غسان ياسين
الحديث عن انتهاكات وجرائم الميليشيات التي تحكم منطقة الجزيرة السورية حديث طويل ويوجد من الاثباتات الكثير منها، التقارير الدولية لمنظمات حقوقية تؤكّد أن هذه الميليشيات التي يمولها ويديرها بشكل كامل حزب العمال الكردستاني بفرعه السوري، ارتكبت جرائم مثل التهجير القسري والتغيير الديموغرافي والقتل المتعمد عبر العديد من المجازر وأيضاً القتل تحت التعذيب في سجونها المنتشرة بعموم منطقة الجزيرة.
ولا يحتاج أي مراقب عادي ليتأكد أنهم ارتكبوا كل أنواع الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش، لكن الفرق الوحيد بينهما هو أن ميليشيات قسد محمية بغطاء غربي تقوده الولايات المتحدة، ويجب ألا ننسى بأن بريت ماكغورك هو مؤسس قسد الفعلي وهو من يؤمن لها الدعم العسكري والغطاء السياسي.
قبل أيام أصدرت سلطة الأمر الواقع المسماة بالإدارة الذاتية بضعة أوراق قالت إنها عقد اجتماعي قد أقرّته. قسد تعمل جاهدة لأجل إخفاء سلطتها العسكرية القمعية خلف عدة مظاهر مدنية ومنها ما تسوّقه عن أنها تشرك المجتمع الذي تحكمه بإصدار القرارات ومنها ما سمّي العقد الاجتماعي، هذه المظاهر المدنية الخدّاعة يبدو أنها استطاعت إيهام بعض السوريين بأن مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنّف كمنظمة إرهابية هو مشروع وطني!
هناك نظرة يمكن أن نسميها نظرة استشراقية سطحية ينظر بها بعض السوريين المفتونين بما تفعله قسد من مظاهر، إذ إنّها وداعموها الغربيون الكثر كانوا حريصين على تصدير صورة عن مقاتلي قسد تعاكس تماماً صورة تنظيم الدولة (داعش) لدى الغرب، أي أن كل مظاهر التضييق على الناس مجتمعياً والتي كان داعش يمنعها، سمحت بها قسد، مع ادّعائها دعم الحريات والمواطنة عبر إشراك الناس بصنع قادتهم.
وإن كنا لا نقبل لكن نفهم لماذا الغرب حريص على رسم صورة غير حقيقية عن قسد ووصف مقاتلاتهم بأنهم مناضلات لأجل الحرية، لكن ما لا يمكن قبوله هو أن ينخدع بعض السوريين بهذه الرواية والتي لا علاقة لها لا بنشأة هذا الكيان المسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، ولا بممارساته على الأرض.
معظم أبناء منطقة الجزيرة بكردهم وعربهم يعرفون أن قادة قسد الحقيقيين هم من غير السوريين، وقد جاؤوا من قنديل، وحتى إن التواصل معهم يتم عبر مترجم لاختلاف اللهجة الكردية بين قادة قنديل وكُرد سوريا، هناك منشقون كثر عن حزب العمال الكردستاني وعن ميليشيات قسد صرحوا بأنه لا سلطة فعلية على الأرض لأبناء سوريا، وأن القادة العسكريين والمتحكمين بكل الموارد المالية هم كرد غير سوريين، وإن واردات المنطقة من النفط وخلافه تذهب في معظمها إلى قنديل.
قبل أيام طرح الفنان الكبير سميح شقير عبر منشور طويل على صفحته الشخصية في “فيس بوك”، فكرة إقامة اتحاد أو شراكة أو نوع من أنواع التنسيق والتقارب بين ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” وحراك السويداء!
هذا الطرح صادم جداً لدرجة أن أحد أصدقاء سميح علّق على المنشور قائلاً: “أتمنى أن تكون صفحتك مهكرة وألا يكون هذا طرحك بالفعل”، الأستاذ سميح أساء في منشوره هذا إلى حراك السويداء العظيم، وأساء فيه لكل قوى الثورة خصوصاً في الشمال السوري، لأنه قال في معرض كلامه إنّ السويداء تُركت وحيدة في إغفال لكل المظاهرات الحاشدة والمستمرة في شمالي سوريا دعماً لحراك السويداء.
كان على فناننا الكبير قبل أن يطرح مثل هذا الحل أن يسأل أبناء الجزيرة الذين يعانون بكردهم وعربهم من ممارسات قسد القمعية، منطقة الجزيرة ورغم احتوائها على معظم خيرات سوريا الطبيعية لكنها تفتقر للحد الأدنى من الخدمات، ويجب أن نسأل جميعا أين تذهب أموال النفط والغاز؟
قيادات قسد حقّقت اختراقاً بسيطاً في حراك السويداء عبر مجموعة صغيرة مسلحة تطلق على نفسها “حزب اللواء السوري”، هذا التشكيل يحاول الاستفادة من الدعم المادي المقدم له من قسد، في خلق حاضنة اجتماعية له بالسويداء، لكن كل محاولاته باءت بالفشل بسبب الوعي الكبير لدى أهالي السويداء ولكل القوى المجتمعية والسياسية التي تقود الحراك ومنها: الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني، المبادرة الوطنية في جبل العرب، تجمع القوي الوطنية، الحركة السياسية الشبابية، إعلان دمشق.
لا يجوز أن ينخدع المثقف والفنان ببعض الشكليات، وهل يعقل أن نعجب بالإدارة الذاتية هذه لأنها فقط تسمح بالتدخين، أو أن لديها مقاتلات نساء يقاتلن في صفوفهن ونغفل عن عمليات التجنيد القسري الذي تمارسه هذه الميليشيات، ومعظم ضحايا هذا التجنيد هم من الأطفال.
كان على فناننا الكبير قبل أن يدعم هذا التنسيق أن يسأل أهل الرقة والقامشلي ودير الزور، وكان عليه أن يسأل قيادات المجلس الوطني الكردي من اعتقلهم وأغلق مكاتبهم في مناطقه رغم أن معظم أحزاب المجلس هي من نخبة الساسة الكرد في سوريا.
وإن كان لا يعرف حقيقة نشأة قسد، كان عليه أن يسأل الكاتب والمثقف الكردي الأستاذ هوشنك أوسي، الذي كان قياديا في حزب العمال الكردستاني قبل أن ينشق عنه منذ سنوات، وبعد أن ترك الحزب كتب الكثير من المقالات والمنشورات التي تتحدث عن تفاصيل مشروع قيادة قنديل في سوريا.
“قوات سوريا الديمقراطية – قسد” هي ميليشيات وليست قوات وبالتأكيد ليست سوريّة وهي قطعا لا علاقة لها بالديمقراطية، ولا يجب أن ننخدع ببعض الفتات الذي قد يأتي من قسد نتيجة للوفرة المالية التي لديها من جراء نهبها لثروات الشعب السوري، لأن في هذا ظلماً وافتراء لكل حراك السويداء المهم والمستمر، وكلنا ثقة بأن الحراك سينهي هذا المشروع الانفصالي ولن تكون له حاضنة في جبل العرب الأشم، الجبل الذي رفض أن يكون له دولة مستقلة بعيداً عن سوريا. وعلى صاحب (يا حيف) أن يسأل ويستقصي أكثر قبل أن نغني نحن له: “يا حيف”.
المصدر: تلفزيون سوريا