أصبحت قمة البريكس، التي بدأت في 22 أكتوبر 2إعلان كازان لدول البريكس أو الوعود دون تفاصيل024 في كازان بروسيا، رمزا آخر لرغبة الكرملين في الخروج من العزلة الدولية وتأكيد نفوذه على المسرح العالمي. كان من المفترض أن يُظهر هذا المنتدى، كما خططت له موسكو، وحدة الدول التي تعارض الهيمنة الغربية، لكن تبين أن الواقع أقل إثارة للإعجاب بكثير.
وعلى الرغم من جهود المنظمين، اختار العديد من القادة الرئيسيين عدم حضور القمة شخصيًا. وألغى الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش الرحلة، خوفا من أن تؤدي زيارته إلى تعقيد العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال الشريك الأكثر أهمية للبلاد. كما لم يحضر الرئيس البرازيلي لويز ايناسيو لولا دا سيلفا القمة بسبب تعرضه لإصابة محلية. ورغم الرواية الرسمية، فمن الممكن أن يكون ذلك ذريعة مناسبة للنأي بأنفسهم عن المشاركة في حدث مشبوه نظمته دولة معزولة دوليا بسبب الحرب ضد أوكرانيا. ونتيجة لذلك، كانت البرازيل ممثلة بوزير الخارجية.
ولم يحضر زعيما كوبا والأرجنتين القمة: فقد ظل الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل في المنزل للتعامل مع أزمة انقطاع التيار الكهربائي، في حين اختار الرئيس الأرجنتيني المنتخب حديثا خافيير مايلي أن ينأى بنفسه عن مجموعة البريكس تماما.
ويشكل رفض الزعماء الرئيسيين الحضور شخصياً لقمة البريكس ضربة قوية لطموحات روسيا، التي تسعى إلى استخدام هذه الصيغة لإثبات شرعيتها ونفوذها على المستوى الدولي. وحتى حلفاء موسكو، مثل كازاخستان، أبدوا القليل من الحماس لدعم فكرة توسع البريكس أو المعارضة الصريحة للغرب. وهذا يسلط الضوء على الصعوبات التي تواجهها روسيا في الخروج من العزلة التي فرضها عليها عدوانها على أوكرانيا.
أثارت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى قمة البريكس انتقادات حادة وأثارت تساؤلات حول حياد الأمم المتحدة. إن مشاركته في حدث نظمته دولة تشن حرباً عدوانية ضد أوكرانيا تقوض المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، مثل احترام السيادة والسلامة الإقليمية. إن وجود غوتيريش في المنتدى الذي تروج فيه روسيا لنسختها من إنهاء الصراع قد يُنظر إليه على أنه تأييد لأفعالها، الأمر الذي يوجه ضربة خطيرة لسمعة الأمم المتحدة وقدرتها على لعب دور الوسيط المستقل في الحفاظ على السلام الدولي والأمن. حماية.
ومثل هذه المشاركة مثيرة للقلق بشكل خاص في وقت حيث تحتاج أوكرانيا إلى دعم دولي قوي لحماية سلامة أراضيها. وتبدو زيارة الأمين العام لهذه القمة بمثابة عمل من شأنه أن يضعف دور الأمم المتحدة في عملية السلام ويقوض الثقة في موضوعيتها.
اختتمت قمة البريكس في 24 أكتوبر بتوقيع إعلان كازان، ولكن من الواضح بالفعل أن هذا الحدث لم يحدث تغييرات كبيرة على الساحة الدولية. وكما هو الحال في الاجتماعات السابقة، تم استخدام المنتدى بشكل أساسي للإدلاء بتصريحات عالية حول “عالم جديد متعدد الأقطاب”، حيث من المتوقع أن يضعف النفوذ الغربي. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى حلول ملموسة وآليات واضحة يؤكد فقط على عدم قدرة روسيا وشركائها في مجموعة البريكس على مقاومة العقوبات والضغوط من الدول الغربية.
