أيمن جزيني
لا أحد يعرف ما الذي تريده الولايات المتحدة الأميركية من الشرق الأوسط، وفيه. ثمّة أخبار أميركية كثيرة تدحضها الوقائع. وأيضاً هناك وقائع وأحداث كثيرة شرق أوسطية تنفي أخباراً أميركية لا تُعدّ ولا تحصى.
حاليّاً تُعقد جولات تفاوضية بين طرفَي النزاع الرئيسيّين، أي حركة حماس وإسرائيل. لكنّ المفاوضات هذه تحصل برعاية أميركية ـ قطرية ـ مصرية في الدوحة، واليوم في مصر. وتجري بعيداً عن الأضواء في سلطنة عمان مع مسؤولين إيرانيين لم ينفِها أيّ من أطرافها الثلاثة: الوسيط العُماني والنظام الإيراني والإدارة الأميركية. فعلى أيّ من تلك المفاوضات تعوّل أميركا؟
ربّما يساعد على الإجابة عن هذا السؤال كتابٌ صدر أخيراً تحت عنوان “العالم كما هو”، في 400 صفحة، لبن رودس، مستشار الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وصاحب الدور الحيوي في البيت الأبيض في ما يتعلّق بسياسات أوباما الخارجية.
انضمّ بن رودس إلى فريق أوباما، عام 2007، قبل فوز الأخير في الانتخابات الرئاسية الأميركية. أصبح مستشاراً للأمن القومي وواحداً من كتّاب خطابات أوباما
أوباما ونظرته المختلفة
انضمّ بن رودس إلى فريق أوباما، عام 2007، قبل فوز الأخير في الانتخابات الرئاسية الأميركية. أصبح مستشاراً للأمن القومي وواحداً من كتّاب خطابات أوباما. كما كان مسؤولاً عن ملفّ سوريا في مجلس الأمن القومي الأميركي بين عامَي 2011 و2013. وتسلّم بعد ذلك مباشرةً ملفّ المفاوضات مع إيران بشأن ملفّها النووي.
يفصح الكتاب عن أسرار كثيرة من تلك الحقبة، أي ولايتَي الرئيس باراك أوباما. ويساعد على فهم ما يجري في أيامنا هذه في الشرق الأوسط، والحرب الدائرة على أكثر من جبهة بين إسرائيل وأذرع إيران العسكرية من اليمن إلى لبنان فغزّة مروراً بالعراق وسوريا.
كان أوباما صاحب نظرة مختلفة وخطاب جديد. تعود جذور توجّهه إلى العالم الإسلامي إلى فترة التنافس الانتخابي في أميركا.
في الأثناء قال أوباما جهارةً إنّه مع مدّ جسور تقارب، وخصوصاً بعد أحداث أيلول 2001 وحرب العراق وحرب أفغانستان ومعتقل غوانتانامو وفضائح التعذيب في سجن أبو غريب العراقي وتوتّر العلاقات بين بلاده والعديد من الدول في العالمين العربي والإسلامي. تُرجمت هذه الرغبة في زيارة أوباما للقاهرة عام 2009، وخطابه الشهير فيها الذي وجّهه إلى العالمين العربي والإسلامي.
أراد أوباما أن يقدّم قراءةً نقديةً للنظرة الأميركية إلى العالم الإسلامي، كما يقول بن رودس، “وكيف أنّه لا يتمّ التطرّق إلى الإنجازات التي قدّمها المسلمون والعرب للعلوم والثقافات في العالم
في هذا السياق، أراد أوباما أن يقدّم قراءةً نقديةً للنظرة الأميركية إلى العالم الإسلامي، كما يقول بن رودس، “وكيف أنّه لا يتمّ التطرّق إلى الإنجازات التي قدّمها المسلمون والعرب للعلوم والثقافات في العالم، وكيف أنّ العالم العربي لا يقدّر التعدّدية التي تعيشها الولايات المتحدة وأنّ المسلمين الأميركيين مثلاً من شرائح المجتمع الناجحة”.
