د.رياض نعسان آغا
يجد الباحثون في التاريخ متشابهات كثيرة بين ما حدث منذ بداية القرن الراهن 2003 م يوم سقوط بغداد بيد الأمريكان ، وما حدث في عام 1258 م – 656هجرية يوم سقوط بغداد بيد المغول ، و يبدو التشابه كذلك بين الحملات الصليبية التي بدأت بقوة عام 1095 م وبين ما حدث بعد انهيار الدولة العثمانية ، وتقاسم الغرب ما سمي بتركة الرجل المريض ( وهي تركة عربية ) وما بين الهجوم الغربي على القدس بعد خطبة البابا آوربان الشهيرة في كليرمونت الفرنسية و سقوط القدس عام 1099 م وبين الحشد العسكري الغربي الراهن في المتوسط 2023 قبالة شواطىء فلسطين وسورية ولبنان ومصر .
كان سقوط بغداد في التاريخين بداية انهيار مريع ، فقد سقطت راية العرب ، وتحولوا من قادة فاعلين في العالم إلى محكومين ثم مستضعفين في دول حملت الراية الإسلامية التي سقطت من يد العرب ، فحملتها أمم أخرى ، ونهضت دول كبرى احتلت مكانة العرب على مدى قرون لاحقة ، ومع ضعف الدولة العباسية واقتراب انهيارها ظهرت دول عديدة في أنحاء متفرقة من جسد الأمة الإسلامية ، منها الدولة العبيدية الفاطمية والدولة الغزنوية والدولة البويهية و دولة القرامطة ، والعديد من الدول المتناثرة والمتناحرة ، واحتل الصليبيون السواحل العربية ثلاثة قرون، ولم تهدأ المقاومة لهذا الاحتلال فقد ظهرت الدول الزنكية والأيوبية ثم دول المماليك ، وكان العرب جيوش هذه الدول ، كما في معركة حطين 1187 م التي أسقطت الصليبيين وتلتها معركة عين جالوت 1260 التي أسقطت التتار ، ولئن كان غالبية المغول قد دخلوا الإسلام فإن الصليبيين عادوا في القرن السادس عشر الميلادي إلى سياسة فرض وتوسيع النفوذ ، ثم أرسلوا الجيوش لاحتلال مصر وفلسطين في حملة نابليون عام 1798 م ليبدأ عهد جديد لتدخل الفرنجة في شؤون العالم العربي والإسلامي ، ولم ينته إلى اليوم .
وقد استبعد العرب والمسلمون كلمة الصليبيين في تسميتهم لهذه الحروب (لإبعاد المضمون الديني عنها وسموها حروب الفرنجة ) واعتبروا أن هدف هذه الحروب هو السيطرة ونهب الثروات ، ورأى آخرون أن سلسلة الحروب هي امتداد تاريخي للحملات المتبادلة بين الشرق والغرب وكان أهم فصولها في القرن الرابع قبل الميلاد في حروب الإسكندر الأكبر التي خاضها ضد الإمبراطورية الفارسية الأخمينية، تحت قيادة الشاهنشاه داريوش ، وعلى الصعيد العربي بوسعنا أن نعتبر حملة أبرهة على مكة ضمن الرد والإجابة ، كما بوسعنا أن نعتبرها حرباً صليبية بالمفهوم الديني ، فقد كان هدف الحملة هدم الكعبة والتحول إلى كنيسة القليص في اليمن ، كما أن بوسعنا أن نفهم أن فتوحات العرب المسلمين في العراق والشام والشمال الإفريقي كانت حروب تحرير من سيطرة الروم .
والمفارقة الهامة أنه على الرغم من كل التقدم الحضاري والعلمي والفكري الذي حققته البشرية ورغم ما ذاقت من ويلات الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن العشرين ، وبعد ما شهدت من الدمار ما ليس له مثيل في التاريخ بفضل التقدم التقني في وسائل التدمير الشامل وسباق التسلح ، فإن العالم يبدو اليوم أكثر وحشية في ساحات الحروب ، حيث تسقط أقنعة من يسمون أنفسهم مدافعين عن حقوق الإنسان ، أن الأحداث الراهنة في غزة ( مثلاً ) كشفت أن الشعوب في الغرب ظهرت أكثر إنسانية من قادتها ، فقد ملأت التظاهرات التي تستنكر حروب الإبادة ساحات العالم حتى تل أبيب ، إلا أن أوائك القادة المتخمين بأحقاد التاريخ و عصبيات القرون الوسطى يدعمون التدمير الشامل للشعوب التي تناهض الاحتلال والظلم ، وهدف هؤلاء القادة استعادة السيطرة الكاملة على شعوب الشرق الأوسط التي يخشون قيامها وحصولها على حريتها .