عائشة صبري
بعد عامين من إقامته في تركيا بوثيقة “إقامة طالب”، اضطر وسام إلى تغيير نوع إقامته إلى “سياحية”، في العام 2021، باعتبارها “الخيار الوحيد المتاح” له، لأنه اضطر إلى ترك دراسته في إحدى جامعات إسطنبول.
عادةً، لا يجد وسام، وهو ثلاثيني أعزب ينحدر من مدينة حماة، صعوبة في تجديد إقامته السياحية، وتكون صلاحيتها لمدة عام كامل، لكن في آخر تجديد، قبل شهر، حصل على إقامة مدتها ستة أشهر، وأجبره الموظف على التوقيع على “تعهد بتحويلها إلى إقامة عمل قبل انتهاء إقامته، أو أن يضع مبلغاً في رصيده البنكي نحو عشرة آلاف دولار أميركي كشرط حتى يتمكن من تجديد إقامته السياحية لمدة عام كامل، كما قال لـ”سوريا على طول”.
عبّر وسام (اسم مستعار)، وهو موظف في إحدى المنظمات الإنسانية السورية العاملة في تركيا، عن تخوّفه من المستقبل الذي ينتظر أصحاب الإقامات السياحية، لافتاً إلى أن “شروط تجديدها ما تزال غير واضحة”، وهذا ما يجعل حاملي هذا النوع من الإقامات في “وضع استنفار وتخوّف دائمين، وحيرة في كيفية التعامل مع القرارات الجديدة، خاصة ما يتعلق بإيداع المبلغ في الحساب البنكي وآلية التصرف به”.
في أواخر نيسان/ أبريل 2024، فرضت دائرة الهجرة التركية شروطاً جديدة على تجديد الإقامة السياحية، من دون إصدار قرار رسمي، منها: تجديد الإقامة السياحية لمدة ستة أشهر، وتوقيع الراغبين في الإقامة بتركيا تحت هذا النوع من الإقامات لفترة تزيد عن عام على “وثيقة مسؤولية“، يلتزمون فيها بتحويل الإقامة إلى “إقامة عمل”، أو يتعهد صاحب الإقامة السياحية بوجود دخل، لكل فرد من أفراد العائلة، يزيد 50 بالمئة عن الحد الأدنى للأجور في تركيا، البالغ 17 ألف ليرة تركية (580 دولار أميركي)، على أن يكون المبلغ مودعاً في حسابه البنكي.
وفي الشهر ذاته، فعّلت السلطات التركية تطبيق نظام التبليغ الإلكتروني لصاحب الإقامة، بحيث يمكن للشخص متابعة حالة طلبه عبر التطبيق، الذي يتطلب تفعيله من مركز البريد التركي PTT).)
بلغ عدد الإقامات السياحية في تركيا 591,960 إقامة، بحسب إحصائيات رئاسة الهجرة التركية المحدثة في 6 حزيران/ يونيو الحالي، وتأتي سوريا في المرتبة الرابعة من بين الدول الحاصلة على إقامات سياحية، بعد العراق وتركمانستان وروسيا، بعدد 56,611 إقامة سياحية.
عقبات بالجملة
يبحث وسام عن إمكانية “تأمين إذن عمل لتحويل الإقامة السياحية إلى إقامة عمل”، رغم أن “تحقيق هذا النوع من الإقامة صعب بسبب الشروط المطلوبة لمنح إذن العمل”، على حد قوله، إذ تشترط السلطات التركية “تشغيل صاحب المؤسسة خمسة أتراك مقابل كل عامل أجنبي”، وهو شرط يصعب تحقيقه، خاصة في المهن التي يغلب فيها العمالة السورية، وهو شرط لا يتحقق في مؤسسة وسام.
وفي هذا السياق، قال المستشار القانوني مجد الطباع، المقيم في إسطنبول، أن “غالبية الشركات غير التركية لا يوجد لديها العدد الذي تشترطه السلطات التركية، من الموظفين الأتراك”، وهو ما دفعهم سابقاً إلى الحصول على إقامات سياحية، “ويجدون حالياً صعوبة في حصولهم على إقامات العمل عوضاً عن السياحية”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
وأشار المستشار القانوني إلى أن معظم مراجعي مكتبه في إسطنبول، الذين حصلوا على تمديد الإقامة السياحية بعد الشروط الجديدة، أي لمدة ستة أشهر، “يحاولون إيجاد عمل في شركات تتيح لهم الحصول على إذن عمل من أجل ضمان الحصول على إقامة عمل لاحقاً”.
وأيضاً، يترتب على عملية تسجيل الموظفين إلزامهم بالاشتراك في الضمان الاجتماعي (SGK)، بحيث يُقتطع 35 بالمئة من قيمة الراتب الشهري للموظف، يتحملها قانونياً صاحب العمل، أو مناصفة بين صاحب العمل والموظف، لذا في الغالب “يرفض صاحب العمل توقيع عقد مع الموظف وتسجيله لدى الكاتب بالعدل (النوتر)”، بحسب وسام.
