الباحث صالح الحموي
مركز كاندل
مقدّمة:
من الواضح أن الاستراتيجية الأمريكية في سورية هي استنزاف جميع الأطراف المتنازعة والمتقاتلة كونها كلّها تشترك في العداء لها، وهي: (النظام السوري – إيران وأذرعها – داعش – فصائل الثورة السنيّة)، إلّا أنّ تصاعد هجمات الميليشيات الإيرانيّة ضدّ القواعد الأمريكيّة، وفشل مشروع قسد بفرضه على المعاضة السوريّة، وانتهاء المعارك مع تنظيم داعش بعد السيطرة على آخر معاقله في “هجين” بريف دير الزور، وخرق قواعد الاشتباك بين روسيا وأمريكا في سورية جعلت أمريكا تعيد النظر في استراتيجيتها هذه وتقتنع أنّ تكلفة مواجهة الميليشيات الإيرانيّة أقل من تكلفة احتوائها واستنزافها، وسنستعرض في هذه الورقة المشروع الأمريكي لتشكيل حزام سنّي عشائري في سورية، ثمّ يتبعه امتداد له في العراق لتقويض نفوذ إيران وقطع شريانها البرّي من طهران إلى بيروت.
التعلّم من أخطاء العراق:
يعترف كبار القادة والاستراتيجيين الأمريكيين بأنّهم قد اخطؤوا في العراق عندما وضعوا كلّ ثقلهم في سلة الشيعة فسقط العراق في حضن إيران من جهة، وأدّت مظلومية السنة من الشيعة إلى خروج تنظيم داعش، لذلك يتجه الأمريكان إلى تصحيح هذا الخطأ في سورية بحيث يتجنّبون وضع كلّ ثقلهم ودعمهم لمكوّن عرقي أو مذهبي واحد وهو المكون الكردي، لذا أسّسوا ما يُعرف بقسد التي ضمّت مكوّنات عربية مع المكوّن الكردي، لكن لم تنجح هذه المظلة الجديدة إذ مازال المكوّن الكردي ضمن قسد هو المهيمن والمسيطر، وبيده المال، والسطوة، والقوة ويسيطر على المراكز القيادية في الدرجة الأولى، رغم أن حوالي 70 % من عناصر قسد هم من المكون العربي.
وبدأت أمريكا تستشعر الخطر بعد تزايد مظلومية العرب من المكوّن الكردي في قسد وفرض التجنيد الإجباري، وخطف البنات للجندية، وإلغاء المدارس الخاصّة التي كانت تُدَرِّس في اللغة العربية، وهيمنة جناح كبير داخل قسد يتبع لحزب الـpkk الذي تربطه علاقة وثيقة بإيران والنّظام وعلى رأسهم “جميل بايك” واستغلال تركيا لهذا الأمر وتهديدها المتكرّر بقيام عمليّات عسكريّة ضدّ قسد وتقويض سيطرتها ونفوذها دفع القيادة الأمريكية في التفكير جديّاً بتشكيل قوّة سنيّة عشائرية موازية لقسد.
قاعدة التنف:
منذ تأسيس قاعدة التنف في أواخر عام 2015، كان الهدف المُعلن هو محاربة تنظيم الدولة، إلّا أنّ تواجدها على مثلّث الحدود العراقية الأردنية السوريّة، ووجود قوّات متعدّدة للتحالف فيها أمريكية وبريطانية وفرنسية (سابقاً) يؤكّد أنّ الهدف منها ليس فقط محاربة تنظيم داعش وشبكات المخدرات، بل كي تبقى عقدة لعرقلة مشروع إيران بالهيمنة على البادية السورية من جهة، ولاستخدامها قاعدة انطلاق لعمليات مستقبلا لتقويض النفوذ الروسي وتغيير معادلات الصراع كما سنشرح آنفاً.
المشروع الأمريكي الجديد:
ملامح المشروع الأمريكي الجديد القديم (المشروع طُرح عام 2020 أول مرّة) هو تشكيل قوّة عشائرية عربيّة سنيّة من التشكيلات العربيّة المكوّنة مع قسد وإضافة تشكيلات عشائرية جديدة، والقيام بربط وتنسيق عالٍ مع قاعدة التنف ثمّ البدء بعملية عسكريّة تضبط الحدود العراقية – السورية تنطلق من بادية البوكمال والسيطرة على مدينة البوكمال الحدودية حتى قاعدة التنف.
دوافع وأسباب المشروع:
تزايد هجمات الميليشيات الإيرانية بطائرات الدرونز والصواريخ على القواعد الأمريكية وأخطرها الهجوم على قاعدة خراب الجير في الحسكة في شهر نيسان والتي أدّت إلى مقتل متعاقد أمريكي في القاعدة هناك.
اكتشاف مخطّط إيراني للهجوم على القواعد الأمريكية في سورية بالتنسيق مع حزب الله لإجبار القوّات الأمريكية على الخروج من سورية، وهذا المخطط كشفته صحيفة الواشنطن بوست.
