المحامي مهند الحسني
14 سنة من عذاب القصف اليومي الأسدي و أخيراً ها هي الولايات المتحدة الأمريكية ترفع الحظر المفروض على توريد أنظمة الدفاع الجوي بمضادات الطيران بشرط أن لا يستفيد منها سوى المليشيات الكردية الانفصالية دوناً عن غيرها من عموم الشعب السوري اليتيم.
14 سنة من احتدام الصراع مع مليشيات المجرم الدولي بشار الأسد من أصلها عشر سنوات بطعم البراميل الأسدية العشوائية الهدف المحملة ” ديناميت و قطران و مسامير و شظايا ” لم تكن كافية لإقناع الإدارات الأمريكية المتعاقبة لاسيما الديمقراطية بقبول:
– فكرة فرض منطقة حظر جوي كتلك التي فرضتها بإرادة منفردة على دولة العراق “حينما كان للعراق دولة ” بدون موجب أو مبرر أو قرار دولي و لأكثر من ثلاثين عاماً.
– أو القبول بفكرة فرض منطقة آمنة حتى جاءت تركيا و فرضتها عنوة بينما لم تعترف بها أمريكا و كانت وما زالت تتآمر على المنطقة الأمنة الوحيدة في سوريا بالتعاون مع المليشيات الانفصالية الإرهابية.
– أو حتى القبول بفكرة السماح للسوريين بحق الدفاع المشروع عن النفس بمواجهة البراميل من خلال منح السوريين الحق بامتلاك أي شكل من أشكال الدفاع الجوي ” صواريخ حرارية … أنظمة دفاع جوي ”.
الأمر الذي أفضى لأكثر من مليون قتيل بالقصف الجوي فقط مع موجات نزوح جماعي تجاوزت نصف عدد سكان سوريا و هم الآن عبئ على أنفسهم على الانسانية و مطرح صالح لاقتراف الجرائم بحقهم والإتجار بمصيرهم و الابتزاز الرخيص من قبل دول الجوار ذات النوازع غير الكريمة ” لبنان مثالاً ”
بالأمس وبعد خراب مالطا ها هي إدارة بايدن تعلن عن تسلح وتدرب الإنفصاليين الأكراد الإرهابيين بدون قرار دولي و لا مجلس أمن ولا هم يحزنون بأنظمة دفاع جوي متطورة.
أعادني ذلك بالذاكرة لبدايات الثورة عام 2012 حينما كان الاهتمام الأمريكي بنا على أشده خوفاً من سقوط النظام المجرم بدمشق في غفلة من الزمن، و في تلك المرحلة كان لبرامج العدالة الإنتقالية موقع الصدارة على طاولة التمويل العالمي لبرامج حقوق الإنسان قبل أن تتحول تلك البرامج من إنتقالية لتصبح انتقامية و انتقائية.
في ذلك الوقت وعقب خروجي من سوريا تلقيت دعوة كريمة من مركز واشنطن للدراسات لحضور ورشة عمل بألمانيا تحت عنوان ” اليوم التالي لسقوط بشار الأسد ” و التي قسمت لورشات عمل منها الدستورية و منها ما يتعلق بإصلاح قطاع الأمن و منها ما يتعلق بالإنتخابات و أخرى لإعادة الإعمار والإصلاح الاقتصادي و الاجتماعي و غيرها و كان على رأس كل مجموعة خبير أمريكي يدير الجلسة.
استهليت الحضور مع مجموعة الإصلاح الدستوري و كانت تدير الجلسة أستاذة من ألطف نوع تدرس القانون الدستوري بجامعة كولومبيا بنيويورك لكن المشكلة عندها أنها لا تعرف شيء عن سوريا.
لذلك كانت تتحدث عن تجربتها في أفغانستان و كيف ركب نساء البشتون على الحمير و سافروا عبر الصحراء لأربعة أيام حتى وصلوا ” كابول ” كي يشاركوا بالانتخابات لأول مرة في حياتهم…. إلخ
من جهتي لم أحتمل و استأذنت بالحديث قائلاً : ما علاقتنا بكابول و بالبشتون و بالحمير و بالصحاري … نحن سوريين… نحن من منح الحق للمرأة بأن تكون ناخبة ومنتخبة قبل سويسرا ب 23 سنة على الأقل.