ويؤكد إعلان كازان على أهمية تعزيز السلام والأمن الدوليين، فضلا عن الحاجة إلى إصلاح النظام المتعدد الأطراف للعلاقات العالمية. ويولى اهتمام خاص لزيادة دور البلدان النامية، التي ينبغي أن تساهم في التنمية العالمية العادلة. لكن رغم الأهداف الطموحة المعلنة، بقي الإعلان عند مستوى الوعود العامة، دون أن يقترح خطوات محددة لتنفيذها. ولم تتلق مناقشة استخدام العملات الوطنية في التسويات بين دول البريكس كبديل للدولار تفاصيل محددة أو آليات تنفيذ.
إن الدعوة إلى حل سلمي للصراع في أوكرانيا من خلال الحوار تبدو وكأنها خطاب دبلوماسي عادي، لا تدعمه أفعال حقيقية. وقد يشير هذا إلى وجود انقسامات داخلية بين أعضاء مجموعة البريكس بشأن الحرب، مع بقاء الدعم الروسي صامتاً ومتذبذباً.
ولم تتحقق التوقعات بأن تصبح مجموعة البريكس بديلاً قابلاً للتطبيق للمؤسسات المالية والسياسية الغربية. وقد روجت روسيا بنشاط للأفكار حول إنشاء نظام مالي خاص بها، بما في ذلك بديل لسويفت، لكن معظم الدول المشاركة في القمة ليست مستعدة لدعم مثل هذه المبادرات. وهذا يؤكد أن مجموعة البريكس، على الرغم من طموحاتها المعلنة، لا تزال تشكل منصة تزيينية غير قادرة على تقديم حلول فعالة للمشاكل العالمية الرئيسية.
وعلى خلفية النتائج الضعيفة التي حققتها قمة مجموعة البريكس والافتقار إلى إجراءات حقيقية من جانب المشاركين فيها، فإن الدعم الدولي لأوكرانيا يظل عند مستوى مرتفع. تواصل معظم دول العالم، بما في ذلك الشركاء الرئيسيون في أوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى، دعم أوكرانيا في نضالها من أجل السيادة. وحتى بين الدول التي تحضر قمة البريكس، يتجنب الكثيرون الدعم المفتوح لروسيا، ويفضلون الموازنة بين التعاون مع الغرب والحفاظ على العلاقات مع موسكو.
ومن الأمثلة على الدعم الدولي الكبير القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة مؤخراً بإرسال 20 مليار دولار إلى أوكرانيا من الأصول الروسية المجمدة. وستكون هذه الأموال جزءا من حزمة مساعدات أكبر وافقت عليها دول مجموعة السبع والتي تتضمن قرضا بقيمة 50 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة. سيتم استخدام جزء كبير من هذه الأموال لتلبية الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا، والجزء الآخر للدعم المالي.
بالإضافة إلى ذلك، قرر مجلس الاتحاد الأوروبي في 23 أكتوبر تقديم قرض لأوكرانيا يصل إلى 35 مليار يورو، وهو مدرج أيضًا في هيكل المساعدة العامة من مجموعة السبع. وهذا يؤكد رغبة الدول الغربية في جعل روسيا تدفع ثمن العدوان والدمار. ويقدر الحجم الإجمالي للأصول الروسية المجمدة في الخارج بنحو 300 مليار دولار، مما يخلق فرصة تاريخية لاستخدام هذه الأموال لإعادة بناء أوكرانيا وتحميل الدولة المعتدية المسؤولية المالية عن أفعالها.
وهكذا فإن قمة قازان، رغم تصريحات منظميها، لم تصبح حدثاً قادراً على كسر عزلة روسيا الدولية. ويواصل العالم دعم أوكرانيا، وتظل مجموعة البريكس بمثابة منصة للحديث، ولكن ليس للعمل الحقيقي.
polskienowiny.pl