عمار مصارع – معهد واشنطن
تنوع الرد السوري تجاه الهجوم الذي شنته حركة حماس، والغارات الجوية الإسرائيلية اللاحقة على قطاع غزة حيث انقسمت ردود الفعل وفقا لاعتبارات إقليمية وسياسية وأيديولوجية.
ترافق انطلاق معركة “طوفان الأقصى”، التي بدأتها سرايا القدس “الجناح العسكري لتنظيم “حماس” المصنف أمريكياً كمنظمة إرهابية، مع انشغال السوريين بمتابعة أخبار المظاهرات السلمية المستمرة منذ نحو شهرين في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، وبعض المحافظات السورية، وعنوانها الرئيس إسقاط نظام الأسد، والإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بسوريا.
وترافقت تلك الأحداث أيضا مع القصف اليومي المدمر لطيران النظام والطيران الروسي ضد المدنيين على إدلب وريفها، والذي شرد أكثر من مئة ألف سوري، وقد أوضحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هجمات قوات نظام الأسد وروسيا على شمال غرب سوريا أدت الى مقتل قرابة 45 مدنياً بينهم 13 طفلاً، و9 سيدات و3 من العاملين في المجال الإنساني، علاوة على استهداف 51 منشأة حيوية خلال شهر تشرين الأول 2023. كما ترافق “طوفان الأقصى” مع تفاقم الوضع المعيشي الصعب في مناطق سيطرة النظام، ومع انطلاق أعمال الجلسة الأولى من المحاكمة المرفوعة من قبل حكومتي كندا وهولندا في ملف “جرائم التعذيب” ضد نظام الأسد.
تباينت ردود الفعل بشكل كبير تجاه ما يجري في غزة وفقا لتحالفات الفصائل وقربها من مناطق الصراع، حيث عكست خيبة أمل السوريين من مواقف التنظيمات التي تدعي العمل لتحرير فلسطين من قضيتهم، والتي تعكس فشل جماعات مثل حماس في دعم ثورتهم ضد نظام الأسد. إلا أن ثمة رابطا بين هذا التنوع يظهر انحياز السوريين عامة للشعب الفلسطيني، ويرفض ما يجري لهم من قتل وتهجير وتدمير لبيوتهم. وفي الوقت عينه، يدرك هؤلاء جرائم تنظيم حزب الله الإرهابي تجاههم، والطعنة التي وجهتها حماس لهم من خلال سعيها لإعادة العلاقة مع النظام السوري، ولارتباطها الوثيق المعلن بالنظام الإيراني، الداعم الرئيس للنظام المستبد.
فهم مواقف المعارضة
تجاهلت المعارضة السورية التي يمثلها الائتلاف ومؤسساته ما يجري في غزة، ولم تصدر بيانا، واكتفت بالانشغال بترتيب بيتها الداخلي، وطرد من لا يؤيد الإدارة الجديدة، التي تم انتخابها “بالصرماية”. ومثلها كان موقف قوات سوريا الديمقراطية، التي لم تصدر أي بيان تعلن فيه موقفها من أحداث غزة، وانشغلت بالتركيز على ما يجري بينها وبين تركيا من معارك.
أما في المناطق الخاضعة لجبهة النصرة شمال غرب سوريا، فقد أصدرت حكومتها بيانا كررت فيه الخطاب الإنشائي المألوف، مؤكدة أن ” قضية فلسطين هي قضية العالم العربي بأسره، وقضية كل مسلم وأنها تدعم وتؤيد حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وتحريرها.
أما المناطق الخاضعة لفصائل ما يسمى الجيش الحر، فقد ركزت خطاباتها ولوحاتها الفنية المرسومة فوق جدران البيوت المهدمة، على وحدة الدمار الذي يشهده قطاع غزة مع الدمار الذي تشهده محافظة إدلب السورية بسبب القصف المركز للنظام والروس.
من جهته أصدر المجلس الإسلامي السوري ومقره في تركيا بيانا، وجه فيه التحية لصمود شعب غزة، مستنكرا صمت العالم وازدواجية المعايير في المواقف الدولية، داعيا للوقوف مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. ومثله أصدرت جماعة ما يسمى “العمل الوطني” بيانا مشابهاً، أدانت فيه استهداف المدنيين، وأعلنت تضامنها مع شعب غزة، مؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه، وتقرير مصيره. وكلا البيانين تجاهل ذكر تنظيم حماس.