الهجوم الاخير بطائرات درونز الإيرانية على قاعدة التنف انطلاقاً من الحدود العراقية السورية، وإحداث خسائر ماديّة وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف الفصائل السوريّة العاملة في التنف (جيش مغاوير الثورة).
زيادة التعاون العسكري بين إيران وروسيا في أوكرانيا بالإضافة إلى تشجيع روسيا الميليشيات الإيرانية لزيادة هجماتها ضدّ القوّات الأمريكيّة في قاعدة التنف والقواعد في دير الزور والحسكة.
استنفاذ مشروع قسد وعدم قابليته للاستمرار خاصّةً في محافظتي دير الزور والرقّة، وتزايد النُقمة العشائرية العربيّة على قسد لاضطهادها المكوّن العربي، وهيمنتها على النفط واشتداد المظاهرات العشائرية المتكرّرة ضدّ قسد خاصّة في دير الزور.
أهداف المشروع:
يتمثّل الهدف الأول للمشروع بقطع الشريان البرّي بين طهران وبيروت عبر السيطرة على الحدود العراقية السورية، ثمّ يأتي بعد ذلك هدف ربط قاعدة التنف مع القوّات الحليفة لأمريكا التي ستتشكّل من العشائر العربية، وهذا يشكّل عامل ضغط على قسد التي ترفض التوسعة في العمل العسكري ضدّ الميليشيات الإيرانية والنظام بسبب هيمنة جناح موالي لإيران داخل قيادة قسد كما ذكرنا سابقاً.
بعد ذلك سيتم توسعة المشروع حتى يشمل خط الطبقة – السخنة، حيث إنّ روسيا بعد علمها بجديّة أمريكا بهذا المشروع طلبت عدم الاقتراب من منطقة تدمر إلى الداخل السوري لأنّها منطقة نفوذ روسية بحتة.
الأهداف البعيدة:
الأهداف البعيدة للمشروع الأمريكي تتمثّل بحل مُرضٍ لجميع الأطراف الفاعلة في الصراع، فتركيا ستستفيد من هذا المشروع من خلال إضعاف نفوذ قسد وإضعاف سيطرتها على منابع النفط عبر بروز القوّة العشائريّة العربيّة، وإسرائيل تكون حقّقت هدفها بقطع أذرع إيران البريّة، كذلك تركيا ستستفيد من وصل الطريق التجاري بينها وبين الأردن عبر حزام هذه المنطقة.
ويبدو أن تركية ضالعة في هذا المشروع وإذا ما نجح هذا المشروع قد يُشكّل نواة لتوحيد المنطقة بين نبع السلام ودرع الفرات، وهذه المنطقة ثمّ إدلب لاحقاً، وهكذا تصبح القوّات الخارجة عن سيطرة النظام وإيران تمثّل 50% من خريطة سورية، إضافةً إلى ثقل الاقتصاد والثروة والغذاء في هذه المناطق (شمال شرق سورية )، وهذا ما يجبر روسيا على التفاوض والتنازل عن بشار الأسد، وتطبيق قرار 2254 وهذا هو الهدف الغائي للمشروع الأمريكي.
عوائق المشروع:
العائق الأول بالنسبة لأمريكا هو: الخشية من حدوث صدام جوّي مع روسيا، خاصّةً بعد تكرار الاستفزازات الروسيّة فوق قاعدة التنف، كما صرّح قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأميركية.
أمّا العائق الثاني وهو: قلة عدد المقاتلين، فبعد لقاء الأمريكان مع قائد قوات الصناديد “حميدة الجربا” قام بإرسال 1500 مقاتل من محافظة الحسكة إلى دير الزوروهذا يدل على جديّة المشروع الأمريكي، في حين لا يتجاوز عدد قوات لواء ثوار الرقة (أحمد علوش أبو عيسى) أكثر من 1000 مقاتل، أمّا المجلس العسكري بدير الزور والتي تعمل أمريكا على إعادة هيكلته وعزل “أحمد الخبيل” وتعيين قائداً جديداً له فقد يصل عدده إلى 1500 مقاتل.
أمّا قوّات التنف فلا يتجاوز عدد المقاتلين فيها جميعاً من جميع التشكيلات وهي: جيش سورية الحرة، لواء شهداء القريتين سوى 2500 مقاتل، حيث لم يتم الموافقة بعد على ضم تجمّع “الشهيد أحمد العبدو” و”أسود الشرقية” حتى الآن واللذين يُشكّل عددهم حوالي 1000 مقاتل.
بالإضافة إلى أنّ هناك عوائق لوجستية مازالت قيد البحث عند القيادة العسكرية الأمريكية مثل: هل يتم السيطرة على مطار دير الزور العسكري، أم الاكتفاء بمدينة البوكمال والميادين حالياً؟ كون مطار دير الزور العسكري يُشكّل نقطة انطلاق للتجسّس ضدّ إيران في المستقبل وقادر على استقبال طائرات الإمداد الثقيلة الأمريكية.