إشعار ضريبة (SGK) لموظف راتبه بالحد الأدنى 17 ألف ليرة تركية – المصدر: سوريا على طول
في استبيان وزعته “سوريا على طول” على 24 لاجئاً سورياً، بينهم 11 أنثى، من حملة الإقامة السياحية في ولايات إسطنبول، غازي عنتاب، مرسين، إزمير، قال 70.8 بالمئة منهم إنهم يواجهون عدة صعوبات في تجديد الإقامة السياحية، منها: رفض التجديد، عدم وضوح الشروط المطلوبة دون توضيح السبب، منح الإقامة بمدة صلاحية قصيرة، وعدم إمكانية الحصول على إذن عمل يخوّلهم تبديل نوع الإقامة، إضافة إلى عجزهم عن تأمين المبلغ المطلوب إيداعه في البنك، عن أنفسهم وأفراد عائلاتهم، كما في حالة عز الدين (اسم مستعار)، ابن محافظة ريف دمشق.
يعيش عز الدين مع أمه وزوجته وولدين، في مدينة مرسين، جنوب تركيا، ويحمل بطاقة حماية مؤقتة (كملك)، وهي خاصة باللاجئين، لكن باقي أفراد العائلة يحملون إقامات سياحية، منذ عام 2021، كما قال الرجل الخمسيني لـ”سوريا على طول”.
لدى عائلة عز الدين موعد لتجديد إقاماتهم السياحية، في أيلول/سبتمبر المقبل، لكنهم غير قادرين على تأمين الرصيد البنكي، وهو شرط لتجديد الإقامات السياحية لمدة عام، ولا يمكنهم تحويل إقاماتهم إلى “إقامة عمل”.
“لا أدري ماذا أفعل، ليس هناك إمكانية للسفر إلى بلد آخر، لعدم وجود بلدان تستقبل السوريين، كما لا يمكن حصولهم على بطاقات كملك” كما قال عز الدين، إذ إن تركيا أوقفت منحها للسوريين منذ شباط/فبراير 2022، وفقاً لقوله.
ومن التحديات التي تواجه السوريين في تجديد إقامتهم: صعوبة تجديد جواز السفر السوري، وعدم القدرة على استخراج أوراق الأحوال الشخصية من دوائر النظام السوري، لا سيما بالنسبة للمنشقين أو المطلوبين للنظام، كما أوضح 66.7 بالمئة من المشاركين في استبيان “سوريا على طول”.
ناهيك عن وجود عقبات تواجه السوريين منذ عدة سنوات، من قبيل: أزمة تثبيت عنوان السكن في دائرة الهجرة التركية، إذ بعد إجبار أصحاب المنازل المستأجرين على إخلاء منازلهم، يواجه السوري مشكلة تثبيت العنوان الجديد، بمبرر قانوني مفاده أن المنطقة محظورة عليهم، لأن عدد السكان الأجانب تجاوز نسبة 25 بالمئة، وفي بعض الأحيان بناءً على مزاج الموظف، كما قال موظف في شركة دليل للاستثمارات السياحية، مقرها إسطنبول، لـ”سوريا على طول”.
ولأجل مشكلة “تثبيت العنوان”، اضطرت عائلة سورية من ريف حمص، أم وثلاث بنات، مغادرة تركيا لعدم قدرتهم على تثبيت نفوس الأم في مسكنهم الجديد بإسطنبول، بينما تمكنت بناتها من تثبيت عنوان سكنهم كونهنّ طالبات جامعيات، حسب الموظف في شركة دليل.
“كانت العائلة تقيم في منزل بمنطقة الفاتح، لمدة ثلاث سنوات، لكن البلدية طلبت منهم إخلاء البناء لأنه قديم وغير مقاوم للمنازل”، وبعد بحث عن منزل، وجدنَ منزلاً في منطقة أكشم ستين، وهي منطقة محظورة على الأجانب، لذا “قررت العائلة العودة إلى مكان إقامتهن السابق في الكويت” بحسب الموظف.
دوافع التشديد
في مطلع أيار/ مايو 2022، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن خطة من ثماني مراحل تتيح عودة مليون لاجئ سوري “طوعاً”، في إطار عزم أنقرة تقليص أعداد السوريين على أراضيها.
وشهد عام 2023 عودة 103,045 لاجئاً سورياً “طوعاً إلى بلادهم”، كما أوضح وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، في 13 حزيران/ يونيو الحالي، وبذلك أصبح عدد العائدين إلى سوريا بين عامي 2016 و2024: 658,463 سورياً/ة.
جاء التشديد على حملة الإقامات السياحية تتويجاً لسياسات أنقرة في التعامل مع السوريين “لدفعهم إلى مغادرة البلاد”، كما قال المحامي غزوان قرنفل لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن شرط إيداع دخل شهري بمعدل 1.5 من الحد الأدنى للأجور “هو بند قديم في الإقامة السياحية، لكن أعيد العمل فيه حالياً بقصد تنظيم الإقامات السياحية وتقليل عدد المقيمين في تركيا”.
