إن لم تكونوا من المدعوّين إلى الجلوس حول مائدة الطعام فانتم بالتأكيد من الأصناف التي سيتمّ تناولها…
هذا حال السوريين منذ تدويل قضيتهم..
يَتمّ تسييس قضايا وجودهم ولجوئهم وحتى المساعدات التي تُبقيهم على قيد الحياة
هكذا أراد العالم الذي يدعي التحضر ويتغنى بالقيم الإنسانية أراد هم ساحة للبازار والمساومة بينهم خارح بلادهم ووقوداً لصراعات الآخرين في بلدهم الصغير والذي تَجثم كل قوى العالم على صدره باحثةً عن مصالحها وأمنها وتحقيق مشاريعها دون الإكترات هل يستطيع هذا الجسد الصغير والمنهك من التنفس وأخذ قليلاً من الهواء ليبقى على قيد الحياة .
تجتمع أعلى سلطة في هذا الكون الذي فاق عدد سكانه المليارات الثمانية …يُسمّونه مجلساً للأمن الدولي ..يجتمعون من أجل تمدبد آلية إدخال قليلاً من الطعام التي تحفظ لهم البقاء أحياء …وتبدأ سلسلة من المناكفات والبازارات بين الدول النووية الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن ..هذا يريد إحراج ذلك بملف يقول إنه إنساني لِيعرّيه أمام العالم إن لم يأخذ موافقته …والطرف الثاني الذي أدمن على قتل السوريين وأدمن إستعمال حقه بالفيتو أكثر من 15 مرة ..لايرى ضيراً في رفع يده مرةً أخرى ليسجل التاريخ أنّ عدد المرات التي تم فيها إستعمال الفيتو قد زادت واحدة…
ماهذا الإنحدار الذي لاقاع له قد أصاب الدول العظمى والمجتمع الدولي للتفاوض على إطعام أُناس أرادوا أن يتصارعوا في أرضهم وبين ظهرانيهم…
ضرب الدب الروسي عرض الحائط كل القيم الإنسانية (كعادته دائماً) عندما رفع مندوبه يده للأعلى مانعاً دخول الغذاء والدواء للسوريين وهو الذي اعتاد على ضربهم بأشد الاسلحة الفتاكة التي تُنتجها صناعاته الحربية…فيما يقف راعي البقر الأمريكي والذي يَعتبر العالم مملكته أو مزرعته مُتسولاً موافقة خطية لإدخال تلك الأساسيات الضرورية.. فيما هو عندما تكون لديه مصلحة مباشرة لايرى الحدود الدولية والسيادة الوطنية ويدوس كل القوانين الدولية التي يقول إنه يحميها
وبين صراع دب روسي مفترس وراعي بقر أمريكي متوحش وأرعن ضاع على السوريين طعامهم ودواءهم والذي لم يكونوا يحتاجون به أحداً قبل ان تُصبح ديارهم ساحة صراع بين الدب والراعي وأنصارهما…
وبنفس اليوم الحادي عشر من تموز كانت قمة التحدي تُعقد في جوار الإتحاد الروسي الجريح….كان أعضاء الناتو يتفاخرون بقوتهم وبإزدياد عَددهم وعُددهم ويتفاخرون بضم دولتان يشهد لهما التاريخ بحيادهما في أعتى حربين شهدهما القرن الماضي ولكنهما تخليا عن ذلك الحياد في أول حرب جرت بجوارهما في القرن الجديد خوفاً من مصير جورجي أو أوكراني ماثل أمامهما..
وكانت تلك القمة تجسبداً لفشل القيصر الروسي الأحمق في إحداث صدع جيوسياسي عميق بحلف الناتو عبر خطف تركيا الدولة المحورية فيه إلى جانبه أو تحيبدها في أضعف الأحوال….
كشف الأتراك عن غربيتهم وأماطوا اللثام عن تماهيهم من الناتو… وزار زيلنسكي أنقرة حاملاً معه قادة آزوف الخمسة في تحدٍ واضح ومُستفزّ من السلطان للقيصر..حيث قال السلطان لزبلنسكي في حضرته إنه يُؤيد إنضمام بلاده إلى حلف الناتو ورافضاً لكل قرارات القضم والضم التي أجراها صديقه اللدود القيصر الروسي في بلاده…
وبالتأكيد سينعكس تحدي السلطان للقيصر في الساحة الأوكرانية سينعكس صيفاً لاهباً في سورية الجريحة حيث بدأت علائم تصدع تفاهمها المرحلي لمنع التصادم واقتسام الغنائم ..بدا وكأنها أصبحت من الماضي وأنّ ماكان معمولاً به منذ اختراع مسار أستانة لم يعد صالحاً لما بعد كسر أنياب الدب المفترس وقلع أظافره في أوكرانيا …
لم يعد الدب مفترساً بل قد يتحول قريباً إلى دب السيرك الذي يُضحك في حركاته الأطفال
وبالطبع سينعكس التحدي الأمريكي الروسي الجاري على مستوى العالم والصراع الصفري الدائر بينهما إلى صراع لاهب سيدور بالوكالة بدايةً وقد يتطور للأصالة فيما بعد …ويشكو كلا الفريفان الروسي والأمريكي من إنهيار قواعد الإشتباك والتفاهمات السابقة بينهما…فيما يُهدّد راعي البقر الأمريكي مضيق هرمز البري الإيراني المارّ من البو كمال السورية والرابط لمحور الميليشيات الإيرانية بالإغلاق وبالتالي فقدان الروس للقوة الأرضية البرية والتي مازالت تُمكّن لهم أقدامهم في سوريا..
وفي الوقت ذاته يُهدّد الدب الروسي مناطق النفوذ الأمريكية في الجزيرة السورية بحرب شعواء من قبل ميليشيات إيرانية وأسدية… وفشل الروس تماماً بِجرّ الأتراك لهذا المُعترك…
صيف ساخن في ظل السيوف المشرعة من كل الأطراف على بعضها في سوريا بعيداً عن أراضيهم في ظل صراع مُحتدم يكون وقوده لحوم السوريين وأحلامهم وربما وطنهم الذي لم يعرفوا كيف يحافظون عليه….ومن لايعرف أن يحافظ على وطنه سيكون لاجئاً وغريباً في الاوطان الاخرى .
بقلم: د. باسل معراوي / المصدر: موقع “سورية الامل”