هناك فريق داخل الإدارة الأمريكية يدعم توسعة المشروع حتى يصل إلى منطقة الطبقة والسخنة، ويرى أنّ روسيا ليس لها مصالح حيوية في هذه المنطقة فمصالحها تمتد من تدمر حتى الساحل، بينما يرى فريق آخر الاكتفاء بالسيطرة على مدينة البوكمال والميادين والحدود العراقية – السورية حالياً حتى يتم تجهيز قوّات إضافيّة، ويروا ردة فعل الروس بعد هذه العملية، الفريق الاول يرى أنّ السيطرة على المنطقة من الحدود حتى الطبقة والسخنة مع تشكيل هذه القوى العشائرية السنية يصب في تحقيق الهدف الاستراتيجي الأمريكي، والذي قد يشمل تشكيل قوّة عشائرية عراقية سنية تمتد من الرمادي حتى الموصل، وهذا الأمر الذي ذكرناه يندرج تحت سياق تصحيح الخطأ الأمريكي بوضع ثقلها في سلّة واحدة (الكرد في سورية والشيعة في العراق).
توصيات:
لم يعد السؤال أمريكا هل ستبدأ هذا المشروع أم لا، بل السؤال متى سينطلق هذا المشروع؟ وهناك عدّة دلائل على جديّة أمريكا في هذا المشروع نستعرض أبرزها:
لقاء المبعوث الأمريكي “نيكولاس غرينجر” بتاريخ 8 أيار مع فصائل العشائر العربيّة في مدينة الطبقة.
لقاء القوّات الأمريكية مع الشيخ “رافع الحران” من قبيلة شمّر العربية عند معبر اليعربيّة.
إقامة القوّات الأمريكية نقاط جديدة على الحدود السورية العراقية وصلت في مجموعها إلى 25 نقطة وفق وكالة الأناضول.
لقاء القوات الأمريكية مع قائد ثوار الرقة أبو عيسى وتوزيعهم مبالغ مالية على عناصره، وهذه تحدث أول مرّة منذ تشكيل قسد 2015.
زيارة الوفد الهندسي العسكري لجسر مدينة الميادين، ورفع الجاهزية القتالية في قاعدة التنف وإنشاء غرفة عمليات عسكرية مع الصناديد ولواء ثوار الرقة، وقدوم F22 رابتور هو لدعم هذه العملية.
وفقا لهذه الجديّة الأمريكية نوصي بما يلي:
الانخراط في هذا المشروع من قِبل جميع الفاعلين السوريين وتحديداً العسكريين.
القيام بفتح قناة تواصل مباشرة بين قاعدة التنف والفصائل في الشمال السوري خاصّة من أبناء المنطقة الشرقية.
دخول تركيا بقوة في هذا المشروع حتى لا تقع بخطأ عام 2015 عندما رفضت مشاركة قوّات من الفصائل في الشمال بتحرير محافظة دير الزور والرقة من داعش وهذا ما أدّى إلى سقوط المدينتين تحت قبضة قسد.
تشكيل قوّة عشائرية من فصائل المناطق الشرقية وحركة التحرير والبناء بعيداً عن هذه الحركة تجنباً لأي حرج أمريكي كون هناك تشكيلات من حركة التحرير والبناء مازالت على تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية.
تقديم دعم مالي (رواتب) لفصيلي تجمع أحمد العبدو وأسود الشرقية ريثما يتم ضمّهم بشكل رسمي إلى قوات التحالف في قاعدة التنف.
العمل على استقطاب المقاتلين الذين تسربّوا للمنطقة الجنوبية وقسم منهم يقيم في مخيّم الركبان وقسم داخل الأردن.
خاتمة:
أي عمليّة عسكريّة تؤدّي إلى تحرير مناطق جديدة من قبضة النظام السوري هو تقويض للنفوذ الروسي وحدّ من هيمنة إيران وتوسعة لمساحة الأخضر على الأحمر في الخرائط، وبالتالي زيادة نفوذ الثورة بالإضافة إلى إفشال مشروع التطبيع العربي مع النظام الذي سيظهر بمظهر الفاقد للسيطرة على مزيد من الأراضي والسيادة، كذلك هذا المشروع يمكن البناء عليه بتشكيل منطقة حزام في المنطقة الجنوبية (درعا والسويداء) بدعم من الأردن تحت ذريعة مكافحة المخدرات، وهذا سيشكّل عامل ضغط هائل على النظام السوري وروسيا للرضوخ لتطبيق قرار 2254 وتشكيل هيئة حكم انتقالي، كما سيساهم هذا المشروع في تفكيك منظومة قسد تدريجياً وإفشال المشروع الانفصالي عبر إبراز هذه القوّة العشائريّة السنيّة، والتي ستتولّى مهام قتال داعش والميليشيات الإيرانيّة، أي ستكون بديلاً عن قسد.