عندما بلغت القلوب الحناجر عند جمهور الثورة…وضاقت الحلقات ثُمّ فُرِجَت وكان الخوف من أن لا تفرجِ… أشعل جبل العرب الأمل وأعاد توجيه البوصلة ..وحدّد المسار ..وتَوضّحت الغايات…
كان الوضع المزري للمعارضة الرسمية السورية يُضاف إليه هرولة العرب والترك للتصالح مع دمشق والإكتفاء الغربي بوضع العقوبات والتمني على نظام الاسد تغيير سلوكه بعد إنكفائه عن أي مسعى جدي لحل سياسي يبدأ برحيل الأسد …
أعلن الأسد ومحور إيران الإنتصار قُبيل قمة العرب في جدة ..وظنّ الجميع أن المصالح الدولية والإقليمية تقتضي حفر قبر للثورة السورية ودفنها فيه..بعد أن مرضت تلك الثورة ولكنها لم تَمُت.. وظن البعض أنّ من بقي من الثوار القابضين على الجمر قد أحرق يده فقط ..وأن هناك من يُريد رَشّ الماء على الجمر وإطفاء نار الثورة في مشهد تجلّى في قمة جدة بتأبين ثورات الربيع العربي والإحتفاء بقدوم الديكتاتور الوحيد الذي نجى من تلك العاصفة ..وظَنّ البعض أنّ التاريخ يعود للوراء وأنه يُمكن إرجاع عقارب الساعة إلى ماقبل آذار 2011…
إندلعت إنتفاضة السويداء في تلك الظروف الحالكة لتؤكد للسوريين أولاً وللعالم أجمع ثانياً ..أنّ الثورة باقية وهي ثورة شعب ضِدّ نظام مُستبد وليس إنتفاضة (أو تمرّد) طائفة من السوريين بسبب تهميشهم من نظام طائفي….وأنّ بروبوغاندا حماية الأقليات والتي تسعى الأغلبية الطائفية للنيل منهم وأنّ من يحميهم هو نظام الأسد ..
سقطت ورقة التوت عن تلك الكذبة( والتي لقت رواجاً في دوائر عالمية كثيرة ) وبات أحرار بني معروف في إنتفاضتهم الحالية يخترقون جدر الوهم التي بناها نظام الأسد حول نفسه ويحررون العقول التي إستكانت لهذا الوهم…
لم تكن السويداء بعيدة عن الثورة منذ إنطلاقاتها ولكنها بالوقت نفسه لم تنخرط فيها…وكانت كل الظروف الموضوعية مكتملة لإنطلاقة مباركة تُجدد شباب الثورة وتكون الموجة الثانية من تسونامي الثورة السورية والذي سيبتلع نظام الإستبداد
أتت الشرارة واكتملت الظروف أو الشروط الذاتية ..ودخلت الإنتفاضة شهرها الثاني ..وتَحوّلت الإحتجاجات بعد عدة أيام من مطلبية إلى سياسية بإمتياز …وأعلنت الطلاق البائن بينونة كبرى مع نظام الأسد ورموزه عندما قرر الجهور الثائر إغلاق مقرات حزب البعث ليس بشمع أحمر يُمكن نزعه بل بلحام حديدي في رمزية لطي صفحة من تاربخ سوريا لم تجلب إلاّ العار والنكبات للشعب السوري.
حاولت أبواق النظام تشويه الحراك الشعبي عبر وصمه بأنه حراك مطلبي بسبب ظروف الحياة المعيشية اليومية الصعبة وأبدى إستعداده لتلبية جزءاً من تلك المطالب وذلك للإيهام بأنها احتجاجات عادية تحدث في جميع دول العالم من قبل جمهور له مطالب إتجاه سلطة شرعية تَعد بتنفيذ ماتستطيع منها ..كالإحتجاجات الفرنسية الاخيرة ضد قانون التقاعد الني تُزمع الحكومة الفرنسية فرضه.. أو حركات الإحتجاج التي تخرج هنا وهناك بسبب رفع حكومة لأسعار الخبز أو المحروقات أو ماشابه ذلك…بمعنى لامساس بشرعية النظام الحاكم.
ودأب الذباب الإلكتروني التابع للنظام أو للمحور الإيراني بالمنطقة بتسويق دعايات وأكاذيب واختلاق مشاريع عن نِيّة دروز السويداء بتشكيل حالة إنفصالية من نوع ما عن الجسد السوري ..ولامانع من رمي التهم بالتواطئ مع دولة الإحتلال الإسرائيلي….