موقف الميليشيات الإيرانية والنظام
نُقل عن مصادر محلية أن قادة الميليشيات الإيرانية بدأوا حملة علاقات عامة عبر المراكز الثقافية في محافظة دير الزور، لتحشيد الرأي العام لدعم حركة «حماس»، وعقدوا لقاءات وندوات عامة حول المقاومة و«طوفان الأقصى»، إلى جانب الإعلان عن فتح باب التبرعات، والتطوع لقتال إسرائيل على الجبهة السورية الجنوبية في الجولان السوري المحتل.
وذكر موقع «صدى الشرقية»، أن قيادة الميليشيات الإيرانية في مدينة البوكمال الواقعة ضمن مناطق النفوذ الإيراني بمحافظة دير الزور، عقدت لقاءًا مع عناصر محليين في الميليشيات الإيرانية تحت عنوان «صمود أبطال المقاومة بوجه القوات الإسرائيلية»، بالتزامن مع فتح باب التبرعات «لدعم المقاومة». وأفاد موقع «صدى الشرقية» عن إعلان المسؤول الأمني في الحرس الثوري الإيراني في البوكمال، بأن قيادة الحرس ستتولى عملية نقل عناصرها من دير الزور باتجاه ريف دمشق والقنيطرة. كما تحدثت مصادر محلية عن دخول حافلات مجهولة الحمولة، من العراق إلى سوريا عبر الطريق العسكري عند النقطة الحدودية، التي تسيطر عليها إيران شرق دير الزور، وجرى إبلاغ الأهالي بعدم الاقتراب من الشارع العام، الذي ستعبره القافلة، تحت طائلة العقوبة، ولم تتضح وجهة القافلة النهائية.
من جانبه قام النظام باستدعاء القيادات العسكرية في دمشق، الضباط وصف الضباط والأفراد العاملين في المطارات والمؤسسات العسكرية للالتحاق بعملهم وتنفيذ مهامهم، وعلِّق منح الإجازات ضمن إجراءات رفع الجاهزية. ونشرت رئاسة الجمهورية صورة على صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، عليها خارطة فلسطين ومن خلفها المسجد الأقصى، وهو ما اعتبرته أوساط مقربة من النظام تأييدا ضمنيا على ما حصل في غلاف غزة.
بعد ذلك نشرت “وزارة الخارجية السورية” بيانا جاء فيه أن “فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة سجلت سطرا جديدا على طريق إنجاز الحقوق الفلسطينية الثابتة وغير القابلة للتصرف”.
رداً على الانفجار الذى وقع في مستشفى المعمداني في غزة وما تردد عن وقوع خسائر كبيرة في الأرواح، أصدرت رئاسة الجمهورية العربية السورية بياناً قالت فيه: “إن ما أقدمت عليه قوات الإجرام الصهيونية في عدوانها على مستشفى المعمداني بقطاع غزة يشكل واحدة من أبشع المجازر ضد الإنسانية في العصر الحديث، وأكثرها دمويةً “. ومن المثير للدهشة أن الغالبية من السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي لم يركزوا كثيرا على البحث وراء منفذ الهجوم على المستشفى، لكن عوضا عن ذلك، ركزوا على محاولات إيران ووكلائها للاستثمار في الحادث.
مظاهرات السويداء والمدن الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام
باستثناء لافتات قليلة العدد تدعو لحماية المدنيين في غزة، وتتعاطف معهم دون إبداء أي تعاطف مع تنظيم حماس، تجاهلت المظاهرات السلمية اليومية في مناطق محافظة السويداء الإشارة لما يجري في غزة، وتركزت اللافتات على مطالبة المجتمع الدولي بدعم الضغط على النظام للإفراج عن المعتقلين، ومحاكمة أركان النظام على ما اقترفوه من جرائم بحق الشعب السوري، ورحيل النظام، وغيرها من المطالب السورية الداعية الى أسقاط النظام، والمؤكدة على وحدة الشعب السوري.
أما أهل درعا فقد خرج المئات منهم في مظاهرات أعلنوا فيها تضامنهم مع أهالي إدلب وغزة. وقال موقع “تجمع أحرار حوران” إن بلدة المزيريب غربي درعا شهدت مظاهرة حاشدة رفع المتظاهرون خلالها أعلام الثورة السورية وفلسطين، وهتفوا فيها لإدلب التي تعرضت خلال أسبوع لحملة قصف مكثفة من قبل النظام السوري وروسيا. كما خرج عدد من أهالي مدينة إدلب في مظاهرة بساحة الساعة نصرة لغزة، وحمل المتظاهرون أعلام فلسطين إلى جانب أعلام الثورة السورية، ورفعوا لافتات كُتب عليها عبارات تضامنية مع غزة: “أهلنا في غزة، دماؤنا دون دمائكم، وأرواحنا دون أرواحكم.. لا بد أن نتحرر ونلتقي “. وأخرى كُتب عليها: “قصف الأسد الخائن لإدلب يتزامن مع قصف أهلنا في غزة”، و”طوبى لإدلب وغزة الصامدتين”.
