفعل تقوم بدور اللوبي الضاغط على صناع القرار والمشرعين الأميركيين في الكونغوس وغيره.
ومن مظاهر هذه المشكلة أيضاً تصوّر بعض تلك الشخصيات التي تعمل على الساحة أن السوريين والمراقبين عموماً هم على درجة من السذاجة بحيث تنطلي عليهم حكاية أن المكوث طوال النهار في المؤسسات الرسمية وتلقط الأخبار ومن ثم نشرها والادعاء بأن من يقف خلف إصدار هذا القانون أو ذاك هو تحالف منظمات أو منظمة بعينها أو غير ذلك.
ومع أن السوريين رحبوا بكل تلك الجهود (الحقيقي منها والمزعوم) واعتبروها جهوداً محمودة مادامت تؤدي إلى المزيد من الضغط على الأسد والدفاع عن الشعب السوري، إلا أن عدم إيقاف الممارسات ”الخلّبية“ تسبب في تفاقمها، والامتناع عن ردع السلوك المتذبذب وغير المبدئي وغض النظر عنه لأسباب تنزيهية أدى إلى تمادي هؤلاء وتجاوزهم الحدود وصولاً إلى التلاعب بمصالح المدنيين المحاصرين ومحاولة ثني المؤسسات الأميركية عن أي جهد لا تتم نسبته إلى منظماتهم وتحالفاتهم. وهي جريمة موصوفة تستوجب التوقف عندها وتعريتها بما يلزم.
جيم ريتش: اختراق حصار النظام السوري لمخيم الركبان إنجاز هائل
مسار عمل الناشط الفلسطيني السوري معاذ مصطفى المدير التنفيذي لمنظمة الطوارئ السورية Syrian Emergency Task Force منذ اندلاع ثورة السوريين عام 2011 وحتى اليوم، لا يخفى على أحد، وكثير مما تم اتخاذه من قرارات وما اعتماده كقوانين يعود إلى أدلة وشهود قدّمهم مصطفى بنفسه عبر منظمته التي حصلت مؤخراً ممثلة بمديرها على جائزة “جيمس فولي”، الفئة الإنسانية للعام 2023 نتيجة “عمله في الشق الإنساني ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري”، كما ذكرت منظمة جيمس فولي التي بينت أثناء توزيع الجوائز، أن الجائزة “منحت لمصطفى عن مساعدته للناجين على إعادة بناء حياتهم ومنجهم الأمل في واحدة من أكثر المناطق اليائسة حول العالم”.
وأرفقت جيمس فولي تسجيلاً مصوّراً ظهر فيه دور مصطفى في ملفات “قيصر” و”حفار القبور”. حيث تم مشاهدته عدة مرّات جالسًا إلى جانب “قيصر”، في أثناء جلسات الاستماع خلال السنوات الماضية أمام الكونغرس.
خلال الأيام الماضية تمكّنت SETF ومديرها من تحقيق اختراق للمرة الأولى، عبر إدخال مساعدات إنسانية إلى مخيم الركبان بمساعدة مباشرة من الجيش الأميركي وضباطه وآلياته، ما أحدث ردود فعل احتفالية واسعة لدى السوريين، تبشّر بأن دوراً جديداً ستقوم به الولايات المتحدة في هذه المنطقة المنسية والتي تعيش ظروفاً قاسية.
ابحث عن ”قسد“ وPKK
إلا أن أحد العاملين في إدارة ما يسمى تحالف المنظمات الأميركية من أجل سورية، وهو قتيبة إدلبي، كان له رأي آخر رافض لكسر الحصار على مخيم الركبان، وهو الذي يقدّم نفسه تحت لائحة طويلة من المناصب، فهو يعمل زميلاً في مؤسسة رفيق الحريري والمجلس الأطلسي، وعضو مجلس إدارة منظمة أيمن أصفري ”مدنية“، والخبير في مركز العدالة الانتقالية، وتوصيف ريادة الأعمال للاجئين في تركيا والأردن مع بناء الأسواق، ومحلّلاً للسياسة الأمنية في تركيا وسوريا في معهد ”السياسة العالمية“، وخبيراً في تطوير تقارير الغلاف الجوي للحوكمة والأمن لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية المشتركة مع Pechter Polls ومكتب المبادرات الانتقالية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مع Caerus Associates.
