تُعتبر الثورة السورية هي الباقية من ثورات الربيع العربي ، حيث تَمكّنت الثورات المضادة من إجهاض كل موجات الربيع العربي الأولى والثانية ، فيما بقيت أعظم تلك الثورات صامدة على أرضها ومُتمسكة بثوابتها مع علم الجميع أنها كانت تُحارَب داخلياً وإقليمياً ودولياً ، وكمية ونوعية العنف الذي الذي واجهته غير مسبوق تاريخياً ( ويمكن أن لا يتكرر )
وتملك الثورة السورية كل فرص النجاح وتحقيق أهدافها ، فهي لم ترحل إلى التاريخ وبقي منها آلام وآمال لم تتحقق وذكريات بحلوها ومرّها ولم تتحول لفكرة ومشروع للأجيال اللاحقة ، بل إنّ الثورة السورية حقيقة قائمة على جزء من الجغرافيا السورية ( وهذا مهم جداً حيث لاثورات في بلاد المنافي والإغتراب ) وتملك حاضنة شعبية ومؤسسات وقوى عسكرية واعتراف دولي بشرعيتها ومشروعيتها في أن تكون الجزء الأهم في المستقبل السوري….
ومن لم يتمكّن من هزيمتها عسكرياً ولم يصل لأهدافه بقتل الفكرة والمشروع بعد كل التدمير الوحشي لحاضنتها المدنية ، لم يبقَ مجال أمام الذباب الإلكتروني والجيوش الإلكترونية لاعدائها ( والبعض منهم يَحسب نفسه على الثورة ) إلا نشر الإشاعات وتلفيق الأخبار لإحباط القاعدة الشعبية ، وأسهل طريقة هي نسج قصص وروايات ألف ليلة وليلة عن عودة العلاقات بين تركيا ونظام الأسد ، لأنهم يُدركون أنه لم يبقَ بصف الثورة السورية إلا تلك الدولة وهي تقدم ماتستطيعه من أشكال الدعم للحفاظ على سوريا الثورة أرضا وجمهوراً…
حيث يلجؤون لحياكة قصص ورسم سيناريوهات عن إتفاقات لتسليم تركيا مناطق الشمال إلى نظام الأسد مقابل لاشيئ…
فيسلطون الأضواء على مقال رأي لكاتب صحفي تركي مغمور نشره في صحيفة صفراء مجهولة ومقربة من حزب يساري تركي لايملك أي رصيد سياسي في الشارع التركي ، ومعروف عن الحزب صداقته مع نظام الأسد منذ فترة طويلة ، حيث يقول الكاتب إنّ لقاءاً أمنياً بين مسؤولين أتراك ومن نظام الأسد عُقِدَ في قاعدة حميميم ، ومع أنّ لاتأكيد رسمي من الأطراف الثلاثة ( الروس والأتراك ونظام الأسد ) لحدوث هذا اللقاء ، إلا أنه لو حصل يبقى خبراً عادياً ، وعادة اللقاءات الأمنية لايتمّ الإعلان عنها إلا بعد فترة ( أو لايعلن عنها أبداً ) ، وجرت لقاءات كثيرة على المستوى الأمني بين ضباط أتراك وضباط من نظام الأسد. كثيرا ، ولان الرواية ضعيفة قال الخبر إنه تمّ الإتفاق على عقد جولة أخرى في بغداد ، والخبر يُناقض نفسه فلو أنه نجح اللقاء ( إن حصل ) في سوريا برعاية روسية ونجح وسيتمّ البناء عليه فالخطوة التالية عقده في تركيا نفسها وليس في بغداد البعيدة عن الملف السوري ، ويبدو أنّ صانع الخبر أراد ربطه بما قيل عن وساطة عراقية بين أنقرة ودمشق أثارت الكثير من اللغط بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي لأنقرة مؤخراً…
وليبدو الخبر اكثر ركاكة قيل إنّ الوساطة العراقية هي نتيجة لقرب إنسحاب أمريكي من سوريا ، مع أنّ أحداً لايستطيع المجيىء بخبر عن النية الامريكية بالإنسحاب أو حركة على الأرض تنبئ عن ذلك خاصة في مثل هذه الظروف…
ولتخويف الجمهور والناشطين ترافقت منشورات الذباب الإلكتروني لنظام الأسد ( حسين مرتضى، عمر رحمون، وغيرهم ) عن قرب تسليم إدلب الأبية للنظام ولتهيئة الأجواء ترافق ذلك بأخبار لا أساس لها عن ملاحقة الدولة التركية لكل النشطاء ( في تركيا والشمال ) لكل من يقف ضد التطبيع المرتقب، وحيكت أخبار أيضا عن اعتقال العميد أحمد رحال نفاها بنفسه مؤخراً….
دائما لجلي الحقيقة والتأكد من بوصلة الأحداث يجب مراقبة الحركة على الأرض ، وهذا يجب أن يأخذ أكثر من 90% من الجهد لفهم مايدور ، وماتبقى من النسبة المئوية تُؤخد من تصريحات وافعال المسؤولين الرسميين .
وعلى ذلك يُمكن أن أؤكد أنّ تلك الشائعات والحروب النفسية لن تنال من عزيمة شعبنا في مواصلة طريقه ولن تُؤثر سلباً على العلاقة الإستراتيجية بين تركيا والثورة السورية.
*د باسل معراوي*