أسامة آغي
لا شيء يُضعف بنية منظمات المجتمع الأهلي سوى الانقسام على أساسٍ إيديولوجي أو سياسي، فهذه المنظمات “النقابات والجمعيات الأهلية وغيرها من التنظيمات الشعبية” إنما هي بنىً وطنية تتشكل على قاعدة المصلحة الوطنية العامة أولاً، ومصلحة الفئة الاجتماعية التي يؤطرها هذا التنظيم المهني أو تلك النقابة الحرفية أو نقابات العمل.
ولا يكون مفهوماً الانقسام النقابي والاختباء خلف شعارات الثورة الفضفاضة، فمثل ذلك الانقسام لا يوضّح حقيقة أحد اصطفافين، سياسي بمعنى الحزبي، والإيديولوجي، سواء كانت الإيديولوجيا إثنية أو فكرية سياسية ذات اتجاه ديني أو ليبرالي أو يساري شمولي.
هذه الرؤية التي نطرحها تناقش الانقسام بصورة عامة في صفوف نقابة المحامين الأحرار، وتحديداً في فرع محافظة حلب، وضرورة تجاوزه على قاعدة وحدة العمل النقابي، بما يخدم عمل النقابة بمستوييه الفئوي “أي تنظيم مهنة المحاماة بصورة عامة، والقانوني بما يخدم ترسيخ القانون في بنية المجتمع ومؤسساته “الحوكمة السياسية وإدارة شؤون الشمال المحرّر”.
إن المؤتمر الانتخابي لفرع نقابة محامي حلب الأحرار والذي سيعقد بتاريخ الخامس عشر من شهر تشرين الأول عام 2024، ينبغي أن تتمّ العملية الانتخابية فيه بصورة ديمقراطية، بما يخدم قوننة مهنة المحاماة وتطوير أدائها على قاعدة التغيير العام المطلوب.
ولعل هذا المؤتمر الذي سينتج عنه انتخاب قيادة نقابية جديدة لفرع محامي حلب الأحرار، والذي سيعقد قبل عامين من موعد انعقاده المنصوص عنه باللائحة التنظيمية للنقابة، نتيجة توافق غالبية المحامين على انعقاده بهذا التاريخ.
وكي تكون العملية الانتخابية ديمقراطية بصورة علنية، ينبغي أن تساهم منظمات المجتمع المدني بمراقبتها، إضافة إلى دور الإعلام بإضاءة مجريات هذه الانتخابات على قاعدة شفافيتها.
وكي لا تحدث مفاجآت تعكّر انعقاد العملية الانتخابية، من الضروري أن يكون في ذهن القيادة الحالية لفرع محامي حلب الأحرار أهمية أن تكون القيادة التي ستولد بالانتخابات المشار إليها، تعبّر عن جوهر حقوق المحامين الأعضاء فيها، والقادرة على إنتاج علاقة صحيحة بين النقابة ووزارة العدل في الحكومة المؤقتة وفق قانون تنظيم مهنة المحاماة.
إن الذهاب إلى تسييس العمل النقابي هو ذهاب باتجاه تشظية هذا العمل، وفي المحصلة النهائية فإن تشظية العمل النقابي لن تخدم قوى الثورة والمعارضة في سعيها لتشكيل قوة ضغط موحدة على المجتمع الدولي من أجل تنفيذ القرار 2254، الذي يفتح الباب أمام الانتقال السياسي في سورية.
إن تشظية العمل النقابي لن تخدم سوى نظام الأسد الذي يهمه انقسام قوى الثورة وتشظيها، وبالتالي يوظّف هذه التشظية لمصلحة خطابه بعدم وجود قوة ثورية تقابله، أي عدم وجود من يفاوضه باسم قوى التغيير الثوري في البلاد.
إن التنافس على قيادة نقابة المحامين الأحرار بصورة عامة من ضمن بنيتها الواحدة هو تنافس مشروعٌ ولا ينبغي أن يتمّ إلباسه ثوب التخوين أو العداوة، فالنقابة بيتٌ لكل المحامين، وتطوير بنيتها ونظامها الداخلي هو شأن يبدأ من داخلها، سيما أن الناظم لعمل هذه النقابة ير تكز على قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 30 الصادر عام 2010.
إن سقف الشعارات الثورية في العمل النقابي لا يمكن أن يكون مقبولاً حين يكون مرتفعاً دون حوامل حقيقية له، وبالتالي فإن الزجّ بالشعارات الأكثر ثورية في بيئة واقعها لا يستطيع حمل هذه الشعارات، ستكون نتائج ذلك كارثة على العمل النقابي الموحد، والذي يجب أن يصبّ في خدمة قضية الثورة وفق معطياتها وموازين قوتها المتغيرة، وبالتالي سيضعف القضية السورية في جانبها الحقوقي والقانوني.
إن المطلوب من المؤتمر الانتخابي لفرع محامي حلب الأحرار، الذي سيعقد في الخامس عشر من شهر تشرين الأول القادم، أن يكون مؤتمراً انتخابياً شفافاَ، دون اصطفافات سياسية حزبوية أو إيديولوجية، كي تتمكن النقابة من لعب دورها في دفع قضية الثورة السورية، بما يتناسب مع وحدة قوى الثورة والمعارضة ومنظمات المجتمع الأهلي والمدني.
أما أن يكون بعض المحامين ممن يرى في التحشيد على غير قاعدة الممكن المتاح في وحدة العمل النقابي لفرع نقابة محامي حلب الأحرار حقّاً، إنما يذهب إلى المراهنة التي لا تخدم سوى ترسيخ الانقسام، بما يضعف هذه النقابة، وبالتالي، سيكون مسؤولاً أمام الشعب السوري عن تغليب لغة الانقسام والتخوين وتخريب العمل النقابي، ولن يستطيع دفع المسؤولية عن نفسه بارتدائه لشعارات أكثر تطرفاً ثورياً.
الثورية مسؤولية تقرأ الواقع وتعمل على تغييره وفق قوانين علمية وليس بشعارات متخيلة. فهل يتوافق محامو حلب الأحرار على هذه المسؤولية؟ ننتظر المؤتمر الانتخابي لنرى ما سيحدث.و تلك النقابة المهنيةأ