ميساء قباني
وصلتني دعوة تم توزيعها على السوريين والسوريات للانضمام إلى قائمة المرشحات لما يعرف باسم المجلس الاستشاري النسائي لدى مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سورية غير بيدرسون.
وتستهدف الدعوة، حسب نصها الحرفي، السيدات السوريات النشيطات اللاتي يجدن في أنفسهن معايير ملائمة للتقدم لعضوية المجلس، حيث يجب إرسال السيرة الذاتية مع استمارة التقديم قبل نهاية شهر أغسطس الحالي، ليتم تعيين عشر عضوات جديدات بحلول نهاية عام 2023 وخمس عضوات إضافيات بحلول يوليو 2024.
بالنسبة إليّ شخصياً، كنتُ قد رأيت، قبل سنوات، نموذجاً من هذه التجمّعات التي يشرف عليها مكتب المبعوث الدولي ونظراؤه، حين حضرتُ على هامش اجتماعات لمناقشة الدستور السوري قرب إحدى القلاع التاريخية بالنمسا، واستمعتُ حينها إلى كلام عجيب لا علاقة له لا بالسوريين ولا بمستقبلهم، فكان المجتمعون وغالبيتهم من الأقليات الدينية والطائفية يناقشون شكل سورية المستقبل، وحين سألتهم ماذا عن رأي الأكثرية العربية السنية في هذا الموضوع؟ ثارت ثائرة الموظف الأممي المشرف عليهم وطالب بإبعادي عن الاجتماعات!!
مؤتمر قلعة شلننغ هذا توافق المشاركون فيه، وحدهم ودون إذن الشعب السوري! على أن شكل سورية القادمة، وبينما كان هؤلاء يجتمعون سرّاً كانت مدينة حلب تتعرّض للقصف والحصار على أيدي روسيا والأسد، ليتبيّن أن أبرز أهداف لقائهم كان تعويم مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التابع للـ PKK الذي كان في الوقت نفسه يرتكب جريمة ضد الإنسانية في عفرين بحق عناصر الجيش السوري الحر لا تزال وثائقها وصورها البشعة حاضرة ومتوفرة في شبكة الانترنت.
حينها سألتني وسائل الإعلام عما جرى في هذا المؤتمر، ونشرت لي التصريحات التالية ”طردوني من القاعة التي يعقدون فيها مؤتمر سلام من أجل سورية، وهو مؤتمر بضواحي فيينا لنقاش الدستور السوري الجديد، وقد سمعت عنه من أحد الأصدقاء المدعوين منذ ثلاثة أيام فقط، وتحمست للقائه كونه قادماً من تركيا، وأنا قريبة بألمانيا، لم أكن مدعوة، ولا أعرف من هم السوريون والسوريات الحاضرون. وصلت والتقيت بأصدقائي بعد انتهاء الجلسة في اليوم الثاني، سألتهم: هل أستطيع الاستماع كوني مواطنة سورية؟ فقالوا: اسألي المنظّمين، ذهبتُ وسألتُ المنظّم ويدعى Leo، فقال (لا مانع ولكن شرط ألا تشاركي بالحوار أو تسألي أي سؤال. كوني فقط مستمعة!)، وافقتُ ودخلت القاعة لأستمع لما يدور ولم أشارك بشيء. في الاستراحة كنّت أناقش وباقي السوريين خارج القاعة أسباب عقد المؤتمر، وما هو؟ ولماذا عقد؟ وأين ستذهب نتائجه؟، اعتقدت أن كوني سورية فإنه يحق لي أن أشارك السوريين الآخرين ببعض الآراء حول دستور بلدي. ففوجئت بطردي من القاعة، حين أخذني أحدهم جانباً ليقول لي إنه غير مرغوب بوجودي في القاعة حتى كمستمعة، وأنه لا يحقّ لي أن أنتقد أي شيء حتى خارج القاعة على اعتبار أني غير مدعوة، لم يكن مني الا أن دخلت القاعة لأحضر حاجياتي، ولكني اغتنمت الفرصة لأصرخ بأعلى صوتي باللغة الإنكليزية التي يفهمونها (أنا كسورية يحقّ لي أن أناقش دستور بلدي أكثر منك أنت النمساوي والألماني والأميركي، أنتم تتكلمون عن الديمقراطية والسلام في بلدي سورية. فعن أي ديمقراطية تتكلمون؟ وعن أي سلام تتحدثون، طردتموني لمجرد أني أتكلم مع السوريين خارج القاعة عن رأي في ما يناقشون، أنتم تتكلمون عن دستور بلدي ومستقبل أهلي. طلبوا مني مغادرة القلعة الأثرية كلها، والقرية كلها في البلد الديموقراطي، من مؤتمر يرعى السلام الوطني، لكن كسوّرية كان عليّ أن أصمت ولا أشارك، وعليكم أن تعوا وتفهموا أيها السوريون انه لا حق لكم في سورية، فقتلكم ممنهج وتشرديكم ممنهج، واستباحة بيوتكم ورزقكم ممنهجة، ومستقبلكم ومستقبل اولادكم سيكون ممنهجاً على طريقتهم، فلتكملوا القتال في ما بينكم، ولكنكم ستدفعون انتم وحدكم ثمن حماقاتكم)“.
