غلوبال جستس سيريا نيوز – متابعات وتحليلات – خاص:
يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصرٌّ على اللعب السياسي في المناطق الحرجة حول العالم، وكما هو الحال في موضعه السياسي بين روسيا والغرب خلال الحرب الروسية الأوكرانية، يسعى أردوغان اليوم، كما كشفت صحيفة بوليتكو الأمريكية للتوسط بين إسرائيل وحماس لإنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة.
وبحسب الصحيفة فإنه بينما تسعى القوى العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الخليج إلى التوصل إلى اتفاق في الكواليس لمنع تصعيد الصراع بين إسرائيل وحماس، فإن الرئيس التركي منشغل بدبلوماسيته المكثفة.
قال الرئيس التركي بعد محادثات مع آخرين من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “أجري محادثات مع زعماء إقليميين.. محاولاً إيجاد طريقة للتوسط وإيقاف هذه الحرب”.
كما تحدث إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك القادة المصري واللبناني والقطري.
وبحسب وسائل إعلام تركية فإن الحكومة بدأت عملية تفاوض لإطلاق سراح الأسرى المعتقلين لدى حماس في غزة.
ماذا يريد إردوغان؟
الأسباب التي تدفع أردوغان للتوسط بين الطرفين تعود حسب المحللين إلى أنه حاول لفترة طويلة أن قدّم تركيا كقوة كبرى في الشرق الأوسط، من خلال خطوات واسعة، كبناء الروابط الاقتصادية في جميع أنحاء المنطقة وإرسال القوات التركية إلى شمال سورية لإيقاف القصف الذي يشنه نظام الأسد ضد المناطق المحرّرة في الشمال الغربي، أو كما في حالة مواجهة الجيش التركي المتواصلة لما تعرف باسم “قسد” والتي يقودها حزب العمال الكردستاني المصنّف كمنظمة إرهابية.
حسّن الرئيس التركي مؤخراً العلاقات مع إسرائيل، لا سيما من خلال أول لقاء شخصي له مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي.
إلا أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن الهجوم الذي شنّته حماس والذي أطلقت عليه اسم “طوفان الأقصى” خلال الأسبوعين الماضيين، دمّر أي احتمال للاستقرار الإقليمي على المدى القريب، حتى أردوغان نفسه حذر من أن الحرب لن تتوقف “خلال أسبوع أو اثنين”.
ويقول أحد كبار المسؤولين الأتراك، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن “أي دور وساطة في هذه المرحلة هو مهمة مستحيلة”، مشيراً إلى أنه وفي أعقاب هجوم حماس، الذي أودى بحياة أكثر من الف شخص، “فمن المحتمل أن تبقى إسرائيل مترددة تجاه أي تنازلات”.
ونقلت الصحيفة عن تشير سلين ناسي، وهي زميلة زائرة في المعهد الأوروبي بكلية لندن للاقتصاد، إشارتها إلى عائق يحول دون نجاح الوساطة وهو: تعاطف أنقرة مع حماس، التي لا تعتبرها تركيا منظمة إرهابية، بالرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صنفاها كذلك.
وتقول ناسي إن ذلك أضعف الثقة ما بين تركيا وإسرائيل التي تزعم أن أنقرة تحافظ على علاقات مع حماس، التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2007، أوثق من علاقاتها مع فتح التي تدير الضفة الغربية.
وتضيف ناسي “تحت حكومة حزب العدالة والتنمية، اقتربت سياسة أنقرة تجاه فلسطين من حماس – أو فضلت حماس على فتح نسبياً – في العقدين الماضيين، مما أثار الانتقادات ليس من إسرائيل فحسب ولكن أيضاً من الولايات المتحدة”.
ولكن أنقرة لديها تحفّظ مشابه ضد الولايات المتحدة، يتمثّل في دعم واشنطن لقوات “قسد” التي تتبع لحزب العمال الكردستاني PKK على الرغم من تصنيف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي له كمنظمة إرهابية، الأمر الذي اعتبرتها تركيا عبثاً في أمنها القومي وتهديداً لمصالحها وهي العضو الأساسي والبارز في حلف الناتو.
