لم يفارق كثيرٌ من السوريين ذلك الوهم المسيطر على عقولهم، والذي نشأ عن عبادة شخصية الرئيس والتعلّق به، سواء كان ظالماً أو عادلاً، فقد اعتادوا لعشرات السنين على أن الرئيس، أي رئيس، إنما هو ذات عليا متصلة بالقضاء والقدر، وليس موظفاً لديه مهام محددة من جهة، ومن جهة أخرى يجب أن يخاطب وفقاً لخطط وبرامج محددة.
مازال بعض المشتغلين في الشأن العام، ينظر إلى مقابلة رؤساء الدول على أنها “إنجاز”، ومن هنا فشلت كل الفرص الهامة التي مثلتها تلك اللقاءات، وبدلاً من أن تكون اجتماعات عمل، ظهرت وكأنها مجرّد مناسبة لالتقاط الصور والمتاجرة بها إعلامياً.
إن لقاء سوي بأي رئيس دولة معنيّة بالشأن السوري هو لقاء عمل، لا لقاء “بزنس سياسي” ومناسبة لتقديم أوراق وخرائط طريق للحل في سورية، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن. فتكرّرت اللقاءات وقلّت الإنجازات.
ومنذ لقاء سوريين بالرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في البيت الأبيض، تتالت مثل هذه الصور وتلاشى أصحابها مع الوقت من غير أن تقدّم لقاءاتهم شيئاِ يُذكر. بعد ذلك جاء الرئيس دونالد ترامب، وجرى الحديث عن لقاء ينتج عنه وعد بحماية إدلب، لكن إدلب ما زالت تُقصف حتى اليوم، وقبل وصول الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدين، كان يطير إلى العواصم ويلتقي بشخصيات المعارضة ولكن لم يتسلّم منهم أي ورقة ذات قيمة أو حتى رؤية بسيطة من سطور قليلة توضح لشخصية بهذا الحجم ما الذي يريده السوريون، أو تشرح ما يعانونه بالفعل على يد بشار الأسد أو العصابات الإرهابية العنصرية بقيادة PKK أو نظرائها من التنظيمات المتطرفة في الجغرافيا السورية.
قابل شباب وناشطون ورجال أعمال خلال السنوات الماضية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتقطوا معه صور السيلفي، وتبادلوا معه العواطف والابتسامات، ولم يخرج من أي لقاء له بهم بصيغة نافعة، وهو رجل إدارة من الطراز الأول ولا يقتنع بالمجاملات وبالحديث الشفوي عن قضايا يمكن حلّها مع موظفين أقل مرتبة من رئيس جمهورية، فأي صورة يقدّم هؤلاء عن السوريين؟ يجب على ذلك وجه الرئيس أردوغان ذاته في الصور ذاتها، الذي يعبّر عن عدم تقديره لمثل هذا النشاط غير المهني من أناس يمارسون “التشاطر” وعلى من؟
سنحت فرص كثيرة للقاء زعماء فرنسا ودول أوروبا الهامة والعالم العربي، وبقينا نشكو من أن العالم لا يفهم حقيقة معاناة السوريين وطبيعة قضيتهم. وما زال الأوروبيون والعرب يترددون بدعم الثورة السورية لأنهم يعتقدون أن قياداتها متطرفة دينياً وأنها لن تكون حليفاً يؤمن بحقوق الإنسان أو يمكن الاتفاق معه على أمن الشرق الأوسط. وأنها ليست مؤهلة لحكم دولة بأهمية سورية ومكانتها في الإقليم.
تتكرّر حمى التسابق على لقاء الرؤساء من أجل نشر صورة، ومن أجل تسويق لا يسمن ولا يغني من جوع. والمشكلة أن الرؤساء أنفسهم يعرفون هذا ويسخرون منه، ويتعاملون معه على أنه متأتٍ من مراهقة سياسية “يتمتّع” بعض السوريين.
إذا كان للمشتغلين في السياسة من السوريين من صفة مميّزة، فهي قدرتهم الرهيبة على إهدار الفرص، واستخفافهم بما يقدّمه لهم شعبهم من تضحيات هي التي تفتح لهم أبواب مكاتب الرؤساء، وليس العكس.
إن صمود الشعب السوري في كل مكان، وإصراره على مواصلة ثورته ومطالبه، هو بساط الريح الذي يقف عليه سياسيو المعارضة السورية، وحين يتجاهلون ذلك سوف يسحب الشعب هذا البساط من تحتهم، فيقعون في هاوية سحيقة.
ولا ندري حتى متى يواصل أناس درسوا في جامعات العالم واحتكوا بأحدث العقول وصنّاع السياسات مثل هذا السلوك المتظاهر الفارغ الذي يدفعون من أجله، في سياق حملات العلاقات العامة، أموالاً هي من حق الشعب وثمناً لتضحياته، ويواصلون مزاعمهم عن تحقيق إنجازات حققها غيرهم، ثمّ يدسّون رؤوسهم في التراب مثل النعام، لكن الشعب يراهم جيداً ويسخر منهم هو الآخر، ولن يسامحهم على ذلك لا اليوم ولا غداً.