د.جمال الشوفي
تعيد السويداء اليوم سيرتها من البداية، سيرة ثورة الحرية والكرامة بسلميتها وتوجهها الوطني قبل أن تتداخل فيها شتى أشكل العنف والصراع المحلي والإقليمي والدولي. السويداء المحافظة السورية الواقعة في المنطقة الجنوبية وعلى الحدود الاردنية. والمعروفة بأن غالبية سكانها من الاقليات التي ادعى النظام زورًا حمايتها لتبرير حملته الامنية العسكرية على المجتمع السوري بأكمله بحجة محاربة الإرهاب. وأبناؤها سوريون مدنيون علمانيون يمارسون حياتيًا وتاريخيًا الفصل بين الدين والسياسة وإدارة المجتمع، كما ويميزون بين السلطة ونظام حكمها القمعي والدولة ومؤسساتها، ومستمرون بالتظاهر السلمي المدني بارادتهم الحرة والواعية للوصول لاستحقاق التغيير السياسي الوطني للسلطة القائمة، وبوابتها الدخول في مرحلة انتقالية بمرجعية القرارات الدولية وأهمها 2254 وبيان جنيف ١ عام2012 .
طوال سبعة أشهر مارس أبناء هذه المنطقة احياء كافة مواضع الثورة والتاريخ السوري الحديث، بدءًا بحملة المطالبة تحويل مجرمي الحرب بحق الشعب السوري من كافة الجهات سلطوية أو قوى أمر واقع ومجرمي الحرب للاهي، وحملة المعتقلين… واليوم يحيون ذكرى الثورة السورية ما بين 15 و18 أذار، وقبلها بأسبوع كان عنوان ساحة كرامتها، الاحتفال بيوم المرأة العالمي ودورها في بناء المجتمعات العصرية. ويتجهزون لعيد الأم وذكرى وفاة المرحوم سلطان الأطرش.
إن أبناء السويداء، ورغم ما يحيق بالوضع السوري من تعمية إعلامية وجمود في ملفاته، لكنهم يؤكدون للشهر السابع وبشكل يومي على:
– أن لا حل في سورية الا بالحل السياسي الجذري، والذي ينهي استبداد السلطة الحاكمة ويؤدي الى بناء دولة الحق والقانون، الدولة الوطنية العلمانية لكل السوريين.
– متمسكون بوحدة التراب والهوية السورية، وان كل السوريين من عرب وكرد، أكثرية واقليات دينية أو عرقية او ثقافية، متساوون في الحقوق المدنية والسياسية والايمانية.
– رغم هجرة شبابها الواسع والملاحقات الأمنية التي تطال البقية منهم والوضع الاقتصادي المتدهور، لكن ترفض السويداء المشاريع الانفصالية والترويج المشبوه للإدارة الذاتية، وترى انه مشروع غير قابل للتطبيق ولا يمكن نجاحه فيها، فيما أن اللامركزية الادارية مشروع متقدم ديمقراطيًا لا يمكنه أن يبصر النور الا بعد الدخول في مرحلة الانتقال السياسي وانتخاب هيئة تأسيسية سورية تقرر شكل نظام الحكم والإدارة ودستور البلاد يؤسس لدولة تكون السيادة فيها للشعب.
– رغم أن السويداء تعاني التهميش الاقتصادي والسياسي والإنساني منذ عقود في ظل حكم السلطة القائمة منذ السبعينيات، ورغم أنها لليوم مستبعدة من المشاريع التنموية سواء من سلطة الاستبداد في دمشق أو حتى من مؤتمر المانحين الدوليين في بروكسل بحجة انها واقعة تحت سيطرة النظام، لكنها بذات الوقت لا تخضع لسلطته ولا لأية سلطة امر واقع أو قوى الانفصالية او إرهابية، وترفض الانجرار للعنف، وقواها الأهلية رفضت وترفض الانجرار للخوض في الدم السوري وغايتها فقط الحماية المحلية من أي اعتداء خارجي. ورغم هذا تعرضت مراراً لهجمات متطرفة كان أبرزها هجمة داعش 2018 والتي صدها الأهالي وحدهم ولم يتدخل الجيش السوري فيها. وحاربت مروجي ومهربي المخدرات المحميين والمدعومين من الأجهزة الأمنية، كما أثبتت شهادات ووثائق الحملة الأهلية صيف 2022 على أحد أهم قلاعها المعروفة ب”قوات الفجر”، والوثائق الأخيرة التي نقلتها مواقع محلية بعد استهداف عدد من مروجي المخدرات في المنطقة.
أبناء السويداء منفتحون على كافة القوى والفعاليات السورية السياسية والمدنية والاهلية خاصة هيئة التفاوض السورية التي تبحث في الحل السوري وفق القرارات الدولية، والتي تضم بين ضفتيها غالبية القوى السياسية والمدنية السورية، ويؤكدون عبر تفاهماتهم المشتركة على أولوية الانتقال السياسي قبل البحث في الدستور من خلال اللجنة الدستورية. ويدعون بشكل مشترك دول العالم المتقدم والعصري والمؤمن بحرية الشعوب وحقها في الحياة الحرة والكريمة تفعيل الحل السوري بالمبدأ انتصارًا للقيم المدنية العصرية ولحق الشعب السوري في ذلك، وعلى أحقية التظاهر السلمي للوصول للتغيير السياسي الوطني، مع التحذير من أية سيناريوهات للعنف ضد المتظاهرين السلميين أو ضد السويداء بعمومها قد تفتعلها أذرع السلطة الأمنية.
المضامين والعناوين أعلاه، كانت خلاصة رسالة السويداء للسوريين والعالم والعرب جميعاً، والتي عملت على نقلها وقرائتها العلنية في اجتماع إسطنبول لهيئة التفاوض مع دول العالم المتقدم والمنصات المدنية ومراكز البحث السورية. فالحل الجذري السوري والدخول في مرحلة انتقالية سيحقق الاستقرار والسلام والأمان للسوريين عامة وسيؤمن عودة المهجرين منهم الآمنة، ويؤدي لوقف القمع والقتل والتهجير والافراج عن المعتقلين والمغيبين قسراً. كما وسيحقق السلام والاستقرار في المنطقة برمتها ويمنع بقاء السويداء وسورية مزرعة لتجارة وتهريب المخدرات وتمدد الميليشيات الطائفية الإيرانية أو المتطرفة في الجهة الأخرى. وهذا ما على المبعوث الدولي من قبل الأمم المتحدة إدراكه جيداً والعمل عليه.
يُذكر، أنه حين اختلف الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد حول طبيعة الحكم الملكي أو الجمهوري، أنه حين فاز داريوس بالملك، كان رد أوتانويس المؤمن بالحكم الجمهوري: “أما انا فلا أَحكم ولا أُحكم”. الموقف الذي وثقه هيروديت بأنه ساهم في استقرار الإمبراطورية وقتها ومنع الحرب والفتن، وحقق الخروج من دوائر الاستعصاء، فهل سيعيد التاريخ ذاته ونعيد ذات الحكمة حين نُسأل عن الاستعصاء السوري وتخاذل العالم بالحل السوري ونقول: أما نحن فلسنا طلاب سلطة لنَحكم، ولكنّا حكماً لا رجعة للوراء تحت حكم سلطة يلفظها التاريخ والأعراف والقيم العصرية منها، فهل وصلت الرسالة…