ناسياً أو مُتناسياً أن ثوار جبل العرب هم من أفشل كل المشاريع التقسيمية التي أتى بها الإنتداب الفرنسي وأصروا على سوريتهم وبذلوا التضحيات في سبيل وقوف سوريا الحالية على قدميها
ولم يستطيع أحد تسجيل اي هفوة أو زِلّة لتضخيمها والبناء عليها وباءت أضاليل علم الحدود الخمسة وراء الظهر عندما أثبت المحتجون على الأرض زيف بروبوغاندا النظام وأساليب تضليله للرأي العام.
عندما كثرت الأسئلة والتساؤلات وماذا بعدا؟وماهي الخطوة التالية؟ وكيف سيتطور الحراك او كيف يّمكن تطويره؟ وهل سيستفيد ثوار جبل العرب من الأخطاء السابقة التي إرتكبها اخوانهم في المناطق الأخرى…وهل سَيُكرر النظام نفس إسلوبه في التعامل معها؟؟؟
كل تلك التساؤلات أجاب عليها الشيخ حكمت الهجري في موقف واضح لايقبل التأويل وذلك بعد حادثة إطلاق الرصاص على متظاهربن في ساحة الكرامة من قبل مسلحين متمركزين في مبنى فرع حزب البعث
قطع الشيخ الهجري شعرة معاوية الواهية مع النظام…وعَبّر عن موقف أهالي الجبل بل السوريين جميعاً عندما وصف سوريا بأنها دولة مُحتلة من قبل الميليشيات ذات التابعية الإيرانية وأنه من الواجب الجهاد ضد هذا الإحتلال ويُفهم من كلامه أن بشار الأسد هو عميل لهذا الإحتلال يَتوجّب مقاومته لتحرير البلاد من رجس هذا الإحتلال وأعوانه…وقال إنّ أهالي الجبل لن يَطلقوا الرصاصة الأولى ولكن رصاصهم في بيت النار…بمعنى أنهم جاهزون للمقاومة بنفس السلاح الذي سيتم الإعتداء به عليهم ..
وأصرّ على عدم وضعه لسقف زمني للإحتجاجات السلمية. بالقول إنّ من يُقرّر ذلك هم أهالي السويداء وليس أحد آ خر…
والمفهوم بالمخيال الشعبي عند الجمهور أنّ معنى الجهاد مرتبط بإستخدام السلاح ولا تختزن الذاكرة الجمعية الشعبية أي نوع من أنواع الجهاد السلمي (طالما ان الشيخ أصرّ على إستعمال هذا المصطلح أو التعبير والذي يُمكن له إستخدام غيره لو لم يكن يعرف وقعها وصداها عند الجماهير) ويعلم الشيخ الهجري قبل غيره أن الإحتلال الإيراني (طالما وصفه بهذا التوصيف) لن يَخرج بالمناشدات والمطالبات والتمنيات…
خسر نظام الأسد الجولة الأولى بِرهانِه اليائس على ملل الناس تحت ضغط الحاجات اليومية المعيشية ..خاصة أنّ السويداء محافظة حبيسة لاتملك معبراً حدودياً مع الخارج رغم أنها محافظة حدودية وأن شريان حياتها ينطلق من دمشق ..
كما أن رهان النظام على إحداث قتنة داخلية وخلاف بين أهالي الجبل بإستخدام بعض الموالين له من المرتزقة أو رجال دين يبدو أنّ هذا الرهان فشل وذهب أدراج الرياح …ولم تَعد من خيارات حقيقية للنظام في إخمادها ..إذ أنه لايستطيع إستعمال العنف الذي إعتاد على إستخدامه في مناطق أخرى لإعتبارات كثيرة وأنّ ورقة داعش أضحت ورقة محروقة …
وستشي التيام القادمة عمّا يتم التخطيط له في غرف عمليات الحرس الثوري الإيراني لاجهاض انتفاضة السويداء ..طالما أنّ الشيخ الهجري وضع إيران بمرتبة المحتل والعدو الأول …
وكما أنّ للباطل جولة وللحق صولات وجولات …فان باطل الأسد وإيران قد ولّى وبقيت الصولات والجولات للشعب السوري الحر والذي سيكتب الكلمة الأخيرة في هذا المشهد ويدق المسمار الأخير في نعش هذا النظام المتهالك.
بقلم: د. باسل معراوي