صبا مدور – موقع المدن
ليس للقضية السورية حلٌ سحريٌ، وهي بالتأكيد فيها من التعقيد ما يتجاوز أزمات كثيرة في المنطقة والعالم، لكن مشكلتها اليوم أنها لا تتوفر على أجندة حل أو خريطة طريق، أو حتى مرجعية دولية مقبولة بعيداً عن الأمم المتحدة العاجزة عن فعل أي شيء.
نشهد اليوم حواراً غير معلن بين الولايات المتحدة والسعودية يهدف إلى إنجاز التطبيع بين إسرائيل والسعودية، مع إبرام معاهدة دفاعية تؤمن منطقة الخليج من أي خطر إيراني، وتتضمن تعهدات بتدخل أمريكي عسكري على غرار ما حصل عام 1991 في حرب تحرير الكويت. ومثل هذه المقاربة يمكن حسب مؤيديها أن تحقق قدراً من تثبيت الأمن في المنطقة، وتفرض قدرا من الردع ضد الخطر الإيراني.
لكن وسط هذا الحراك لا نجد تداركاً لثغرة جوهرية في النظام الأمني العربي، تتمثل في الرمال السورية الرخوة، التي أتاحت لإيران أن تتوغل وتثبت قواعدها ومصالحها، وكذلك روسيا وربما الصين لاحقا، هذا فضلاً عن ميليشيات وقوى متعددة وأجهزة مخابرات وقوات عسكرية تتصارع على الموقع الجيوسياسي والموارد، من دون أن يبدو أن هناك حلاً أو بوادر لانتقال سياسي حقيقي، أو حتى ملامح يمكن الركون لها أو تطويرها.
لا يبدو منطقيا أن تبحث المنطقة عن الأمن فيما يظل النزيف السوري مفتوحاً، ولن يكون واقعياً أن يجري العمل لتحقيق تسوية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فيما تقوم إيران بمراكمة القوة في الجوار في لبنان وسوريا والعراق وعند مدخل البحر الأحمر في اليمن، وهو ما يجعل من أي تسويات مفترضة، ناقصة بشكل خطير ومحاطة بتهديد جاثم من شتى الجهات.
النظام الأمني يستلزم تأمين المجال الحيوي للإقليم لا الاكتفاء بتأمين التراب الوطني بقوى كبرى، لذلك فوجود إيران في مناطق حاكمة في الاقليم سيظل يمثل تهديداً مباشراً للخليج، لن يتخذ طابعاً عسكرياً بالضرورة، وسيظل سبباً للتوتر والتصعيد واستنزاف القوة والجهد لدول تضع التنمية في المقام الأول من أولوياتها.
لقد بنت إيران قواعد عسكرية ومخابراتية في سوريا، بل أنها عملت بقوة وما زالت لتغيير البنية الديموغرافية للبلاد، وتوغلت في قلب الحواضر الكبرى، واخترقت النظام الاجتماعي والقبلي والاقتصادي، مستغلة الفراغ الحضور القاسي لأي جهد عربي حقيقي، يمكن أن يمثل عوائق جدية لمخطط (تفريس) علني وواسع النطاق، حتى تحولت سوريا من دولة محورية في النظام الامني العربي والاقليمي إلى عنصر مهدد له.
وابتداء من مراكز ثقافية إيرانية في حلب ودير الزور وسواهما، يستقطب الطلبة، وينشر رؤية طهران، ويقدم (خدمات) رخيصة التكاليف بما فيها تعليم الفارسية، إلى بناء حسينيات ومراكز (دينية) لنشر التشيع أو ثقافته، إلى قيام الحرس الثوري بالسيطرة على منازل السكان وتسجيلها بأسماء عناصره، وصولا إلى حمص ودمشق ومدن الساحل، وجميعها تشكو الحاجة، والفقر، وضعف الدولة، وتواطؤ مؤسسات النظام، وسيطرة الميليشيات والشبيحة، حتى يكاد ابتلاع إيران لسوريا، يتحول إلى سلوك نمطي يجري أمام اعيننا دون رادع.
والثابت هنا، إن إيران تحقق نجاحا في سوريا، لن يوفر فرصة لضرب أي محاولة لتأسيس نظام أمني متكامل، وحتى خطط التحالف الدفاعي مع الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن مواجهة أنماط التغيير الثقافية والطائفية والديموغرافية، وما سيترتب عليها من تداعيات خطيرة، ستجرد الأمن المفترض للمنطقة من معناه الحقيقي.
الخلاصة، أنه بدون إنهاء الوجود الإيراني في سوريا سيظل التهديد قائماً للإقليم، وسيكون تجنيد عملاء وجواسيس وتنظيم اختراقات للبنى الأمنية والاجتماعية لدول المنطقة قائما ومباشرا، ولا يمكن تجنبه بغير ايجاد حل حقيقي وناجز للقضية السورية تستبعد النظام الحالي، وتعالج الثغرات الكبرى التي أحدثها التدخل الايراني والروسي فضلا عن جرائم النظام.