ونائب رئيس منظمة People Demand Change ومهمته تقييم برامج الحوكمة وتعزيز المجتمع المدني وبناء السلام في سوريا واليمن ولبنان. وكذلك زميلاً لـ“قادة من أجل الديمقراطية‘’ في مبادرة الشراكة الشرق أوسطية في وزارة الخارجية الأمريكية، وزميل برنامج تبادل السلام لعام 2016 مع الدالاي لاما، وممثلاً سابقاً للائتلاف السوري المعارض في واشنطن، وأخيراً عضواً في طاولة الحوار التي دعت إليها سينم محمد ممثلة PKK في الولايات المتحدة في واشنطن مؤخراً.
سارع إدلبي دوناً عن بقية السوريين إلى التشكيك في عملية كسر الحصار عن مخيم الركبان، بدلاً من الترحيب بها، وشنّ حملة عنيفة ضدّ إدخال المساعدات وضد التعاون ما بين منظمة معاذ مصطفى والجيش الأميركي. وغرّد على حسابه على تويتر قائلاً ”ما قد يكون مختلفًا اليوم هو الخروج للعلن عن دور الجيش الأمريكي في إيصال المساعدات إلى الركبان، وهو ما لا تفضله وزارة الدفاع الأمريكية. بدون إقرار رسمي من قيادة عمليات المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، وتغيير في إمكانية الدخول والخروج لسكان المخيم، ليس هناك أي تغيير يذكر في وضع المخيم أو سياسة الحكومة الأمريكية تجاهه“.
والواقع أن تفسيراً أولياً لمثل هذا السلوك الذي قام به إدلبي صاحب كل تلك المناصب التي تعكس رغبته بالمشي على كل الأرصفة في نفس الوقت، ربما لا يتجاوز حدود الغيرة والتنافس على الإنجاز، دفعتاه إلى فقدان السيطرة على كلماته والظهور بمظهر المشكك بجهود معاذ مصطفى ومنظمته، وقد يكون الحرج أمام المتبرعين من أبناء الجالية السورية في أميركا وغيرها، الذين ربما يلومون مثل هؤلاء الأشخاص على تقصيرهم، ويسألونهم لماذا لم تتمكنوا أنتم من فعل هذا ونجحت به منظمة معاذ مصطفى؟ لكن هذا هو السطح فقط.
بقراءة أعمق؛ لا يمكن بأي حال فصل هذا السلوك عن توجهات إدلبي الأخيرة بالتقرّب إلى ”قسد“ وPKK وإدارته الذاتية المزعومة والخروج عن كلمة تحالف المنظمات الأميركية الذي صرّحت قيادته بأنها رفضت الاجتماع مع ممثلي التنظيم الإرهابي، بينما شارك إدلبي بعناد وكان تفسير تحالف المنظمات أنه ذهب بصفته الشخصية لا باسم التحالف، وعلى ذلك فإن دوافع سياسية مباشرة تتحكّم في محاولة إدلبي عرقلة كسر الحصار على مخيم الركبان، وكذلك التشكيك في تعاون الجيش الأميركي مع أحد آخر من السوريين غير حلفاء إدلبي في ”قسد“ وPKK.