وبما أن شرط الحصول على إقامة سياحية لمدة عام كامل يتطلب إيداع الشخص عن كل فرد في العائلة مبلغ 25,500 ليرة تركية شهرياً، أي بإجمالي 306,000 ليرة سنوياً (9925 دولاراً)، هو مبلغ يفوق قدرة غالبية السوريين من حملة الإقامات السياحية، فإن الخيار البديل هو “الحصول على إذن عمل يتيح للشخص الحصول على إقامة عمل وللعائلة على إقامة عائلية، تنتهي مع انتهاء فترة إذن العمل في حال لم يتم تجديده”، بحسب المحامي قرنفل.
لكن المشكلة أن “عدد أذونات العمل ضئيل مقارنة بعدد الأيدي السورية العاملة في تركيا، إذ لم يتجاوز عدد أذونات العمل الصادرة 60,000 إذن عمل، منذ عام 2012 حتى الآن، بينما يتجاوز عدد الأيدي السورية العاملة المليون شخص”، بحسب المستشار القانوني قرنفل المقيم في مرسين، وهذا يؤكد “صعوبة حصولهم على إذن عمل أو تجديده بسبب العراقيل أو الروتين الإداري من دون تفسير منطقي”، وفقاً له.
وعدا عن محدودية الخيارات أمام السوريين، فإنهم يصطدمون أيضاً في “تطبيق القرارات بشكل مفاجئ، ومن ثم يتم الإعلان عنها، أو قد تطبّق قرارات عليهم دون الإعلان عنها”، وآخر هذه القرارات “وثيقة التعهد التي تجبر الشخص على تحويل إقامته إلى إقامة عمل أو إيداع مبلغ في حسابه البنكي”، وفقاً للموظف في شركة دليل.
تعليقاً على ذلك، قالت إيناس نجار، مديرة الاتصالات في اللجنة السورية-التركية المشتركة إن “شروط الإقامة السياحية نفسها”، مشيرة إلى أن “تفعيل الشروط هدفه معرفة عدد المقيمين في تركيا وعدد السياح والفصل بينهما، لا سيما مع تزايد أعداد الحاصلين على إقامات سياحية بغرض الاستقرار من كافة الجنسيات”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.
ويتفق الناشط الحقوقي طه الغازي، في أن رئاسة الهجرة التركية تهدف من شروطها الجديدة حول تجديد الإقامة السياحية “تنظيم وجود الأجانب في تركيا”، لكن هذا التنظيم “كان عبارة عن وضع عراقيل”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.
وأضاف الغازي: “لاحظنا أن هناك حالة مزاجية في قبول الموظفين تجديد الإقامة أو رفضها”، معتبراً أنه “لا يوجد منظومة أو مرجعية قانونية ثابتة تحمي اللاجئين السوريين أو غيرهم من الأجانب”.
وأشار الغازي إلى أن إجراءات الداخلية التركية “تندرج في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية، لكن عند تطبيقها تم حرف مسارها في اتجاهات تتضمن انتهاكات قانونية”، لدرجة أن “بعض الموظفين الإداريين أو الشرطة الراجلين صاروا ينظرون إلى كل أجنبي على أنه مهاجر غير شرعي، ما خلق بيئة من الانتهاكات بحق المقيم في تركيا بصورة شرعية، لاجئون سوريون وأجانب”، بحسب الغازي.
في اجتماع نظمته ولاية اسطنبول لمنظمات المجتمع المدني الدولية، بحضور والي اسطنبول داود غول، ورئيس مديرية الهجرة ورئيسة مديرية النفوس في اسطنبول، قدّم ممثلون عن “منبر منظمات المجتمع المدني” السوري اقتراحين حول الشروط الجديدة لتمديد الإقامة السياحية للسوريين، وهما: “مراعاة أصحاب أذونات الإقامة القديمين وألا تكون التحديثات بأثر رجعي، تسهيل انتقال أصحاب الإقامة السياحية إلى أنواع أخرى من الإقامة كإقامة العمل والإقامة الإنسانية”.
وشددوا في بيانهم الصادر في 2 حزيران/ يونيو الجاري على ضرورة مراعاة الدول غير الآمنة، بما في ذلك سوريا، في مسألة الإقامات وتسهيل الإقامات السياحية لهم.
“شخصياً ما زلت أرغب بالبقاء في تركيا رغم جميع الظروف الحالية”، قال وسام، لكن يبقى السؤال هل سيجد مخرجاً قانونياً أو تمنحه السلطات التركية، كما غيره من السوريين، تسهيلات تضمن لهم حق البقاء باعتبارهم من بلد منكوب ما زال يعاني من ويلات الحرب؟
المصدر: سوريا على طول