ذلك الموظف كان يتبع لمكتب كمكتب دي مستورا، والصوت المعترض كان صوتاً نسائياً، فكيف تم التعامل معه؟ وهذا مثال واحد عن الكيفية التي تدار بها مثل هذه الملفات تحت عنوان المرأة والنساء ومشاركتهن السياسية.
وكي لا ننسى كيف نظر السوريون إلى نساء دي مستورا، علينا استحضار ردود فعل السوريين والسوريات على إعلان ولادة هذا المجلس النسوي الملتبس، حيث اعتبر كثيرون أن هذه المقترحات الهامشية تستهدف تشتيت العملية السياسية، وإبعاد الأنظار عن تهرّب النظام ومعه المبعوث الدولي والأمم المتحدة من القيام بواجباتهم حيال القرارات الدولية المتعلقة بسورية، أما النساء السوريات فقد رفضن الآلية التي تم بها اختيار هذا المجلس والذي ضمّ نساء مؤيدات للأسد وإجرامه تأييداً فاضحاً، حتى أن من بينهن مسؤولات كبيرات في مؤسسات الأسد على صلة قوية أجهزته الأمنية. فهل هذه هي صورة النساء السوريات؟ عدا عن وجود نساء لا تتمتعن بأي كفاءة ولا أي موقف سياسي جاد.
إن ما لا يفهمه المبعوث الدولي والمروّجون لمثل هذا المجلس، أن المرأة السورية، ليست بحاجة إلى مثل هذا الأسلوب، فهي ليست كما يصورونها، داعشية، ولا متطرفة، وهذه الصورة النمطية يراد منها إهانة المرأة السورية لا مساعدتها.
فالمرأة السورية التي يزعم هذا المجلس الرغبة بجعلها تشارك في العملية السياسية، كانت سبّاقة قبل كثير من دول العالم الغربي إلى المشاركة السياسية والتصويت في الانتخابات، وهي التي مُنحت ذلك الحق في العام 1949. في حين كانت دول غربية كثيرة تمنع المرأة من ذلك، فاليونان سمحت للنساء بالمشاركة في العام 1958، وسويسرا عام 1971 وغيرها الكثير من دول العالم.
بعد العام 2011 ظهر العمل النسوي السوري بشكل فردي أكثر تأثيراً من العديد من التجمعات النسوية التي زعمت أنها تدعم المرأة، وأنها تريد منجها ”كوتا“ في كل المؤسسات المعارضة وغيرها، وأنا كنت من بين النساء السوريات اللواتي افتتحن عملهن الخاص في المجال الخيري، وسارعت إلى تأسيس مشاريع صغيرة للاجئات السوريات في بلدان عديدة،، مثل لبنان، حيث أنشأنا مطاعم أسهمت النساء السوريات في العمل فيها وكسب لقمة العيش ”الحلال“ بجهودهن، بدلاً من الاعتماد على المساعدات ومدّ اليد إلى الآخرين. وقد تم تكريمنا حينها من دبلوماسيين عرب على الجهود التي بذلناها، هي واجبنا ولا فضل لنا فيه، لكن ذلك كان يحصل بلا مجالس دي مستورا ولا بيدرسون.