لطالما حرصت ”قسد“ وPKK في جبل قنديل على احتكار العلاقة الوثيقة مع الأميركيين، ومنع أي طرف عربي آخر من تطوير صلته بواشنطن إلا من خلال هياكل المليليشيا الإرهابية التركية العابرة للحدود والمصنفة إرهابية حتى الآن في دوائر ووزارات الولايات المتحدة الأميركية، وما يصير ذعرها الآن هو متغيّر جديد طرحته الولايات المتحدة بدأ بتغيير شكل وإدارة جيش سورية الحرة في قاعدة التنف، وكانت ثاني خطواته كسر الحصار عن مخيم الركبان بالتعاون مع منظمة SETF مع تسريب معلومات تتحدث عن نوايا أميركية للتمدد في هذه المنطقة وعزل غرب العراق لقطع الطريق البري ما بين طهران ودمشق.
في مفترقات كهذه سيكون اتخاذ مواقف حادة أمراً واجباً على من يعلنون انحيازهم لقضايا كبيرة وعادلة مثل قضية الشعب السوري، أمام من يفهمون البرغماتية رقصاً مع كل أنواع الشياطين من أجل الغايات، وهنا تصبح الغايات مختلطة ملتبسة مجدداً، بين المصلحي الفردي والوظيفي التي يأتمر بتعلميات من جهات تمكنت من شرائه ليؤدي أدواراً محددة عند اللزوم.
ردود فعل مرحّبة
الدكتور بكر غبيس رئيس منظمة“مواطنون لأجل أمريكا آمنه C4SSA“ علق على ما كتبه إدلبي على حسابه في تويتر بالقول ”أحاول أن أرى الفائدة من هذه الأفكار لكن لم أستطع. كل الجهود لفك الحصار عن مخيم الركبان مرحّب بها، إلا إذا صرّح قاطنو المخيم بأنهم ليسوا بحاجة لهذه الجهود“!.
Fantastic news that @syrianetf have made 1st aid delivery to Rukban in 8 years. Vital humanitarian supplies included food, seeds & school equipment for the 1000 children in the camp. Syrian regime must permit continuous, secure humanitarian aid access to Rukban camp. https://t.co/54k7TWbFKt
— Ann Snow (@UKSyriaRep) June 22, 2023
وكتبت نائب رئيس منظمة ”غلوبال جستس“ ميساء قباني تنتقد التشكيك بكسر حصار الركبان وجهود معاذ مصطفى ومنظمته، فيما عبّرت المبعوثة البريطانية إلى الملف السوري السفيرة، آن سنو، عن سعادتها بنجاح منظمة SETF بكسر الحصار وغرّدت قائلة ”خبر رائع أن SETF قد قامت بتسليم أول مساعدات للركبان خلال 8 سنوات. تضمنت الإمدادات الإنسانية الحيوية الغذاء والبذور والمعدات المدرسية لألف طفل في المخيم. يجب أن يسمح النظام السوري بوصول المساعدات الإنسانية بشكل مستمر وآمن إلى مخيم الركبان“.
بينما شاركت قناة ”الميادين“ الإيرانية إدلبي انتقاداته لكسر الحصار على مخيم الركبان وكتبت بالحرف ”مصادر الميادين: واشنطن لا تريد تفكيك مخيم الركبان حفاظاً على وجودها في التنف“.
وأضافت إن مصادر ”الميادين“ أكدت أن “المساعدات المذكورة ستكون آنية، ولن تغير واقع الحال والتدهور المستمر للأوضاع المعيشية والإنسانية للقاطنين في المخيم“.
ونقلت CNN عن المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية النقيب أبيغيل هاموك، في بيان مكتوب أُرسل إلى CNN قوله “يتم نقل المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات غير الحكومية على أساس المساحة المتاحة ولن يؤثر أو يحول الموارد من عملية العزم الصلب“.
أما معاذ مصطفى فقال لموقع ”غلوبال جستس سيريا نيوز“ في تصريحات خاصة أن هدفه كما كان منذ العام 2011 هو مساعدة السوريين على تحقيق طموحاتهم، المشروعة بالحياة الكريمة والحرية والديموقراطية“، وأضاف أنه وكافة أفراد منظمته لا يزالون عند تلك اللحظة النقية ولم يتغيّر أي شيء بالنسبة إليهم، فهم ما زالوا مصرين على التخلص من الأسد وبدء مستقل جديد لسورية والسوريين، وأوضح مصطفى أن تعاونه مع الجيش الأميركي مكّن من كسر حصار خانق طويل الأمد على أكثر من 8000 سوري وسورية يعيشون في ظرف مأساوية دون أي خدمات.