واعتبر التحليل أنه حتى وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، كان لتركيا علاقات سياسية وعسكرية وثيقة مع إسرائيل تقليدياً، لكن البلدين قطعا علاقاتهما تقريباً في عام 2010 بعد أن داهم جنود إسرائيليون سفينة مرمرة التركية التي كانت تسعى لكسر الحصار على غزة، مما أسفر عن مقتل عشرة ناشطين أتراك. وبعدها تحول أردوغان ضد إسرائيل، واصفًا إياها بأنها دولة قاتلة.
واعتبرت الصحيفة أن القضية الفلسطينية تعتبر عزيزة على توجهات أردوغان الإسلامية، والقاعدة الشعبية التي تدعم حكمه لمدة عقدين في تركيا، لكن، وفي السنوات الأخيرة، حاولت تركيا تحسين العلاقات في جوارها – بما في ذلك مع إسرائيل – وهي محاولة أثمرت عن لقاء أردوغان- نتنياهو في نيويورك.
وذكرت أنه ”قبل أن تقلب حماس المنطقة رأساً على عقب من جديد بشن الهجمات في إسرائيل الأسبوع الماضي، وافق الزعيمان على ترتيب زيارات متبادلة في المستقبل القريب، وقالت تقارير إن أردوغان كان مهتماً بالصلاة في المسجد الأقصى في القدس للاحتفال بالذكرى المئوية للجمهورية التركية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر”.
ونقلت الصحيفة عن صولي أوزيل، وهو محلل سياسي مخضرم في جامعة قادر حسن باسطنبول، أن للبلدين مصالح مشتركة، وأن نتنياهو وأردوغان بدا أنهما “نسيا مدى كرههما لبعضهما البعض”.
علاقات مثيرة في القوقاز
تركيا وإسرائيل يعدّان حليفين لأذربيجان في نزاعها مع أرمينيا، وقد ساعداها على استعادة الأراضي خلال الحرب في عام 2020 قبل الاستيلاء السريع على منطقة ناغورني قره باغ الانفصالية الشهر الماضي.
ويشير أوزيل إلى أن المصالح المشتركة بين البلدين تتغلّب في نهاية المطاف، “كما يظهر تعاونهما المباشر أو غير المباشر في القوقاز، على الأحقاد الشخصية المشتركة للاثنين، بالرغم من اختلاف طرق تعاملهما مع التحدي الأبرز الذي هو إيران”.
ولفت إلى أنه من المرجح أن يتبنى أردوغان موقفاً أكثر تشدداً تجاه إسرائيل مع تزايد تكلفة الحرب البشرية، فقد هاجم الخميس الماضي حصار إسرائيل لغزة وقرار الولايات المتحدة بإرسال حاملة طائرات إلى المنطقة.
وقال أردوغان “نحن لا نريد انتشار الصراعات إلى منطقتنا، بدلاً من دعم أحد الأطراف بصورة عمياء، ندعو الجهات المؤثرة إلى خفض التوتر”.
أما بالنسبة لأي تأثير قد تمارسه تركيا على حماس، فيعتقد أوزيل أن “حماس ستنصاع أكثر للإشارات التي تأتيها من طهران” حيث دعم النظام الإيراني هذه الجماعة المسلحة الفلسطينية لسنوات.
وختمت ناسي من كلية لندن للاقتصاد بالقول إن إسرائيل “تدعو إلى دعم دولي واضح خلال الأزمة فهي تريد رؤية موقف حلفائها وأعدائها، تماماً مثلما فعلت إدارة بوش بعد هجمات 11 سبتمبر” ووفقاً لهذا المنظور، يتوقف الجواب على السؤال ما إذا كانت إسرائيل ترى تركيا حليفاً موثوقاً به أم لا؟.