مبارك المطوع
نائب رئيس اتحاد القانونيين الدوليين
لم تكن جريمة حرق نسخة من المصحف الشريف في السويد على يد متطرف مسيحي عراقي مشارك بارتكاب جرائم حرب في العراق ،الجريمة الأولى من هذا النوع ويبدو أنّها لن تكون الأخيرة، كما أن عمليات سحب الأطفال من أسرهم المسلمة في السويد وغيرها أصبحت حدثًا معتادًا، وبين هذا وذاك تستمر العنصرية الفرنسية تجاه الإسلام ومنها قرار منع الطالبات المسلمات من ارتداء العباءة في المدارس.
كل هذه الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون تحدث في بلاد تدعي أنها بلاد الحريات وحقوق الإنسان، واحترام العقائد والأديان، ولعلهم صادقون بذلك فكل العقائد تحترم في الغرب ولا أحد يتدخل بها ولا تسمع أحدًا يقول إنها تشكل خطرًا على العلمانية والحضارة الغربية إلا الإسلام فهو دائم التعرض للهجوم ،سواء عبر وسائل الإعلام التي تصنع الرأي العام وتوجهه حسب ما تريد أو من خلال مسؤولين سياسيين مهمين في تلك الدول.
لماذا المصحف الشريف ؟
القرآن الكريم ،كتاب الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو إلى جانب قداسته عند المسلمين المصدر الأول للتشريع، والمسلمون لا يقدسون القرآن الكريم فحسب بل لا يكتمل الإيمان عندهم إلا بالإيمان بالكتب الإلهية كافة ،تلك الكتب التي نزلت على رسل سبقوا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك لاتجد مسلمًا ينتقص التوراة أو الانجيل أو الزبور، ولا يسب أو ينتقص نبيًا أو رسولًا من رسل الله ، فالإيمان بهم أحد أركان الإيمان عند المسلمين، وهو لا يذكرون نبيًا إلا وقالوا عليه السلام، ولهذا أراد المتطرفون في الغرب أن يكون لدى المسلمين ردة فعل على حرق المصحف بأن يقوم مسلم بحرق الانجيل أو التوراة، وهذا أمر يؤدي لصراع ديني لا ينتهي أبدًا.
لقد صور المتطرفون في الغرب ،وأشياعهم في الأحزاب اليمينية المتطرفة ، وأصحاب الخطاب الشعبوي أن الإسلام دين إرهاب وقتل ، وأن هذه الأفكار مصدرها القرآن الكريم، وأمام غياب تام في الغرب بالاعتراف بالدين الإسلامي ، كذلك موقف الكنائس بعدم الاعتراف بالدين الإسلامي ونبيه الكريم قد ساهم بتكوين صورة سلبية عن الإسلام في الذهنية الغربية، وقد لعب الإعلام دورًا كبيرًا في ريط الإرهاب بالإسلام ، ما شكّل عند المواطن الغربي صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين، وهذه الأمور لم تأت عبثًا ، بل كان المقصود منها تشويه الإسلام حتى لا يشكل جاذبًا للمواطن الغربي الذي يعاني من فراع روحي كبير نتيجة الغرق في الماديات ،والموقف السلبي من الدين بشكل عام نتيجة ما تحمله الذاكرة الأوربية من سيطرة الكنيسة على الدولة وتحكم رجال الدين بالمجتمع .
الواجبات التي تقع على المسلمين
توصف الدول الأوربية بشكل عام أنها دول قانون ،وهذا أمر لا شك فيه، وهي دول تعتمد مبدأ فصل السلطات مما يعطي القضاء قوة ومهابة حيث لا يخضع لسلطة الحاكم بل العكس، وقرارته ملزمة، ولاشك أيضًا أن دساتير تلك الدول تحترم الإنسان وتمنع امتهان كرامته وتجرّم العنصرية ، ولا تسمح بأن يعامل الإنسان فيها على أساس اللون أو العرق أو الدين، وهذه ميزات تصبّ في مصلحة المسلمين في عدة أمور سواء في الحياة العامة وهذا ما لمسه اللاجئون المسلمون في أوربا، أو في الحفاظ على دينهم حيث حرية الاعتقاد كما تكفلها الدساتير الأوربية، ويبقى أمر مهم في ظل ما يحصل وذكرناه آنفًا هو التحرك القانوني تجاه ما يتعرض له المسلمون سواء المساس بالرموز الدينية أو ما تقوم به مؤسسات السوسيال في السويد أو اليوغند آمت في ألمانيا بسحب الأطفال المسلمين من ذويهم تحت ذرائع شتى ما يؤدي إلى تغيير عقدي وأخلاقي لدى الأطفال ،حيث يعيش الأطفال في بيئة مغايرة لبيئتهم
بعيدًا عن أسرهم المسلمة بما تحمله من تقاليد وقيم إسلامية . فالسلبية التي يواجه المسلمون بها ما يحصل لا تختلف عن الخطاب المتشنج الذي يصدر من هنا وهناك، ففي الحالتين يغيب الفعل، فالمسلمون هنا قادرون بما لديهم من إمكانات من الالتجاء للقانون في استصدار قرار ملزم للدول الأوربية بمنع المساس بالرموز الإسلامية ومحاكمة من يقوم بذلك ، لاسيما أن ثمة قرار قد صدر عن المحكمة الأوربية باعتبار أن الإساءة لنبي الإسلام ليست حرية تعبير، وبالتالي يمكن الاستناد إلى هذا القرار وسواه في منع الاساءات المتكررة للإسلام ، كذلك العمل على إعادة الأطفال الذين تم سحبهم من ذويهم وإيجاد طرق أكثر نجاعة في معالجة مشكلات الأسر المسلمة في الغرب، وهذا يقع على عاتق الجمعيات الإسلامية هناك في تعريف الأسر بطبيعة قوانين الأسرة المختلفة تمامًا عن القوانين المعمول بها في الدول العربية والإسلامية .