وعن محاولات عرقلة جهود منظمته في المضي قدماً نحو المزيد من كسر الحصار على الركبان ودعم الملف السوري في الأوساط الأميركية والدولية، علّق مصطفى بالقول إن هذا لن يؤثر على عزيمتنا، وأنه يتفهّم أن هناك دوافع وراء ذلك لا تمت بصلة لمصلحة السوريين ولا الولايات المتحدة، وأنه مع ذلك منفتح على التعاون مع كافة المنظمات الأميركية السورية في حال حرصت على مأسسة عملها واعتماد الشفافية والسياسات الواضحة التي من شأنها أن تحقق أهداف الجميع.
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز كبرى الصحف الأميركية إن إحدى مجموعات المساعدة السورية الأمريكية عملت لسنوات لإيجاد طريقة للتخفيف من محنتهم. في الأيام الأخيرة ، وأضافت “أرسلت المجموعة الموجة الأولى من الإمدادات التي تشتد الحاجة إليها بمساعدة توفير عسكري غامض للولايات المتحدة يُعرف باسم برنامج دينتون. ونقلت الصحيفة عن معاذ مصطفى قوله: “لا يوجد باب لم نحاول طرقه” في محاولة إيصال المساعدات إلى المخيم. وأضاف: “كنا نصرخ بأعلى صوتنا على كل من كان متواطئًا في عدم تقديم المساعدة لهؤلاء الأشخاص العالقين في وسط الصحراء”. “لقد ذهبنا إلى وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتحدثنا إلى الأمم المتحدة”.
نجاح بوضع سورية على برنامج دينتون
وكانت المنظمة السورية للطوارئ قد شكرت وزارة الدفاع الأميركية التي قدمت دعمها عبر عملية “العزم الصلب“ وأن نجاح المنظمة كان بالحصول على موافقة واشنطن بإضافة على لائحة دينتون وهي لم تكن موجودة سابقاً، علماً أن برنامج دينتون ينقل المساعدات فقط من امريكا ولكن استطاعت المنظمة ان تحصل على استثناء باستخدام مناطق أخرى في العراق لثقتهم بعملها. الأمر الذي يتيح نقل المساعدات إلى مخيم الركبان من خلال برنامج دينتون على متن الطائرات العسكرية الأميركية التي تسافر بالفعل إلى قاعدة التنف كجزء من العمليات الجارية. وسيجري تسليم المساعدات من قبل المنظمة السورية للطوارئ إلى قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار ثم إلى قاعدة التنف حيث سيعمل طاقم المنظمة السورية للطوارئ في المخيم على توزيع المساعدات على المدنيين في المخيم.
يذكر أن برنامج دينتون يسمح للمواطنين الأميركيين والمنظمات الخاصة باستخدام المساحة المتاحة على طائرات الشحن العسكرية الأميركية لنقل البضائع الإنسانية إلى البلدان المحتاجة، لتشمل المعدات الزراعي والملابس والمستلزمات التعليمية والمواد الغذائية والإمدادات الطبية والمركبات، وتشرف على البرنامج كل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ووزارة الخارجية، ووكالة التعاون الأمني الدفاعي ووزارة الدفاع.
إن هذا الانجاز يبرهن على أن تطبيع بعض الدول العربية مع مجرم الحرب بشار الأسد لن يثني السوريين عن الاستمرار في النضال لنيل حقوقهم، وها هم استطاعوا تجاوز كسر ”سيادة“ هذا النظام وحلفائه روسيا وايران على الأرض السورية لإدخال المساعدات باستثناء امريكي وهذا بحد ذاته انجاز على السوريين أن يفخروا به.