و أن الآباء المؤسسين و في أعقاب خروج العثمانيين من المنطقة إختطوا لنا أعظم دستور عام 1920 للدولة السورية التي تجاوزت مساحتها بذلك الوقت / 680 / ألف كم2 مما استدعى قوى الشر العالمي
” الإنجليز و الفرنسيين ” لاحتلال المنطقة كلها والعمل وفق هدي سايكس بيكو 1916 و وعد بلفور المشؤوم 1917 و مقررات مؤتمر كامبل بانرمان لعام 1907.
و لعل أجمل ما في الشخصية الأمريكية الأكاديمية هو عنصر الإنفتاح على الآخر و الاعتراف بالخطأ و القبول بالصواب دون محاولة اللف و الدوران و استمناء الأفكار المعيارية المخاتلة، لذلك أطرقت مديرة الجلسة قليلا ثم إعترفت أن خبرتها بسوريا قليلة و أن من غير الجائز إسقاط تجارب دول أخرى على الحالة السورية عنوة وتحدثت معي على إنفراد بعد أن انفضت الجلسة و طلبت مني زيارتهم في نيويورك و التعرف على زوجها وهو أستاذ جامعي بالتاريخ السياسي الحديث و أن نتحدث ملياً عن سوريا و الشرق الأوسط مستقبلاً.
و الحقيقة أن هذا الموقف الواعي الذي يحترم عقول الآخرين هو ما نحن بحاجة إليه من دوائر اتخاذ القرار في واشنطن فيما يتعلق بسوريا و بعيداً عن سموم الدس الليكودي القادم من تل أبيب تحت عناوين براقة مثل ” مكافحة الإرهاب أو معالجة التطرف الإسلامي أو سياسات جز العشب أو غيرها ” من السموميات التي أفضت لتحويل جميع دول جوار إسرائيل في نهاية المطاف إلى دول تتفاوت فيما بينها بالفشل من سوريا للعراق لمصر للبنان و للاردن وغيرها.
بإختصار و كي لا أطيل: نحن كسوريين نريد أن نخرج قضيتنا من بين براثن وأنياب المبعوث الرئاسي السابق للتحالف الدولي لمكافحة داعش و مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي و كبير مستشاري السفير الأمريكي بالعراق ” بريت ماكغورك ” و الذي يتمتع بتاريخ مخزي ” من مفاوضات سرية مع إيران لتسهيل استيلائهم على العراق في مقابل أربع أسرى أمريكان … لعمليات تزوير فاضحة للإنتخابات العراقية لتمكين صبي إيران في العراق ” نوري المالكي ” من الاستيلاء على السلطة عنوة ومن ثم تسليم العراق على طبق من ذهب لإيران و النهب المفضوح للمال العام بالعراق و مساعدة داعش للسيطرة على الموصل تمهيداً لاقتراف أكبر مجزرة إبادة جماعية بالعصر الحديث بحق المكون العربي المسلم بالعراق على يد الملالي و المليشيات التابعة لها.
جميع تلك الآثام و التي كان آخرها تسليم سوريا مجاناً لإيران على هامش الإتفاق النووي أثناء حكم أوباما يتحمل وزرها هذا الرجل الذي يعتبره اليمين المتطرف الحاكم في تل أبيب رجل المهمات الصعبة المطيع و المحبوب و التي أفضت مساعيه في نهاية المطاف لسقوط فعلي لجميع دول جوار إسرائيل مع الحفاظ على ختم الدولة بيد العصابات الحاكمة المارقة التي لا شرعية لها و التي استولت على السلطة بالحديد و النار.
متى ستدرك الإدارات الأمريكية أننا كشعب سوري لن نقبل بالنموذج العراقي المسخ و أن محاولات إسقاطه علينا من خلال دعم ومساندة الانفصاليين الأكراد و تسهيل احتلالهم بالبطش والقوة الضاربة لأراض تتجاوز حدود المناطق التي يوجد فيها أكراد كمكون من بين باقي المكونات بأكثر من 90% تمهيداً لفرض التقسيم عنوة و كأمر واقع كما حدث بالعراق سيكون خطأ إداً سيدفع ثمنه الجميع و على رأسهم الأمريكان أنفسهم على الأمد البعيد.
و أن ترسيخ نظام حكم القلة في دمشق وتحويل البلاد لإمارات حرب متصارعة فيما بينها لن يفضي في نهاية المطاف إلا للمزيد من القلاقل و الهجرة و الإضرابات و التي تنفرد بتحمل مسؤوليتها تاريخياً وأخلاقياً الولايات المتحدة الأمريكية.
المنظمة السورية لحقوق الإنسان