أوباما يكره العرب
الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما ينقل عنه بن رودس “أنّه يكره العرب بشدّة”، وكان دائماً يردّد أمام مستشاريه: “إنّ العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة، وهم متخلّفون وبدو”. وفي المقابل كان يتحدّث عن إيران بودّ ظاهر وبإعجاب شديد بحضارتها! هذا الودّ وهذا الإعجاب تُرجما لاحقاً في التوصّل إلى اتّفاق نووي مع إيران.
تواصل الرئيس الأسبق أوباما مع إيران منذ عام 2010 للتوصّل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي، وبن رودس اجتمع سرّاً مع المسؤولين الإيرانيين أكثر من 20 مرّةً في مسقط عاصمة سلطنة عمان، على ما ورد في كتاب “العالم كما هو”.
يؤكّد بن رودس أنّ إيران عرضت على إدارة أوباما التوقّف عن الأنشطة النووية لمدّة 10 سنوات، مقابل رفع العقوبات عنها وإطلاق يدها في الشرق العربي كلّه، وأنّها حصلت منذ رفع العقوبات عنها على أكثر من 400 مليار دولار خصّصت منها ما يزيد على 100 مليار دولار لدعم وجودها المباشر وغير المباشر عبر وكلائها وأذرعها العسكرية والشخصيات والأحزاب التي تدور في فلكها في غزة وسوريا والعراق واليمن ولبنان… وغيرها من البلدان.
في الملفّ السوري استعمل أوباما “سياسة الخطّ الأحمر” بُعيد الضربة الكيمياوية للغوطة في 2013 للضغط على إيران عندما هدّدت الأخيرة بوقف المفاوضات السرّية
هذه الرغبة الأوباميّة أو الديمقراطية لما يمثّله باراك أوباما موجودة إلى الآن في الحزب الديمقراطي الأميركي، في التفاهم مع إيران والتوصّل إلى اتفاق شامل معها، قدّمت الإدارة الأميركية دونها الكثير، كما يذكر بن رودس في أكثر من محطّة في كتابه.
في معرض حديثه عن انتخابات سنة 2010 في العراق، يشير إلى أنّ الإيرانيين انزعجوا كثيراً من فوز أياد علاوي في تلك الانتخابات، وهدّدوا بوقف المفاوضات السرّية إذا ما صار علاوي رئيساً للوزراء في العراق. وطلبوا بصراحة ووضوح من أوباما تسهيل وصول المالكي إلى رئاسة مجلس الوزراء ودعمه، وهذا ما كان.
نوري المالكي، كما يشير بن رودس، هو من أعطى الأمر بفتح السجون ليهرب عملاء إيران من تنظيم القاعدة، الذين أسّسوا لاحقاً تنظيم داعش. وهو من سلّم الموصل عمداً للأخير بعدما أمر الجيش بالهروب منها وترك عتاده العسكري الذي تزيد قيمته على 20 مليار دولار فيها. وتعمّد المالكي إبقاء مبلغ 600 مليون دولار في فرع البنك المركزي في الموصل.
يبرّر بن رودس لأوباما تساهله مع إيران إلى هذا الحدّ وغضّ نظره عمّا تقوم به وحلفاءها، بأنّه كان يريد أن يختم عهده باتفاق يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وكان على استعداد لدفع أيّ ثمن. وكان له ما أراد في عام 2015.
أمّا في الملفّ السوري فاستعمل أوباما “سياسة الخطّ الأحمر” بُعيد الضربة الكيمياوية للغوطة في 2013 للضغط على إيران عندما هدّدت الأخيرة بوقف المفاوضات السرّية وليس لحماية السوريين من بطش النظام وحلفائه. ويضيف بن رودس أنّه حين هدّد أوباما بضرب قوات النظام أرسلت له إيران على الفور رسالة تهدّد فيها بالانسحاب من المفاوضات.
ومن المفاجآت، التي يكشف عنها بن رودس في كتابه، أنّ أوباما أوعز إلى مساعديه بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران بألّا يذكروا أمامه أيّ شيء عن الملفّ السوري، قائلاً لهم بالحرف الواحد: “لقد أنجزنا مهمّتنا”.
عليه يبرز السؤال التالي: ما المهمّة التي تريد إنجازها إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، الديمقراطية أيضاً؟