ردود أفعال وسائل التواصل الاجتماعي
كانت تعليقات السوريين على منصات التواصل الاجتماعي لافتة، وواضحة في التعبير عن موقف يميز – من جهة- بين المدنيين وضرورة إيقاف آلة القتل، وبين تنظيم حماس، وأن ما قام به ليس من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني، ووصل الأمر بالبعض إلى الإشارة إلى “أننا لن نفتح بيوتنا لهم ثانية إذا ما جرى هروبهم من مواجهة إسرائيل”. كما اعتبر ناشطون مصافحة حماس للأسد بمثابة خيانة للدم الفلسطيني في مخيم اليرموك. وطالب أخرون بعدم الثقة في إيران وروسيا اللتان شاركتا في قتل الشعب السوري وتشريده. ووصل الأمر بأحد المؤثرين على منصة إكس للقول: “أهلنا في الجولان أن اقتربت منكم الحرب من الجانب السوري احملوا وقاتلوا مع الجيش الإسرائيلي دفاعا عن حياتكم لأنهم سيقتلونكم.. دافعوا عن حياة ترضونها ولا تصدقوا الشعارات، وأنتم تعرفون الوضع السوري تماما فلنعش في جهنم في سبيل ألا يحكمنا النظام السوري.
كان أيضا لافتا اهتمام السوريين وسخريتهم على مواقع التواصل، من تصريح الرئيس الروسي بوتين، حول ما يجري في غزة وتشبيهه حصار غزة بحصار لينينغراد، فقال أحدهم مذكرا “كما فعل هو وإيران والأسد بحصار الغوطة في دمشق، وأكل أهلها ورق الشجر ثلاثة سنوات. واعتبر الكاتب ماهر شرف الدين وهو أحد المؤثرين على مواقع التواصل أنه “في الوقت الذي ينافق فيه بوتين العالم الإسلامي من خلال تباكيه على ما يحصل في غــزة… تقتل طائراتُه العشرات في إدلب!” مضيفا” المصيبة أن رهطاً كبيراً من العالم الإسلامي يشيدون بموقف بوتين… مغمضين أعينهم عما يفعله في إدلب… وكأن دمـاء السوريين ماء!”، وقال آخر: “هذا المجرم الصفيق حاصر المدن السورية وتركها دون طعام أو ماء، وقصف البيوت والمشافي والأسواق والمدارس والآن يحاضر بالشرف، ويستغل ما يحدث بغزة وكأنه حمامة سلام.. الطيران الروسي المجرم ينفذ غارات على مدينة أريحا في ريف إدلب..”.
أيضا ظهرت بعض الكتابات والتحليلات السياسية التي تحمل مواقف غير مألوفة في هكذا أحداث، فكتب المحلل العسكري والسياسي عبد الناصر العايد، “يسود الصمت بيننا كسوريين، إزاء ما يحدث في غزة. ليس بيننا من لا ينتمي لقضية فلسطين، وكان أسلافنا أول من أطلق طلقة ضد الصهاينة المحتلين، وكنا ثاني وثالث ورابع من ضحى، وسنقف حتى النهاية مع حق الفلسطينيين في أرضهم والعدل المتمثل بعودتهم إلى ديارهم.
من جهة أخرى، كتب إبراهيم الجبين: “حماس التي تفاخر اليوم بعملية نفذتها بدعم إيراني، ضدّ المحتلين الإسرائيليين، لا تستطيع إقناع طفل في إدلب وريف حلب بأنها صادقة في نضالها، وأنها لا تنفّذ الآن أجندة لخلط الأوراق بإدارة من الحرس الثوري (الذي شكره قادة حماس من اللحظات الأولى للعملية العسكرية التي نفذوها).
تنوع الرد السوري تجاه الهجوم الذي شنته حركة حماس، والغارات الجوية الإسرائيلية اللاحقة على قطاع غزة حيث انقسمت ردود الفعل وفقا لاعتبارات إقليمية وسياسية وأيديولوجية، وأصبح السوريون يربطون ما يحدث في غزة بما عانوه، خاصة بعد تجاهل المجتمع الدولي لنضالهم ضد النظام. كما حرص السوريون على التمييز بين دعم الشعب الفلسطيني وأولئك الذين اغتصبوا حق الفلسطينيين في تمثيل أنفسهم، بما في ذلك حركة حماس وحزب الله.