منذ أردنا في 2011 تغيير النظام والعالم يواجه إرادتنا بسؤال واحد: ما البديل؟ ويعبر في كل مناسبة عن خشيته من سقوطنا في الفوضى إذا ما رحل السيد الرئيس “الذي خلقه الله وكسر القالب”، بل إنه يخشى على المنطقة برمتها من الفوضى إذا رحل السيد صمام الأمان. ورغم كل الفوضى التي تعيشها سوريا والمنطقة اليوم لم تتوقف الدول القريبة والبعيدة عن مواجهة الشعب بسؤالها المكرور: ما البديل؟
اليوم جئتكم بالبديل، ولن تستطيعوا له رداً، لأنه ببساطة بديل عصري وسيشكل حلاً تاريخياً، ومعلومكم نحن نحب “التاريخي”. البديل هو الذكاء الاصطناعي، حديث العالم اليوم.
فخلال الأشهر الماضية انفجرت ماسورة الذكاء الاصطناعي في كل شيء، لم تتوقف عند أجهزة الكومبيوتر والهواتف والأجهزة عالية التقنية، بل وصلت إلى مناطق لا تحتاج الذكاء أصلاً، فاليوم تجد فرشاة أسنان بالذكاء الاصطناعي، شحاطة بالذكاء الاصطناعي، مخدة بالذكاء الاصطناعي، تواليت بالذكاء الاصطناعي، هل يعقل أننا فكرنا باستخدام الذكاء الاصطناعي في التواليتات ولم نفكر في استخدامه في مقام الرئاسة؟ غريب حقاً!
وحتى نطمئن مخاوف الدول الغربية المحبة للعبة الأقليات والأكثريات بأنواعها الإثنية والدينية والطائفية، فإن بديلنا مطابق لكل المواصفات، وكفيل بتهدئة جميع أنواع القلق، حتى لو كان “بالغاً” وصادراً عن الأمين العام للأمم المتحدة شخصياً. فالسيد الرئيس الذكاء الاصطناعي ليس عربياً ولا كردياً، وليس مسلماً ولا مسيحياً ولا يهودياً ولا ملحداً، وليس سنياً ولا درزياً ولا علوياً ولا إسماعيلياً ولا شيعياً، وليس يمينياً ولا يسارياً، وليس ذكراً ولا أنثى! سيحمل سيادته تركيبة فريدة تريح جميع الأطراف العالمية. ولكن هذه التركيبة نفسها قد تثير مخاوف الداخل، ولهذا يمكنني أيضاً أن أهدئ هذه المخاوف بالقول إنه سيكون خالداً، ونحن نحب هذه الصفة أيضاً، نعم سيكون خالداً بحق وحقيقة وليس خالداً نصف كم، ولن تكون أيامه معدودة، وسيكون مُلهَماً، وقائداً فعلياً لمسيرة التطوير و”الأبديت”.
ولن يكون بحاجة لأعراسنا الديمقراطية، ولا لاحتفالات البيعة، اللهم يمكن أن نقيم بعض المسيرات الشعبية العفوية عند تطويره، فإذا فرضنا أن اسمه سيكون “بعل” فيمكن أن نحتفل بانتقاله من بعل 1.0 إلى بعل 1.1، أما إذا أصبح بعل 2.0 فنقيم حينذاك احتفالات عارمة وعطلة رسمية.
من إيجابياته أيضاً أنه لن يكون له زوجة تحب الياسمين ولا الورد الجوري ولا الأعمال الخيرية ولا المتفوقين، ولن يكون له إخوة يحبون السباحة والرماية وركوب الشعب، ولا ابن خال يحب المال والنصح وإلقاء المواعظ، ولا أولاد يحبون الرياضيات. ولن يكون بطل التشرينين أو الكانونين أو أي أشهر أخرى، سيكون فرداً مستقلاً بذاته، مسالماً لا يحب الحرب والأذية، ويعشق الحوار.
سيكون قريباً منا جميعاً، يعرف همومنا وطموحاتنا ومشكلاتنا، موجوداً في كل جهاز بين يدي الشعب، يجيب الجميع ويتفاعل مع الكبير والصغير. ويهب لنجدتنا في كل مأزق، فإذا ما انقطعت بنا السبل في طلوع التنايا ولم يكن معنا أجرة سيارة سيعرف ذلك، وسيقدم لنا “منحة” لندبر رأسنا، سيكون عُمرياً حقيقة، فلو عثر مواطن في السخنة لخشي أن نسائله عنه. ولأنه قريب وعالم بكل الخوافي لن يكون بحاجة للمخابرات والمخبرين، وهنا سنكون أمام جيش من العاطلين عن العمل، ولكنه سيجد حلاً دون شك، وربما يوجههم نحو أعمال السخرة في رفع الأنقاض أو استصلاح البادية.
يجب أن نحرص في مرحلة إعداده للحكم على تغذيته بكل القوانين الدولية ونصوص حقوق الإنسان والحريات والتجارب البشرية، كما يجب أن نحرص على إبعاده عن خطب وهلوسات حافظ الأسد وابنه، وكتب التثقيف الحزبي والمنطلقات النظرية، وأرشيفات صحف الثورة والبعث وتشرين والوطن، والتعليق السياسي ومربعات خالد العبود، لأنه لو وصل لها لا قدر الله سنكون قد وقعنا في الفخ، وسيصبح الذكاء الاصطناعي أضرط من أخيه الذكاء الأسدي.
سيريحنا من البروتوكولات الفارغة، ومن استقبل وودع، وسافر وعاد، وهذا سيوفر على ميزانية الدولة الشيء الكثير، كما أننا لن نكون أمام مأزق تأمين طائرة تشحنه إلى وجهته أو طائرة تعيده إلى الوطن، سيتواصل مع الرؤساء الآخرين عبر الإيميل أو برامج الدردشة، ولن نستغرب أن تنشر “سانا” مثلاً خبراً يقول: أجرى السيد الرئيس بعل 2.4 محادثة مع شقيقه الرئيس اللبناني فينيق 2.1، تناولت العلاقات بين البلدين، وسبل تطويرها.
ولن يكون لديه خطابات تاريخية، ولا ضحكات غبية، سيتعامل بالبيانات 1+1 = 2، لا بالانتصارات ولا بالمؤامرات، ولن يكون لديه أمل، بل عمل محض.
كما أننا سنرتاح من قصائد المديح، فلن نسمع “سلامٌ أيها الذكاء الاصطناعي”، ولن نسمع تحليلات المحللين والنظريات التي تتغنى بعبقرية القائد، كما سنرتاح من الأغاني التي تشيد ببطولته فلا “نحن رجالك ذكاء اصطناعي” ولا “يا ذكاء اصطناعي متلك مين أنت يا عالي الجبين”، ولن يكون لديه شبيحة يكتبون على الجدران عبارات “الذكاء الاصطناعي أو نحرق البلد”، أو “بالروح بالدم نفديك يا ذكاء اصطناعي”، أو “الله، سوريا، ذكاء اصطناعي وبس”، أو “منحبك ذكاء اصطناعي”. وحده من يجب أن نحترس منه هو الفنان نعيم حمدي، فهذا الرجل لا يؤمن جانبه، ويمكن أن يغني للذكاء الاصطناعي والقرود الزرق، وبكل اللغات!
بقلم: محمد السلوم – المصدر: موقع “تلفزيون سوريا”