وطيلة الأعوام الماضية، عملتُ، وعملت كثيرات مثلي، على تعزيز كل عمل إنساني لصالح الثورة السورية ومطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، وحين أسسنا منظمتنا ”غلوبال جستس“ سلطنا تركيزنا على المشاريع الصغيرة، والزراعة، والتنمية، لأنها تمكّننا من تشغيل الأسرة كلها، لا الرجل وحده، فالأرياف تعمل فيها المرأة مع الرجل بشكل تعاوني، والمرأة السورية ثابتة أساساً على دعمها لموقف شعبها في أسوأ الظروف، وهي أم الشهيد وزوجته وأخته وابنته، فكيف حين تسدّ لها حاجتها من الحياة الكريمة سوف تسكون مساهمتها أكبر.
الشهر الماضي، قادت ”غلوبال جستس“ رحلة لوفد طبي أميركي بالتشارك مع منظمة ”RAHBAR TRUST“ لزيارة الشمال السوري المحرّر، وكان الوفد مكوّناً من أطباء قرروا اصطحاب زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم معهم، كما فعلنا نحنا واصطحبنا أبناءنا، كي يروا بأنفسهم قيمة العمل الإنساني، وكي يكونوا مشاركين فعلياً في التعامل مع المرأة السورية التي أبدوا إعجابهم بها وبصمودها وباعتزازها بكرامتها.
كما نظّمنا زيارة إلى مراكز ”الأمل“ في جنوب تركيا، حيث تتم رعاية الجرحى والمصابين، بإشراف فريق الطوارئ السوري SETF وهذا ما يجب أن يتم التركيز عليه أكثر من تأسيس مجالس نسوية تتعامل مع المرأة السورية على أنها ”معاقة“ وبحاجة إلى من يساندها وينقذها، كما يريد البعض تصويرنا جميعاً.
يراد للمرأة السورية أن تكون مصدر استفزاز للمجتمع، بطرح قضايا جانبية لا صلة لها بالمأساة السورية،مثل موضوع النسوية وتمكين المرأة وغيرها من المواضيع التي “أكلوا رؤوسنا بها”، في حين أن كثيرين منا لا يزالون يذكرون نساء سوريات اللاتي كان لهنّ دور كبير أكثر حتى من الرجال أنفسهم على مدار تاريخ سورية الحديث، من نازك العابد إلى عادلة بيهم الجزائري وغيرها وحتى زمننا هذا. بل إن المرأة العربية المسلمة كانت تمتلك حق منح صوتها من عدمه منذ فجر الإسلام، ولهذا كانت هناك بيعة (مستقلّة) للنساء مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن المرأة حينها مجرّد ملحق بالرجل وقراره السياسي.
هذه الأفكار هي التي علّمناها لأبنائنا في بلدنا سورية وفي مهجرنا، ولذلك حمل مشروع التخرّج الجامعي لابني كنان عنوان ”حقوق المرأة في الإسلام“ وقد أعجب به المشرفون حينها وأدهشتهم المعلومات التي أوردها عن دور النساء في الإسلام، وطلبوا منه أن يحاضر بهذا المشروع في أربع جامعات أميركية مختلفة.
وأخيراً وكي أكون أكثر صراحة، فإن ما يجري اليوم هو استغلال جديد ومن نوع آخر للمرأة السورية لإضعاف الثورة السورية بها، وإعادة إنتاج وتأهيل نظام الأسد، وليس دعماً المرأة ومساعدتها. فهل ينتبه أحدٌ إلى ذلك؟ والعمل هو الرد القوي الوحيد على كل هذه المحاولات لتشتيت الجهود السياسية، وعدم الالتفات إلى هذه الدوامات التي يريدون إدخال الشعب السوري فيها إلى ما لا نهاية.